تحليل: أحمد عبدالله
بعد سقوط مديرية ردمان التابعة لمحافظة البيضاء (وسط اليمن)، بيد الحوثيين، بدأ الحديث عن خيانات، أدت إلى هزيمة القبائل التي قادها القيادي المؤتمري ياسر العواضي؛ في مواجهة الحوثيين. وهي مبررات تتكرر عقب كل معركة يكسبها الحوثيون الذين يسعون لإحكام قبصتهم على كل مديريات البيضاء، قبل أن يتجهوا إلى معركتهم الأخيرة مع الجيش الحكومي في مأرب.
وهناك من شكك بالسبب المعلن لتلك المواجهات، عازياً سببها إلى ما يحدث في البيضاء من مواجهات مسلحة بين القبائل المدعومين من الجيش الحكومي، والحوثيين، منذ العام 2015، فضلاً عن سعي حزب المؤتمر الشعبي العام إلى إحداث اختراق في جبهة البيضاء الأقرب إلى محافظة ذمار جنوب صنعاء.
تأويلات كثيرة تم ربطها بما حدث في مديرية ردمان، ليس من ضمنها ما حدث لجهاد الأصبحي.
لكن ما حقيقة وخلفية المواجهات بين قبائل ردمان والحوثيين؟
يعتقد الباحث والمحلل العسكري علي الذهب، في معرض إجابته على هذا السؤال، أن ما يحدث في البيضاء له خصوصية تتداخل فيها كل الأبعاد المذهبية والسياسية والتاريخية، مضيفاً أن البعد التاريخي له تأثير كبير، كونه مثخناً بالدماء بين الهادوية التي تمثلها الإمامة قبل القضاء عليها بقيام ثورة 26 سبتمبر 1962، والقبائل، فقد شهدت البيضاء عراكاً تاريخياً مازالت القبائل تتذكره حتى اليوم، وتخشى أن يعود مجدداً على يد الأئمة الجدد، كما تسميهم.
وإلى جانب البعد التاريخي، يظهر البعد الحزبي، كما يقول الذهب. ويتجلى هذا البعد، وفق تأكيده، بسعي حزب المؤتمر الشعبي العام إلى تصدر المعركة الأخيرة في البيضاء، فالمؤتمر عادة ما يشير للمقاتلين بأنهم قبليون، ويخفي الوجه الحقيقي لما يجري.
ويربط الذهب بين ما حدث في البيضاء والتعيينات لقيادات عسكرية من حزب المؤتمر في الجيش الحكومي، ومنهم صغير بن عزيز، الذي تم تعيينه رئيس أركان الجيش اليمني مؤخراً.
ولعبت البيضاء دوراً مهماً في ستينيات القرن الماضي، بإسقاط نظام الإمامة، ووصل مقاتلوها إلى حجة والمحويت وصعدة، وكان لهم دور في كسر حصار السبعين يوماً، على رأسهم الشيخ أحمد عبد ربه العواضي، والد ياسر العواضي.
وخلص الذهب إلى أن المعارك في البيضاء، أصبحت بين أهل المحافظة ذاتها، بسبب تداخل الثارات من ناحية حزبية، وأخرى عرقية بين قبائل وهاشميين، وثارات قبلية متأصلة عمرها أكثر من 100 عام، مثلما يحدث لدى قبائل قيفة وردمان والوهبية التي هي مناطق بؤر صراع تاريخي في ما بينها.
لكن رئيس تحرير “اليمن الجمهوري” كمال السلامي، يشير إلى أن حادثة مقتل جهاد الأصبحي، شكلت الشرارة، وأشعلت فتيل النزاع بين قبائل البيضاء وجماعة الحوثي، خصوصاً قبائل ردمان وآل عواض، مسقط رأس القيادي بحزب المؤتمر الشعبي العام، ياسر العواضي، الذي تصدر المشهد بدعوة القبائل للاحتشاد، لوقف ما سماها جرائم المشرفين الحوثيين، وبذلك قطع العواضي خيط الود الذي كان بينه وبين الجماعة.
وفي حديثه مع “المشاهد”، يرى السلامي أن جماعة الحوثي استغلت الحادثة لقمع قبائل البيضاء التي رفضت حتى اللحظة الانخراط في مشروعهم.
وماتزال القبائل تحشد على أطراف مديرية ردمان، برغم سيطرة الحوثيين على مركز المديرية ومناطق آل عواض.
في سياق ذلك، يلفت الذهب، إلى أن المعارك حالياً تدار على حدود مأرب، في مديرية ردمان والوهبية، وهناك جيوب المقاومة بعضها مدعوم من شبوة. لكنه يستبعد حسم المعركة لصالح طرف كما حدث في حجور.
ومثله السلامي الذي بدا غير متفائل بسير المعركة في البيضاء، بعد أن أصبح الحوثيون أكثر قوة من ذي قبل، وسيتمكنون من اقتحام المحافظة والتنكيل بأهلها، لسبب بسيط، هو أن القوى المناوئة للجماعة تخوض حروباً مجزأة، وليس هناك وحدة في الموقف وفي القتال، على حد تعبيره.
وأعلنت جماعة الحوثي، أمس، تأمينها العسكري لمديرية ردمان بشكل كامل، بعد إحكام السيطرة عليها، الخميس الماضي.
وتسيطر الجماعة على اغلب مديريات محافظة البيضاء التي تشهد معارك متقطعة من بداية الحرب عام 2015 وحتى اليوم. كما أن لها موقعاً استراتيجياً مهماً، فهي تتوسط 8 محافظات؛ 4 منها جنوبية هي (شبوة، والضالع، وأبين، ولحج)، و4 شمالية هي (مأرب، صنعاء، ذمار، إب)، ما يعني أنها قادرة على قلب الموازين في اليمن بسهولة إن كان هناك دعم، ولم يكن هناك عراقيل أخرى.