شهدت اليمن مؤخرا انتفاضة قبلية جديدة قمعها الحوثيون. ففي أبريل/نيسان الماضي، قتلت الجماعة المتمردة سيدة في البيضاء، في انتهاك جسيم للقانون العرفي القبلي، مما أثار ثورة حيث دعا "ياسر العواضي"، وهو شيخ بارز من قبيلة "العواض"، عضو في البرلمان، القبائل للتعبئة والاستعداد للقتال ضد الحوثيين إذا لزم الأمر.
ووصل المئات من رجال القبائل من البيضاء والمحافظات المجاورة استجابة لدعوة "العواضي"، الذي طالب الحوثيين بتقديم قتلة المرأة إلى العدالة وإخراج المشرفين الحوثيين، الذين وصفهم "العواضي" بالجبابرة، من البيضاء.
أعادت هذه الحركة القبلية إحياء الآمال بين اليمنيين بأنها قد تخلق فرصة لتحرير البيضاء من الحوثيين. وتقع البيضاء في موقع استراتيجي في وسط اليمن، وتحدها 8 محافظات - 4 في الشمال و4 في الجنوب. وفي حال تم إخراج الحوثيين من البيضاء فإن ذلك سيضعفهم عسكريا، وهو تطور كان يمكن أن يغير مسار الصراع لصالح الحكومة اليمنية والقبائل، مما يجعل اليمن أقرب في نهاية المطاف إلى السلام.
ولكن الوساطة التي بدأها الحوثيون فشلت، مما أجبر "العواضي" والقبائل المتحالفة معه على القتال، لكن تم قمع انتفاضتهم في أقل من 24 ساعة.
يوضح ما حدث مع قبيلة "العواض" كيف أن القبائل كانت عالقة بشكل متزايد بين وحشية الحوثيين وعدم كفاءة الحكومة اليمنية.
عسكريا، لا تضاهي القبائل الحوثيين. لذلك اختار الكثيرون عدم قتالهم لتجنب تدمير منازلهم. ومع ذلك، فإن نهج الحوثيين المتشدد وفظائعهم المستمرة ضد القبائل، بما في ذلك إعدام زعماء القبائل، والاختطاف، وتدمير المزارع والممتلكات الشخصية، ونهب الأعمال التجارية، والابتزاز، وفرض أيديولوجيتهم، دفعت بعض القبائل إلى الحافة.
لكن القبائل وجدت نفسها دائمًا تواجه الحوثيين بمفردها دون أي دعم من الحكومة اليمنية أو التحالف الذي تقوده السعودية.
وبينما كان الحوثيون يتفاوضون مع "العواضي"، عززوا من وجودهم العسكري حول منطقته، ردمان. واستمروا في عملية الوساطة لمدة 6 أسابيع، مما تسبب في فقدان الحماسة لدى بعض زعماء القبائل الذين هرعوا لمساعدة "العواضي" في البداية، فيما فشلت الحكومة اليمنية في وضع خطة عسكرية مناسبة لدعم الانتفاضة القبلية، وهو نمط تكرر في كل حادثة مشابهة.
فشلت الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية في دعم القبائل مرارًا وتكرارًا مما تسبب بخيبة أمل كبيرة للعديد من اليمنيين.
في أوائل عام 2019، استمرت انتفاضة قبلية في منطقة هاجور في الشمال لمدة 3 أشهر تقريبًا قبل إخمادها بوحشية من قبل الحوثيين عندما فشلت الحكومة في إرسال تعزيزات لمساعدة القبائل. وفي مارس/آذار الماضي، حقق الحوثيون مكسبًا عسكريًا استراتيجيًا من خلال الاستيلاء على محافظة الجوف بسبب نقص الدعم العسكري من الحكومة اليمنية والتحالف بقيادة السعودية.
منذ عام 2016، تمكنت القبائل من إيقاف أو إبطاء تقدم الحوثيين إلى مناطقهم، لكنهم كانوا في وضع دفاعي إلى حد كبير وخسروا آلاف الرجال في هذه العملية دون داعٍ.
تتعرض مأرب، آخر معقل للحكومة في الشمال، لخطر شديد حيث يستمر الحوثيون منذ 4 أشهر في ممارسة الضغط العسكري للاستيلاء عليها. وفي الوقت نفسه، تفتقر الحكومة والتحالف إلى استراتيجية عسكرية متماسكة، ويعتمدون على رد الفعل الذي يأتي بشكل غير مناسب أيضا.
دفعت 5 سنوات من هذه الحلقة المفرغة القبائل والعديد من اليمنيين إلى الاعتقاد بأن التحالف الذي تقوده السعودية لا يمكنه هزيمة الحوثيين، بل يجر اليمنيين إلى حرب استنزاف تبدو بلا نهاية.
تعد قيادة الحكومة اليمنية، التي تتخذ من الرياض مقراً لها، أحد المستفيدين الرئيسيين من اقتصاد الحرب إلى حد كبير، ويعتقد الكثيرون أنهم متواطئون، ويقدمون غطاءً قانونيًا للتحالف الذي تقوده السعودية لإبقاء الحرب على حساب القبائل والبلد ككل.
المصدر | ندوة الدوسري/ معهد ميدل ايست- ترجمة وتحرير الخليج الجديد