لم يعثر الأربعيني اليمني خالد علوان المطحني حتى اليوم، على طفلته براءة التي لم يتجاوز عمرها ستة أعوام، وقت اختفائها في حديقة أرض الأحلام بمدينة الحديدة غربي اليمن في 20 سبتمبر/أيلول 2017، رغم بحثه المستمر عنها، وإبلاغ إدارة الأمن في المحافظة عن اختفائها.
خلال فترة البحث، تلقى المطحني، أكثر من 20 اتصالا من غرفة العمليات في إدارة الأمن تطلب منه الحضور للتعرف على طفلة تم العثور عليها، "في طريقي وقبل وصولي يدق قلبي بقوة ومعه تسيطر علي رغبة كبيرة في أن أجدها، لكن سرعان ما أكتشف في كل مرة أنها ليست ابنتي"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا بحزن: "أتمنى معرفة مصير براءة حتى ولو ميتة. صارت حياتنا جحيما بعد اختطافها".
وتعد الطفلة براءة واحدة من 234 حالة اختطاف للأطفال سجلت في 7 محافظات يمنية خلال عامي 2017 و2018، بحسب ما رصدته ووثقته منظمة نضال لحقوق الإنسان.
وحلت صنعاء، في المرتبة الأولى بواقع 94 حالة اختطاف للأطفال، تلتها محافظة تعز جنوب غربي البلاد بـ40 حالة، ثم محافظتي إب والحديدة بـ30 حالة اختطاف لكل منهما، وعدن الواقعة جنوب البلاد بـ20 حالة ومحافظة عمران شمالا بـ19 حالة ومحافظة أبين بحالة اختطاف واحدة، وفق تأكيد المحامي والحقوقي محمد الخضيري رئيس المنظمة والذي أشار إلى أنهم لم يتمكنوا بسبب الحرب من رصد حالات اختطاف الأطفال في بقية محافظات البلاد وعددها 14 محافظة.
الحرب تفاقم الظاهرة
وقعت 1018 حالة اختطاف واعتقال تعسفي تعـرض لها الأطفال فــي 19 محافظة يمنية، خلال الفترة من يونيو/حزيران 2014 وحتى يونيو 2019، وفق ما وثقه تقرير "اغتيال البراءة" الصادر عن التحالف اليمني لرصد انتهاكات حقوق الإنسان والذي وثق ستة أنواع من الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف النزاع بحق الأطفال.
وتصدرت مليشيات الحوثي قائمة الجهات الأكثر اختطافا للأطفال دون سـن 18عاما، بواقع 969 حالة بينها 29 حالة اختطاف لإناث، تلتهـا (مليشيات) الحكومة الشرعية بواقع 39 طفلا بينهـم 4 إنـاث، ثـم تنظيم القاعدة بواقع 10 أطفال بينهـم طفلتان مـن محافظـة عدن بحسب المصدر نفسه، وهو ما يؤكده مصدر أمني في قسم شرطة 26 سبتمبر بالعاصمة صنعاء (رفض ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالحديث للإعلام) موضحا أن الجماعات المسلحة تعمل على اختطاف الأطفال بهدف تنفيذ عمليات إرهابية.
أسباب جنائية
رصدت منظمة نضال لحقوق الإنسان 11 حالة اختطاف لأطفال، من بينهم 5 إناث تم اغتصابهن خلال العامين الماضيين في محافظة تعز بحسب الخضيري.
ويعد الاغتصاب، من أسباب ظاهرة الاختطاف في سنوات الحرب باليمن وفق 10 حالات اختطاف واغتصاب وقتل لأطفال في محافظات "صنعاء، عدن، لحج، وإب" وثقها معد التحقيق عبر ما نشره الأهالي في مواقع التواصل وما جاء في وسائل إعلام محلية خلال الفترة من بداية يناير/كانون الثاني 2018 حتى مايو/أيار 2019، ومنهم الطفل محمد فهد أحمد الرحامي (9 أعوام)، الذي وجد جثة هامدة في منطقة حزيز جنوب العاصمة في 22 مايو 2019 بعد يومين من اختفائه.
