سقطرى

انتقادات واسعة للحكومة والتحالف.. ما جدوى تحريك أتفاق الرياض بعد سقوط "سقطرى"؟

عد سنوات من المحاولات والتوترات المسلحة، سقطت محافظة ارخبيل سقطرى بيد مليشيات الانتقالي، الممولة من دولة الإمارات، التي سعت منذ تدخلها في اليمن إلى بسط سيطرتها على الجزيرة اليمنية الهامة، المطلة على الممرات الملاحية الرابطة بين البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي.
 
ويتهم مسئولون حكوميون ومشايخ في سقطرى، بينهم محافظها رمزي محروس، المملكة السعودية بالتواطؤ في سقوط الجزيرة وتمكين ميليشيات الانتقالي من بسط سيطرتها عليها، حين قامت بحسب قواتها المرابطة في النقاط والمواقع التي سلمتها إليها قوات الحكومة الشرعية في وقت سابق. في الوقت الذي كانت فيه قيادة الإنتقالي في العاصمة السعودية لمناقشة سبل تحريك اتفاق الرياض الذي رعته المملكة مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (2019).
 
  قبل أيام، كان التساؤل ينصب حول جدوى أي تفاوض لتعديل اتفاق الرياض، في ظل استمرار التصعيد المسلح للمليشيات الجنوبية المدعومة من الإمارات؛ أما الأن تحول السؤال عن: فرص تنفيذ الاتفاق الجديد الذي أعلنت عنه السعودية مؤخرا- عقب سقوط جزيرة سقطرى مباشرة بيد ميليشيات الانتقالي- بشأن وقف إطلاق النار في محافظة أبين.
 
وأعلن كل من الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي موافقتهم على تنفيذ ما تم التوصل إليه من تحديثات لإتفاق الرياض. وعلى ضوء ذلك، وصل يوم أمس الأربعاء فريق عسكري سعودي إلى محافظة أبين لمراقبة وقف إطلاق النار.
 
 
وعشية اليوم الذي أعلن فيه التوصل إلى الاتفاق الجديد، تجددت المعارك في محافظة أبين، التي تضمنت أحد بنود الاتفاق نشر مراقبين سعوديين فيها. الأمر الذي بدى لبعض المراقبين أنه قد يعني: مزيدا من تقليص رقعة تواجد القوات الحكومية في الجنوب؛ واستمرار مشروع الانتقالي بفرض الانفصال. لاسيما بعد التواطؤ الواضح في أحداث سقطرى الأخيرة.
 
 


لا جدوى من الإتفاقات
 
وأدانت الأحزاب والقوى السياسية اليمنية، في بيان لها، إسقاط مليشيات ما يسمى "المجلس الانتقالي" لمحافظة أرخبيل سقطرى، داعية رئيس الجمهورية إلى اتخاذ خطوات جادة تعيد الأمور إلى نصابها، وإيقاف العبث الحاصل في مدينة عدن والجزيرة، وغيرها من المحافظات.
 
بينما حذرت الحكومة، على لسان وزير الخارجية محمد الحضرمي، من أن استمرار تمرد الانتقالي المسلح سينهي كل ما تبقى من أمل في تنفيذ اتفاق الرياض، الذي جاء في الأصل من أجل إنهائه.
 
أما السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، فقد أعتبر- في تغريدة على صفحته بـ"تويتر"- أن الاتفاق الجديد يهدف أيضا للتنفيذ العاجل لاتفاق الرياض.
 
وعن فرص نجاح الاتفاق الجديد، في ظل كل هذه الاختلالات التي افضى إليها اتفاق الرياض نفسه؟ يرى الباحث اليمني موسى عبدالله قاسم، أن لا جدوى لأي مفاوضات من شأنها تحريك اتفاق الرياض، كونه صُمّم للاعتراف بالانتقالي ككيان سياسي يوازي الحكومة الشرعية. بل إنه لا يستبعد أن تحدث تحركات عسكرية مماثلة في حضرموت والمهرة ستنتهي إلى اتفاقات مشابهة.
 
