أطفال اليمن

في زمن "كورونا".. كيف يبيع أطفال اليمن أحلامهم على الطرقات (شاهد)

أطفال بأعمار متفاوتة، أجبرتهم الحرب على العمل من أجل توفير احتياجاتهم، وضمان دخل يومي لأسرهم التي تعيش بدون عائل.
ولم يثنهم تفشي فيروس كورونا (كوفيد 19) عن مواصلة الوقوف على نواصي الشوارع لعرض ما يبيعون، رغم كل التحذيرات والمناشدات بالمكوث في المنازل والالتزام بالإجراءات الوقائية للحماية من انتشاره، ومنهم الطفل مراد الوصابي (9 سنوات) الذي يعمل في بسطة بيع حقائب لفتياتٍ صغيرات، مطبوع عليها رسومات طفولية بريئة كملامح وجهه الصغير المليء بالبشاشة رغم ما يكابده طوال النهار من مشقة الوقوف والبيع لكي يحصل على دخل شهري قدره 20 ألف ريال يمني (يعادل 30 دولاراً أمريكياً)، يمكن من خلاله مساعدة شقيقيه اللذين يكبرانه سناً، كما يقول لـ”المشاهد”، متابعاً: “أنا أعتمد على نفسي في شراء ملابسي، وأساعد إخوتي في توفير احتياجاتهم من مأكل ومشرب وإيجار للمنزل الذي نسكنه مع أمي”.

الحرب تفاقم معاناة الأطفال

ورغم أن القانون اليمني لحقوق الطفل الصادر عام 2002، يحظر عمل من هم دون سن الـ14، إلا أن القانون لم يطبق بسبب تغيب هيئات ونقابات حماية حقوق الطفل، الأمر الذي يجعل من الأطفال فريسة سهلة وأكثر عرضةً للاستغلال بسبب حاجتهم الماسة للعمل في ظل الظروف الاقتصادية المتردية في بلادهم.
وبحسب إحصائيات أعلنت عنها منظمة اليونيسف، في الذكرى الـ30 لتأسيسها في أكتوبر الماضي، فإن حوالي 12 مليون طفل في اليمن بحاجة للحصول على مساعدات إنسانية.

جامعة الدولة العربية : وضع الأطفال في اليمن ازداد سوءاً في السنوات الأخيرة، بعد أن تصدرت القائمة بعدد الأطفال الذين يعملون دون سن الـ15، بنسبة 34,9% من إجمالي الأطفال الذين يعملون في دول عربية تشهد حروباً ونزاعات.


وقالت سارة بيسولو نيانتي، ممثلة اليونيسف في اليمن، إن “السلطات اليمنية، لم تفِ بوعودها والتزاماتها تجاه الأطفال”.
وحسب تقرير أصدرته جامعة الدول العربية والمجلس العربي للطفولة، فإن وضع الأطفال في اليمن ازداد سوءاً في السنوات الأخيرة، بعد أن تصدرت القائمة بعدد الأطفال الذين يعملون دون سن الـ15، بنسبة 34,9% من إجمالي الأطفال الذين يعملون في دول عربية تشهد حروباً ونزاعات.

يبيع حلمه على الطرقات

تزيد احتمالية عمل الأطفال في المناطق الريفية 3 مرات عن أطفال المناطق الحضرية في اليمن، حسب تقارير للمسح الميداني الذي قامت به منظمة اليونيسف، إذ إن 68% من الأطفال في الريف اليمني يعملون في شتى المجالات، بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والنزوح إلى أماكن أخرى.
وقالت المنظمة إن 14% من الأطفال الذين يعملون أعمارهم بين 6 و11 سنة.
الطفلان أسامة ورائد من تلك النسبة التي تحدثت عنها منظمة اليونيسف، إذ يعملان في “الدِّلالة” متنقلين من قرية إلى أخرى، في ريف محافظة تعز (جنوبي غرب اليمن)، المترامي الأطراف. يحملان البضائع على ظهريهما اللذين تحدبا من ثقلها، غير آبهين بذلك، رغم صعوبة ووعورة الطرق، وما يحملانه من بضائع على عاتقهما لا تتناسب مع عمريهما الصغيرين، وتحمل التعب والمشقة والمخاطر التي قد يواجهانها أثناء رحلة البيع في قرى متباعدة هناك.
ويقول أسامة: “وصلنا إلى السائلة التي تقودنا إلى قرية أخرى علنا نجد سيارة تقلنا إلى تلك القرية كي نبيع بضاعتنا صباح اليوم”.
في صباح اليوم التالي من وصولهما إلي القرية، فتح أسامة البالغ من العمر 11 سنة، شاله الأخضر ليرى ما تبقى ليعرض الأقلام والدفاتر ولعب الأطفال. فسألته عن والده، رد قائلا: “إنه في المنزل”. وأكمل حديثه: “كان والدي يعمل نجاراً، لكنه أصيب بحادث أفقده الحركة، فأصبح طريح الفراش”.
أما صديقه رائد ذو الـ9 سنوات، فقد أنهكه التعب، وضع بضاعته على الأرض، وألقىً برأسه عليها. صمت قليلا، ثم تأوه من أعماق صدره، قائلا:” توفي والدي قبل عامين، ووالدتي تعمل في مهنة الخياطة، لكن ما تربحه لا يكفي بسبب قلة الدخل من الخياطة في مدينة تعز، فقد كثرت محلات الخياطة في الآونة الأخيرة”.
وتابع:”: “لم ألتحق بالمدرسة لأتعلم كبقية الأطفال”.