ويكشف تتبع ملفات الاختطاف المحالة إلى القضاء خلال السنوات القليلة الماضية، أن الأحكام القوية والرادعة كانت في القضايا التي شملت تهم الاختطاف مع الاغتصاب والقتل، كما هو الحال في قضية الطفلة آلاء الحميري في محافظة إب الواقعة وسط اليمن، إذ أصدرت المحكمة الجزائية بالمحافظة حكما في العاشر من ديسمبر/كانون الأول 2018، قضى بالإعدام والتعزير لخاطف ومغتصب وقاتل الطفلة، والذي اختطفها في الرابع من نفس الشهر من منطقة الكداكد في مديرية جبلة الواقعة، جنوب غرب مدينة إب أثناء ذهابها إلى المدرسة. وتم تنفيذ حكم الإعدام بحق المدان في الأول من يناير/ كانون الثاني 2019، بعد أقل من شهر من صدور حكم الإعدام بحسب ما قاله مصطفى منصر رئيس الاتحاد العام لأطفال اليمن غير الحكومي لـ"العربي الجديد".
وتحذر العميدة سعاد قعطبي، المديرة العامة لحماية الأسرة في وزارة الداخلية التابعة لحكومة الحوثيين، من أن ظاهرة اختطاف الأطفال في اليمن ترتبط بجريمة الاتجار بالبشر قائلة: "الاتجار هو عملية توظيف أو تجنيد شخص وإيوائه ونقله أو الحصول عليه عن طريق التهديد أو استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه وإخضاع الضحايا للعبودية رغما عنهم لغرض استخدامهم أو تسخيرهم أو إجبارهم على العمل القسري أو العبودية أو استغلالهم لأغراض جنسية"، مشددة على أهمية الوعي بدور المشاكل الأسرية والعنف في دفع العديد من الأطفال إلى الهروب والعيش في الشوارع، حيث يكونون عرضة لأخطار عديدة من بينها الاختطاف.
ومن أسباب اختطاف الأطفال، تهريبهم إلى دول الجوار واستخدامهم في أعمال التسول والمتاجرة بالأعضاء بحسب تقرير اغتيال البراءة. وهو ما أيده رئيس منظمة سياج لحماية الطفولة أحمد القرشي قائلا: "العبودية، والعمالة القسرية، والاعتداء الجنسي" أهم مخاطر الاختطاف، وقد يبلغ الأمر حد تجارة الأعضاء.
وتلعب العادات والتقاليد دورا سلبيا في انتشار الظاهرة من خلال اكتفاء معظم الأسر بعودة أطفالها وتحريرهم من قبضة الخاطفين خصوصا إذا كان الطفل المخطوف أنثى، وعدم السعي لمقاضاتهم وتفعيل القانون كي ينالوا عقابهم الرادع، ويشار إلى أن جميع حالات الاختفاء أو الاختطاف التي رصدتها صفحة المنظمة ونشرتها على صفحتها على موقع "فيسبوك" خلال العامين الماضيين، والتي تزيد عن 20 حالة عادت إلى أسرها باستثناء حالتين فقط إحداهما الطفلة، براءة خالد المطحني، والثانية لطفل من صنعاء تم تزوير وثائق هويته وتهريبه إلى إحدى دول الجوار.
ويرجح العقيد محمد الصباري المدير السابق للتوجيه والعلاقات العامة في البحث الجنائي، عدم إبلاغ الأهالي عن الجريمة وحتى عدم الحديث عنها إلى عملهم على إعادة أولادهم المختطفين بعد تفاوضهم مع الخاطفين، والذين يهددونهم إن تحدثوا عن ما وقع.
تقاعس أمني بعد الحرب
بلغ عدد حالات اختطاف الأطفال في 21 محافظة يمنية وفق آخر رصد نفذته منظمة سياج لحماية الطفولة في عام 2013 (تعنى بتمكين الأطفال ضحايا الجرائم والانتهاكات من الحصول على العدالة)، 124 حالة، من بينها 19 من الإناث، بحسب ما أوضحه الحقوقي القرشي لـ"العربي الجديد"، مضيفا أن هذه الإحصائية لا تمثل الواقع الآن، لكنها تعتبر دليلا على الظاهرة المتواجدة في اليمن، وعلى تدني معالجتها حتى قبل الحرب، عندما كان البلد يعيش في وضع أمني واقتصادي أفضل بكثير من اليوم.