ويصف "قاسم"، في تصريحه لـ"يمن شباب نت" اتفاق الرياض بـ"ملهاة اليمنيين"، الذي أوجده التحالف كأحد الأجندات المرسومة لإطالة أمد الحرب المؤدية إلى تفكيك وتفتيت الدولة اليمنية، تحقيقا لأجنداته (التحالف) الهادفة إلى السطو على اليمن ومواقعه الحيوية، من جزر و موانئ وثروات ما تزال في باطن الأرض، وممرات دولية، فضلا عن استخدام أراضي البلاد كممرات لمصالح دول الجوار النفطية.
 
وأعتبر أن الإنتقالي "مجرد أداة لتقويض الشرعية ميدانيا وشعبيا، ليسهل التهام اليمن استجابة لأحقاد وهواجس تاريخية، ترى (أي دول التحالف) اليمن خطرا يهدد كيانها ومصالحها، فكانت الحرب بمبرراتها هي السبيل لتدمير الدولة اليمنية، ومن ثم إعادة صياغتها مجدداً وفقاً للمصالح الجيوسياسية لكل من السعودية والإمارات.
 
ويعتقد الباحث اليمني أن ما حدث مؤخرا في جزيرة سقطرى لا علاقة له باتفاق الرياض، لأن الصراع في الجزيرة سبق انقلاب عدن، وهو صراع بين اليمن والإمارات التي تريد احتلالها، مطالبا الشرعية بالتحرك خارج جدران التحالف إذا أرادت العودة إلى اليمن، ما لم " فتغريبتها ستطول ومعها تغريبة كل اليمن" حسب تعبيره.
 
 
إنكشاف التحالف
 


 مع تزايد التعقيدات في الملف اليمني، خاصة بعد سقوط سقطرى بيد الانتقالي بتلك الطريقة المكشوفة، زادت وتيرة الانتقادات الموجهة للتحالف العربي في اليمن بقيادة المملكة السعودية. حيث يرى الكاتب اليمني، السفير عبدالوهاب العمراني، أن ما حدث في سقطرى، كان بمثابة "ورقة التوت التي عرت التحالف العربي".
 
وأنتقد، ضمن حديثه لـ"يمن شباب نت"، أداء الحكومة الشرعية، التي يقول إنها باتت مكبلة بعدد من الاتفاقيات التي حجمت من أداءها الضعيف أصلا، فضلا عن تكبيلها ميدانيا في الساحل الغربي، والمحافظات الجنوبية..
 
وفي السياق، أشار إلى أن الحكومة اصبحت مكبلة باتفاق استوكهولم الذي حوّلَ الحديدة إلى حالة اللاحرب واللاسلم؛ واتفاق الرياض الذي يفترض أنه جاء لتحجيم الانتقالي وطي صفحته واحتواء الشرعية له، إلا أنه غدى كمسمار جحا بالنسبة للانتقالي، وذريعة لتمرده.
 

ويتفق العمراني مع سابقه، بشأن وجود تواطؤ من التحالف، الذي يسعى لتشرذم اليمن وليس فقط تقسيمه، مجددا انتقاده للحكومة التي "وضعت كل بيضها في سلة التحالف" دون أن تعي ديماغوجية طرفيه اللّذين تقاسما الأدوار للتنكيل باليمن، وبات دورهما مكشوفا.
 
وانتقد دور السعودية، بشكل خاص، التي كان يؤمل منها تخفيف حدة ما يجري على الأرض بين الانتقالي والحكومة، بإعتبارها قائدة التحالف وراعية اتفاق الرياض، متسائلا: كيف تكون طرفا في هذه الحرب، وفي نفس الوقت تجعل من نفسها وسيطا؟! وكيف ترعى اتفاق الرياض، ولا تضمن تطبيقه أو تتحرك لتنفيذه، وإنما جعلت منه ذريعة لشرعنة الانقلاب؟!
 
