خفر السواحل

بعد سنوات من الهدوء.. ما دوافع هجوم إريتريا مجددا على الجزر اليمنية؟

بعد هدوء دام لسنوات بين اليمن وإريتريا، المطلتين على البحر الأحمر، تصدت البحرية اليمنية لهجوم عسكري إرتيري على جزيرتي حنيش وزقر اليمنيتين في الثالث من يونيو الجاري، وتسيطر على زورقين من قوام 3 زوارق إرتيرية مهاجمة.
ويأتي هذا الهجوم، رغم أحقية اليمن بالجزيرتين وفقاً لإعلان لجنة التحكيم الدائمة في العام 1998 بإنتماء أرخبيل حنيش لليمن.

لاحقاً، اختطفت البحرية الإريترية صيادين يمنيين من المياه الإقليمية اليمنية في البحر الأحمر، بحسب رواية المتحدث باسم القوات المشتركة في الساحل الغربي اليمني، العقيد وضاح الدبيش.
وفي خضم زيادة التوتر بين الدولتين قرب باب المندب، قادت الإمارات العربية المتحدة، وساطة للإفراج عن 7 عسكريين إريتريين، على أن تكون الضامن لإطلاق إرتيريا سراح نحو 120 صياداً يمنياً.
لكن مدير مركز الإنزال السمكي في مديرية الخوخة بمحافظة الحديدة، داود مشولي، كشف لـ”المشاهد”، عن استمرار إرتيريا في احتجاز 11 قارباً من أصل 14 قارباً، واعتقال 30 صياداً  كانوا على متن تلك القوارب، مؤكداً إفراجها عن 68 صياداً فقط.

ما دوافع التحركات الإريترية الأخيرة؟

تلك الممارسات أثارت التساؤل عن دوافع إريتريا للتحرك في هذا التوقيت الذي تعيشه اليمن منذ 6 أعوام.
الدوافع تلك، يفسرها الباحث والمحلل العسكري اليمني علي الذهب، بقوله: “تلك التحركات ليست المرة الأولى، ولن تكون الأخيرة، فإرتيريا عادةً ما تخترق المياه الإقليمية لليمن، لتعقب الصيادين الذين تزعم أنهم يصطادون في مناطق لازالت محل خلاف، لأنه لم يجرِ تنفيذ قرار التحكيم الصادر بخصوص التنازل لليمن عن الجزيرة”.
الخلاف، كما يوضح الذهب لـ”المشاهد”، يتمحور على حدود البحر الإقليمي وما بعد جزيرة حنيش؛ لأن البحر يضيق في تلك الأماكن. وامتداد البحر الإقليمي للطرفين يجعل هناك تداخلاً في المياه، على أن هناك منطقة اقتصادية خالصة ومتاحاً الصيد فيها لجميع الأطراف، حتى من غير المنطقة”.
ويتفق مع هذا الطرح، الكاتب اليمني موسى عبدالله قاسم، الذي يستغرب من تكرار إريتريا مثل تلك الأعمال العدائية تجاه الصيادين اليمنيين، حتى وهم في مياه اليمن الإقليمية، وحدوث ذلك حتى بعد تثبيت السيادة الوطنية على المنطقة بحكم دولي، وتعامل اليمن مع ما يجري بردة فعل باردة، برغم أن الصيادين كانوا يقبعون في سجون أسمرة لأشهر، دون تحرك حكومي، وهو الأمر الذي شجع أسمرة على مواصلة تلك الانتهاكات.
وتعد التحركات الأخيرة لأسمرة امتداداً لتحركات سابقة، مع التأكيد هنا أن وضع اليمن اليوم مختلف عن ماضيه، لاسيما أن حماية سيادته البحرية تقع على عاتق التحالف العربي، بعد انهيار الدولة اليمنية، وغياب قوة الردع الوطنية، بحسب قاسم. متسائلاً عن دور التحالف الذي يسيطر على مياه اليمن الإقليمية، في التعامل مع ما تقوم به إريتريا وقواتها البحرية، وتعديها على سيادة الدولة اليمنية، بعيداً عن مدلول السيادة المفترض في واقع اليمن راهناً، بحسب قوله.
ويعود النزاع بين اليمن وإريتريا إلى العام 1995، بعد مواجهات مسلحة بين البلدين دامت لمدة 3 أيام من شهر ديسمبر من ذلك العام، وأدت إلى مقتل عدد من جنود البلدين.

