يزداد تعقيد الصراع في اليمن، ويبدو احتمال تخلي الأطراف المختلفة عن أسلحتها بعيد المنال. فمنذ 2015 تعج البلد في فوضي رهيبة وهي الآن أصبحت أكثر فوضي، خاصة بعد إعلان الانفصاليين الجنوبيين الحكم الذاتي في شهر أبريل/نيسان المنصرم.
ومنذ 11 مايو/ أيار، يتقاتل بشراسة كل من القوات الحكومية اليمنية (مدعومة من السعودية) المعترف بها من قبل الأمم المتحدة، والمجموعات المسلحة في المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من الإمارات، حيث تحاول الأولي طرد الثانية من مدينة زنجبار أبرز مدن محافظة أبين الواقعة جنوب شرق عدن.
وأودي القتال بحياة العديد من الجانبين، ومن المتوقع أن يزداد الوضع سوءا. حيث يواصل كلا الطرفين تعبئة القوات والحرب الكلامية على منصات التواصل على قدم وساق.
وبينما كان القتال بين الحكومة اليمنية والانفصاليين الجنوبين متوقعا، لم يكن من المتوقع أن تشارك القوات التي يقودها العميد "طارق صالح" -ابن شقيق الرئيس الراحل "علي صالح"- في المعركة لدعم الانفصاليين الجنوبين المدعومين من الإمارات.
وكشفت تقارير محلية عن تورط قوات "صالح" في القتال لدعم الانفصالين الذي يشددون قبضتهم على عدن وأبين والضالع ولحج منذ أغسطس/آب 2019. وخلاصة القول، فقد ظهر عدو ثالث للحكومة اليمنية.
ووسط موجة العنف المندلعة في محافظة أبين، أصبح واضحا الجانب الذي يقف فيه "صالح" قائد قوات المقاومة الوطنية.
وفور اندلاع الاشتباكات بين الانفصالين والحكومة اليمنية في أبين، على بعد حوالي 35 ميلا من عدن، غرد "صالح" قائلا: "عدن بحاجة إلى دعم وإغاثة ومعدات وفرق طبية وليس فرق اقتحام ومعدات عسكرية".
تصريح "صالح" عبّر بوضوح عن استيائه من الأنشطة العسكرية للحكومة في الجنوب ويكشف أن لديه أولويات متعارضة مع الحكومة.
في الواقع، تقر قيادة المجلس الانتقالي الجنوبي بتقاربها مع القائد العسكري "طارق صالح" إذ أن كليهما مسلحان ومدعومان من الإمارات. وأشاد نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي "هاني بن بريك"، بموقف "صالح" من التطورات الأخيرة في جنوب اليمن.
ونشر "بن بريك" صورة "صالح" على "تويتر" قائلا: "حيا بالعميد طارق.. الذي نكن له الاحترام، تحاربنا واصطلحنا وتآخينا وتحالفنا ضد الحوثي، وصدقنا معه وصدق معنا".
ولدي "صالح" ماضي إشكالي، فقد دخل في شراكة مع "الحوثيين" لمحاربة الحكومة اليمنية من عام 2015 إلى 2017. وانتهي تحالفه مع "الحوثيين" إثر معركة دامية قتل فيها الرئيس السابق "علي صالح". وخسر "طارق صالح" الذي كان قائدا لقوات الأمن الخاصة في عهد عمه، المعركة مع "الحوثيين" في ديسمبر/كانون الأول 2017. وفر من المواجهات الدامية وترك صنعاء تحت سيطرة "الحوثيين".
ومنذ تفكك تحالفه مع "الحوثيين"، أكد "صالح" مرارا أن مهمته هي إخراج "الحوثيين" من صنعاء وجميع المحافظات اليمنية دون إبداء أي خلاف مع الحكومة اليمنية.
ومع ذلك فإن رد فعله على التصعيد الأخير في الجنوب يمثل تحديا جديدا للحكومة المدعومة من السعودية، والتي تقاتل في وقت واحد "الحوثيين" والانفصالين الجنوبيين. بعبارة أخرى يبدو أن "صالح" أظهر معارضته للحكومة مرة أخري وانحاز للانفصاليين الجنوبيين الذين يسعون لتقسيم اليمن.