وتفاقمت الظاهرة خلال سنوات الحرب بشكل غير مسبوق نتيجة انقسام السلطات الأمنية، بحسب علي الجلعي رئيس المؤسسة الوطنية لمكافحة الاتجار بالبشر (منظمة مجتمع مدني)، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن هذه الأوضاع تشكل بيئة خصبة للعصابات الإجرامية التي تمارس هذه الأفعال.
ويقول المحامي الخضيري، إن غياب الأمن وانتشار العصابات المسلحة والفوضى في أنحاء البلاد من أسباب تنامي ظاهرة اختطاف الأطفال، وهو ما يؤكده القرشي، محذرا من تفاقم الظاهرة بسبب تراخي الأجهزة الأمنية قبل الحرب وزيادة الأمر بعدها.
لكن العميد صادق الحسامي مدير عام الإدارة العامة للبحث الجنائي في محافظة تعز (تتبع حكومة الشرعية)، يقول إنهم لم يتلقوا أي بلاغ عن فقدان الأطفال الذين يعلن عن اختفائهم في وسائل التواصل الاجتماعي، مرجحا أن تكون مثل هذه القضايا، ناتجة عن خلافات أسرية يقع ضحيتها الأطفال، مضيفا أن الأطفال اليافعين لبعض الأسر الفقيرة يذهبون إلى محافظات أخرى، بحثا عن عمل دون إبلاغ الأهل، حينها تعلن هذه الأسر في وسائل التواصل الاجتماعي عن اختفاء أطفالها، وبعد مرور فترة معينة يتواصل هؤلاء الأطفال مع أسرهم في حال وجدوا فرص عمل، ومن لم يجد عملا يعد إلى أسرته.
ويتكرر النفي على لسان نائب وزير الداخلية السابق في حكومة الحوثي، اللواء الركن عبدالحكيم الخيواني، معتبرا أن "ما يشاع عن عملية اختطاف للأطفال والنساء في صنعاء أكاذيب في مواقع التواصل"، مؤكدا في حديث لصحيفة الثورة الرسمية الخاضعة لسيطرة جماعته في 23 مارس/آذار 2019، على حدوث جريمة اختطاف طفلة واغتصابها في صنعاء، وتم ضبط المجرم وإعدامه عام 2017، وحالة أخرى في 2018 في محافظة إب، تم فيها القيام بما يلزم حسب قوله.
قانون لا يطبق
نصت المادة الثانية من القانون رقم 24 لسنة 1998 بشأن مكافحة جرائم الاختطاف والتقطع، على أن "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن اثنتي عشرة سنة ولا تزيد على خمس عشرة سنة كل من خطف شخصاً فإذا وقع الخطف على أنثى أو حدث فتكون العقوبة عشرين سنة وإذا صاحب الخطف أو تلاه إيذاء أو اعتداء كانت العقوبة الحبس مدة لا تزيد على خمس وعشرين سنة وذلك كله دون الإخلال بالقصاص أو الدية أو الارش على حسب الأحوال إذا ترتب على الاعتداء ما يقتضي ذلك وإذا صاحب الخطف أو تلاه قتل أو زنا أو لواط كانت العقوبة الإعدام".
ورغم ما تضمنه القانون من عقوبات رادعة لمرتكبي جريمة اختطاف الأطفال في اليمن، إلا أن واقع الحال يؤكد على أن هذا القانون لا يجد طريقة للتنفيذ إلا عندما تصبح القضية قضية رأي عام خاصة في حالة الاختطاف والقتل أوالاغتصاب، بحسب المحامي والحقوقي الخضيري، مشيرا إلى أن مستوى تطبيق القانون في جرائم الاختطاف ضعيف، نظرا لغياب السلطة القوية التي تتولى إلقاء القبض على المجرمين وتنفيذ وتطبيق الأحكام القضائية بحقهم.