تدخل إماراتي محسوب

سارعت الإمارات للتدخل في حل للإشكال الذي نشب بين اليمن وإريتريا مؤخراً، رغم أن السعودية هي التي تتدخل في مثل هذه الظروف.
وقد يكون وراء هذا التدخل دلالات سياسية، بحسب الذهب، مشيراً إلى أن الإمارات تريد أن تسجل مواقف لمصلحتها ومصلحة حليفها الإريتري.
وترغب الإمارات التي لها قاعدة عسكرية بحرية في ميناء عصب الإريتري، بتوجيه رسائل إلى الدول العربية في منطقة البحر الأحمر، بأن لها نفوذاً في هذه المناطق، وحلفاء على الساحل الشرقي والغربي للبحر الأحمر، وأن السعودية ليست وحدها صاحبة القرار الأول بوصفها أقوى قوة عربية، إلى جانب مصر، في تلك المنطقة، بحسب الذهب.

تحاول الإمارات السيطرة على مضيق باب المندب وطرق الملاحة البحرية وتوسيع نفوذها العسكري بعد أن اتخذت من مشاركتها في حرب اليمن حجة في إقامة قاعدتها العسكرية في ميناء عصب الإرتيري.


وتسعى القوات الإماراتية إلى الهيمنة على حركة الملاحة في مدخل باب المندب عبر قاعدتها العسكرية في كعكع شمال مدينة عصب الإرتيري التي أقامتها في إبريل 2015 بعد اتفاقها مع الحكومة الإرتيرية عقد إيجار لمدة ثلاثين عاما.
وتحاول الإمارات السيطرة على مضيق باب المندب وطرق الملاحة البحرية وتوسيع نفوذها العسكري بعد أن اتخذت من مشاركتها في حرب اليمن حجة في إقامة قاعدتها العسكرية في ميناء عصب الإرتيري.
ويلفت الذهب إلى سلوك إرتيريا التي غالباً ما تتملص من الانضمام لأي تحالف أمني وعسكري في منطقة البحر الأحمر، وقيامها مؤخراً بانضمامها إلى مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، بقيادة السعودية، متوقعاً أن يكون ذلك تحت تأثير الرياض وإغراءاتها، وبالتالي فهو انضمام مؤقت، قد تنسحب منه إرتيريا لعلاقتها الوطيدة مع تل أبيب التي تربطها علاقة وطيدة معها منذ الاستقلال في 25 مايو 1991، ولذا تميل لها أكثر من العرب، فضلاً عن كونها لا تريد أن يكون لها التزامات لمصلحة أي تحالف عربي يعمل في اتجاه معاكس لرغبة حليفتها.
ومن ذلك المنظور، لا يستبعد الكاتب اليمني قاسم، أن يكون هناك نوايا مبيتة لفتح جبهات تشغل الحكومة والرأي العام اليمني، من قبل دولة الإمارات، التي يتزايد الرفض الشعبي والرسمي لسياستها تجاه اليمن ووحدتها وسلامة أراضيها، بخاصة بعد فشلها في السيطرة على محافظة أرخبيل سقطرى، وتلاشي أطماعها فيها، وهو ما ستكشف عنه الأيام القادمة.
ويرى أن الأبواب بشأن ذلك تبقى مفتوحة على أكثر من احتمال في حال انزلقت الحكومة الإريترية خلف سياسة الإمارات، القائمة على تمزيق اليمن وضرب كينونته الوطنية، حد قوله.

الوضع الحالي لليمن لا يتيح لها القيام بأية مواجهة عسكرية مع إرتيريا، لأن وضعها السياسي يتجاذبه أكثر من طرف؛ الحوثيون، والحكومة اليمنية، والتحالف العربي الذي يؤثر على القرار في أية تسوية مع إريتريا، بحسب الذهب.

استبعاد المواجهة العسكرية

ورغم التحرك الأخير لإرتيريا، إلا أن الذهب يستبعد أن تجرؤ على القيام بأي عمل عسكري للسيطرة على أي من الجزر الثلاث (حنيش الكبرى والصغرى وزقر)، لأنها موقعة على اتفاق دولي بخصوصها، فضلاً عن وجود ضمانات دولية، وتحديداً من مصر وفرنسا.
كما أن الوضع الحالي لليمن لا يتيح لها القيام بأية مواجهة عسكرية مع إرتيريا، لأن وضعها السياسي يتجاذبه أكثر من طرف؛ الحوثيون، والحكومة اليمنية، والتحالف العربي الذي يؤثر على القرار في أية تسوية مع إريتريا، بحسب الذهب.
وهو ما يؤيده قاسم، الذي لا يعتقد أن تتطور الأمور أكثر من مواصلة خفر السواحل الإريترية اختطاف الصيادين ومصادرة قواربهم، واستمرار أعمال القرصنة تلك، خصوصاً أنه لا يوجد ما يدل على رغبتها في السيطرة على أرخبيل حنيش.

المصدر: المشاهد