ومع ذلك، نفت قوات "صالح" أي صلة بالمعركة الجارية بين العناصر الانفصالية الجنوبية والحكومة اليمنية. ودفع "صادق دويد" المتحدث باسم قوات المقاومة الوطنية (التي يقودها طارق صالح)، بأن الحكومة اليمنية اعتادت فقط على اختلاق الأعذار لفشلها.
وفى 14 مايو/أيار غرد "دويد" قائلا: كان البعض يتحجج سابقا لتبرير فشله بالزعيم الشهيد صالح، ويحاولون اليوم الزج بالمقاومة الوطنية وقائدها طارق صالح لتغطية إخفاقاتهم في الجنوب.
تبقي الحقيقة أن قوات "صالح" مستعدة لمحاربة "الحوثيين"، لكنها غير راغبة في اتباع توجيهات الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية.
وقال الباحث والكاتب اليمني "عادل داشيلا" لـ "إنسايد أرابيا" إن "قوات صالح ومتمردي المجلس الانتقالي الجنوبي كلاهما ميليشيات. الشيء الوحيد الذي يوحدهم هو عداءهم للحكومة اليمنية المدعومة من السعودية والمعترف بها من قبل الأمم المتحدة. من وجهة نظري، إذا لم يتم انهاء التمرد في عدن سواء بعملية عسكرية أو من خلال تنفيذ اتفاق الرياض، فقد يتمرد صالح ضد الدولة اليمنية في المستقبل".
وأضاف "داشيلا" أن " ميليشيات صالح تقاتل جماعة الحوثي، لكنها لا تنتمي إلى وزارة الدفاع التابعة للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا. وبالتالي، فإن هذه الجماعات المسلحة لا تعمل بموجب أوامر من رئيس الأركان اليمني، ولكنهم ينفذون أوامر القيادة الإماراتية".
وبالفعل، في عام 2018، لعبت الإمارات دورا حاسما في دعم "صالح" لتأسيس قوات المقاومة الوطنية على الساحل الغربي لليمن. وفي يوليو/تموز، أعلنت الإمارات انسحابها من اليمن، مشيرة إلى أنها ستعطي الدبلوماسية الأولوية لحل النزاع حتى مع استمرارها في السعي للسيطرة على سقطرى وتسليح كل من الانفصاليين الجنوبيين وقوات "صالح" ضد الحكومة المدعومة من السعودية.
وفى أكتوبر/تشرين الأول 2019، سلمت الإمارات أكبر مقر لها في مدينة الخوخة جنوب محافظة الحديدة، إلى "صالح". وأكد ذلك التعاون الملتزم بين الجانبين. وجاء هذا في الوقت الذي واصلت فيه الإمارات تمويل المجلس الانتقالي الجنوبي وتصميمها على السيطرة على جنوب اليمن من خلال السعي لانفصاله.
ويشكل انتشار الجماعات المسلحة المدعومة من الخارج تحديا كبيرا على طريق السلام في اليمن. فالسعودية تدعم الحكومة اليمنية بينما تبذل إيران قصارى جهدها لمساعدة "الحوثيين"، علاوة على ذلك تدعم الإمارات كلا من الانفصاليين الجنوبين والقوات التي يقودها "صالح".
لا تزال اليمن، بموقعها الحيوي والاستراتيجي وافتقارها إلى قيادة قوية وموحدة، مسرحا للتنافس الإقليمي والحروب بالوكالة، وسط تجاهل تام لاحتياجات السكان البائسين والعاجزين.
وبدلا من بناء السلام والتخفيف من المعاناة الإنسانية، تبقى عجلات الدمار مستمرة في البلد الذي مزقته الحرب والفقر، بسبب الصراع المستمر من أجل الهيمنة عبر المليشيات المحلية والنخب السياسية والعسكرية التي تدفعها الأنانية المفرطة والتعطش للسلطة والسيطرة.
المصدر | إنسايد أرابيا - ترجمة وتحرير الخليج الجديد