يعملون كباعة في الاسواق

“كورونا” يترصدهم في الأسواق

ورغم تحذيرات منظمة الصحة العالمية المتكررة من تفشي وانتشار وباء كورونا في اليمن، بشكل مخيف، بسبب انهيار النظام الصحي، كما صرح الناطق الرسمي للأمم المتحدة باسم أوتشا، أن “الأعداد الحقيقية المصابة بفيروس كورونا في اليمن، أعلى بكثير مما تم نقله وتداوله عبر وسائل الإعلام”.
وأضاف أن “نصف المرافق الصحية في اليمن تحتاج لتمويل، وأن الكثير من المستشفيات ترفض استقبال الحالات المصابة بالفيروس، لعدم توفر أوكسجين كافٍ”.


ونشرت منظمة اليونيسف حقائق تهدد حياة ملايين الأطفال في اليمن، بسبب تفشي العديد من الأمراض والأوبئة. وطالبت المجتمع اليمني بالتباعد الاجتماعي والبقاء في المنازل.
وبالرغم من الحملات التوعوية التي تقوم بها وزارة الصحة، إلا أن آلافاً من الباعة المتجولين الأطفال لا يكترثون ولا يتبعون الإرشادات الوقائية والإجراءات الاحترازية لحماية أنفسهم والآخرين، متنقلين بين الأسواق والشوارع، متجاوزين كل التحذيرات، لأن أسرهم تعتمد على عملهم اليومي بنسبة كبيرة كبقية شرائح المجتمع.
ومن أولئك الأطفال، يوسف الشرماني، البالغ من العمر 13 سنة، والذي لا يأبه لتلك التحذيرات، ويمضي يومه متنقلاً مشياً على قدميه، من سوق لآخر، حاملاً معه بعض الكمامات التي يبيعها على المارة، فبعد ظهور حالات مصابة بفيروس كورونا في اليمن، حوَّل يوسف عمله من بيع الماء إلى بيع الكمامات، كما قال لـ”المشاهد”، مضيفاً: “حمل كرتون الماء كان ثقيلاً عليَّ أثناء تنقلي من شارع إلى آخر”.
ويقول إنه لا يخشى من الإصابة بفيروس كورونا، ولو خاف من ذلك لبقي في البيت، وتأثرت أسرته.

مراد طفل يعمل في بيع حقائب خاصة بالاطفال

آثار نفسية

كبر مراد ويوسف وأسامة ورائد قبل أوانهم، وتحملوا مسؤولية أسرهم، وظلوا يكابدون الحياة بالأسواق والقرى المتاخمة لمدينة تعز، الأمر الذي قد يعكس آثاراً سلبية على نفسياتهم ونموهم، كما توضح الأخصائية النفسية فاطمة صالح، قائلة: “عمل الأطفال في سن صغيرة يؤدي إلى مشكلات نفسية تؤثر عليهم سلباً في بناء شخصيتهم، ومنها سوء التأقلم مع البيئة المحيطة بهم، لأنهم يكونون غير مهيئين نفسياً وجسدياً، لعدم اكتمال نموهم في المرحلة العمرية قبل البلوغ”.


وينتج عن عمل الأطفال أزمات نفسية وبدنية، فالطفل لا يكون مهيأً للتعامل والتأقلم مع من يكبرونه سناً، وهذا قد يعرضه لأضرار كثيرة، منها الانحرافات والاضطرابات النفسية التي ستصيبه بالإحباط، كما تقول صالح.

المصدر: المشاهد