 وخلص الكاتب والدبلوماسي اليمني إلى أن التحالف كان حريصا على تقوية شوكة الحوثيين، وأي ميلشيات من شأنها أن تساهم في تشرذم اليمن، كما حدث مع "الانتقالي"، الذي مولته الإمارات لوجستيا ودعمته بالتموضع في عدة محافظات جنوبية، في حين تمنع قوات الشرعية من التحرك داخل ما يسمى بالمناطق المحررة..!!
 
وأختتم العمراني حديثه بالإشارة إلى ما وصفها بـ"الهزيمة المعنوية الكبرى، التي تلقاها اليمنيين، بسبب ركونهم على التحالف، والعرب قبل العجم" حسب وصفه.
 
وتعرضت المملكة السعودية لنقد لاذع وواسع من قبل سياسيين وناشطين يمنيين، هاجموا أدائها وموقفها المهادن من سقوط جزيرة سقطرى بيد ميليشيات الانتقالي، وعدم تحركها للقيام بدورها، أو حتى اعتراضها بالإدانة الشفوية لما حدث..!!
 
في هذه الأثناء، جددت المملكة تأكيد جهودها في توحيد مكونات الشعب اليمني، ورأب الصدع ودعم مسيرته لاستعادة دولته وأمنه واستقراره وسلامة ووحدة أراضيه. وفقا لما نقلته وكالة الأنباء السعودية "واس"، على لسان نائب المندوب الدائم للسعودية لدى الأمم المتحدة الدكتور خالد منزلاوي، في كلمة بلاده أمام مجلس الأمن الدولي خلال جلسته المنعقدة افتراضياً الأربعاء لمناقشة "الحالة في الشرق الأوسط".
 

مصير اتفاق الرياض
 


 في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي (2019)، رعت المملكة العربية السعودية توقيع اتفاق الرياض بين الحكومة الشرعية وبين المجلس الانتقالي، عقب انقلاب مليشيات الأخير على السلطة وإسقاط عدن.
 
وشمل الاتفاق عدد من البنود والترتيبات، وزعت على ثلاثة محاور رئيسية: سياسية، وعسكرية، واقتصادية. تضمنت أبرزها: سحب قوات الانتقالي من المواقع والمؤسسات التي سيطرت عليها، وعودة الحكومة اليمنية إلى العاصمة المؤقتة عدن، وتشكيل حكومة كفاءات مشتركة..
 
وواجه الاتفاق، منذ الشهر الأول، عراقيل من قبل ميليشيات الانتقالي أعاقت تنفيذه على أرض الواقع، برغم أن الشرعية كانت قد بدأت بتنفيذ بعض بنوده، لتعاود المواجهات العسكرية بين الطرفين في محافظة أبين. ومؤخرا استدعت الرياض قيادة المجلس الانتقالي للتشاور بشأن تحريك اتفاق الرياض، ووقف إطلاق النار وتوزيع خارطة التموضع بين الطرفين.
 
وأفادت مصادر مطلعة "يمن شباب نت"، أن تعزيزات عسكرية، مكونة من أربع دبابات وعربة عسكرية مليئة بالذخائر، تابعة لميليشيات الانتقالي وصلت محافظة أبين يوم أمس، بالتزامن مع وصول الفريق السعودي لمراقبة وقف إطلاق النار.
 
وأكدت المصادر أن قصفا مدفعيا طال قوات الجيش الوطني المرابطة في أبين، لحظة تواجد الفريق السعودي. وأشارت بعض الأخبار المتداولة إلى فشل عمل اللجنة نتيجة تجدد المعارك والقصف، فيما تحدثت أخبار أخرى، نقلا عن مصادر عسكرية، عن عودة جزء من الفريق العسكري السعودي إلى محافظة عدن، مساء أمس، للتشاور مع قيادتها بشأن الاتفاق حول خارطة انتشار القوات الحكومية وقوات المجلس الإنتقالي بمحافظة أبين.
 
وبرغم ما أحدثه سقوط سقطرى من تشققات كبيرة في جدار الثقة، مازال البعض يعتقد أن السعودية أمامها فرصة أخيرة لإنقاذ اتفاق الرياض واستعادة الثقة بها. مالم فإنها، وبدلا من ذلك، ستكون قد خطّت بيديها نهايتها السيئة في اليمن.