من آن لآخر، تتسارع التطورات في الجنوب اليمني، وتتشابك المصالح، وتتغير التحالفات، وسط أجندات متضاربة لأطراف إقليمية فاعلة على الساحة اليمنية.
وتحت هواجس القلق من التدخل التركي، يجري تنفيذ خطط جديدة لاستهداف صديق وحليف الأمس، والتخلص من قياداته، في محاولة لمناكفة أنقرة.
إذ تشهد الآونة الأخيرة حملة ضارية تشنها وسائل إعلام سعودية وإماراتية ومصرية ضد حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، الذراع السياسية لجماعة "الإخوان المسلمين" في اليمن.
تحول لافت
الغريب أن الهجوم الإعلامي على "الإصلاح" يربط بين ما يجري في ليبيا من هزيمة حليف أبوظبي والرياض والقاهرة "خليفة حفتر"، وبين "إخوان اليمن"؛ كونهم رأس حربة للتمدد التركي يجب اقتلاعه.
وتروج تقارير إعلامية لوجود خبراء ومستشارين أتراك للإشراف على معسكر في محافظة تعز جنوب غربي اليمن، تحت إشراف القيادي في "الإصلاح"، "حمود سعيد المخلافي".
ويمتد التحرك التركي، بدعم قطري، حسب تلك المزاعم، إلى المحافظات الشرقية (حضرموت وشبوة والمهرة)؛ لدعم أنشطة عسكرية خارج إطار ما يسمى "الشرعية".
ولا توجد مؤشرات على تدخل تركي ملموس في الأزمة اليمنية، لكن هواجس ليبيا تدفع المحور الإماراتي السعودي المصري، لمحاولة توجيه ضربة لـ"إخوان اليمن"، ربما رغبة في تحقيق نصر معنوي على أنقرة والدوحة.
وفي هذا الصدد، لم تنفذ السعودية أي تحرك جاد لوقف تحرك قوات "المجلس الانتقالي الجنوبي"، الموالي للإمارات، لإسقاط مدينة حديبو (عاصمة سقطرى)، قبل أيام، بل إنهم شاركوا بأنفسهم في اقتحام مبنى الأمن في المدينة، حسب صحيفة "الأخبار" اللبنانية.
وتحتل "سقطرى" موقعا إستراتيجيا قبالة سواحل القرن الأفريقي قرب خليج عدن، ويمكن لأي قوات تمتلك قاعدة عسكرية في الأرخبيل أن تصبح المسيطرة على مضيقي هرمز وباب المندب.
إخوان اليمن
وتوجه الرياض اتهامات علنية ومبطنة لـ"إخوان اليمن" بإرباك أداء التحالف العربي في معركته مع الحوثيين شمالا، وافتعال معارك جانبية مع المجلس الانتقالي جنوبا، لصالح التحالف التركي القطري.
لكن الجديد والملفت، محاولة توريط "إخوان اليمن" في الأزمة الليبية، عبر نشر تقارير تزعم توافد عناصر محسوبة على حزب "التجمع اليمني للإصلاح" على ليبيا بدعم من الاستخبارات التركية، حسب صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية.
ونقلت الصحيفة عن مصدر مطلع (لم تكشف هويته) قوله إن "شخصيات عديدة من حزب الإصلاح اليمني وصلت إلى طرابلس خلال اليومين الماضيين؛ بهدف توطيد العلاقة مع إخوان ليبيا".
وتتضمن الخطة المزعومة إرسال قرابة 200 من العناصر المحسوبة على الحزب من أجل القتال في صفوف قوات حكومة "الوفاق"، وترك تحرير صنعاء من "الحوثي".
وتهدف محاولة الربط بين إخوان اليمن، وإخوان ليبيا، إلى استفزاز أطراف إقليمية ودولية تخشى في الأساس بروز دور إخواني في الأزمتين، إضافة إلى توفير غطاء شرعي لاستهداف الطرفين، بما يبرر الحرب ضد طرابلس من جهة، واستهداف قيادات "الإصلاح" من جهة ثانية.
اعتقال "اليدومي"
وربما يحمل اعتقال السلطات السعودية لرئيس الهيئة العليا لحزب "الإصلاح، "محمد اليدومي"، نذر تصعيد لخريف محمل بالبارود بين الطرفين.
ولم يصدر عن الرياض أي تعليق بشأن أسباب توقيف "اليدومي" أو مكانه، كما لم يصدر أي بيان عن الأخير ينفي اعتقاله؛ ما يعزز فرضية خضوعه للإقامة الجبرية على غرار الرئيس اليمني "عبدربه منصور هادي" وآخرين من مسؤولي الحكومة الشرعية.
وفي مايو/أيار الماضي، اعتقلت السلطات السعودية القيادي البارز في "الإصلاح"، الشيخ "عبدالعزيز الزبيري"، بعد اختطافه من منزله في مكة (غربي المملكة).
ويرفض "اليدومي" (يشغل أيضا منصب مستشار الرئيس اليمني)، قيام أي أجهزة أو تشكيلات عسكرية وأمنية موازية، في إشارة إلى التحركات الإماراتية لإقامة كيانات موازية في الجنوب، كما يعتبر ما يجري في عدن (العاصمة المؤقتة) انحرافا عن أهداف تحالف دعم الشرعية.
وفي وقت سابق، اتهم رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لأبوظبي "عيدروس الزبيدي"، "ليدومي" بالتحريض ورفض اتفاق الرياض.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2019، وقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي، برعاية سعودية، اتفاقا يقضي بعودة الحكومة إلى عدن، وتشكيل حكومة جديدة مكونة من 24 وزيرا من الشمال والجنوب خلال شهر، و انسحاب قوات الحكومة والمجلس الانتقالي إلى مواقعها السابقة إلى ما قبل أحداث أغسطس/آب الماضي، وحل الوضع الأمني والعسكري المتأزم في محافظة عدن وتعيين محافظ لها، وهو ما لم يتم على الأرض إلى اليوم.
تحريض إماراتي
وتفوح رائحة التورط الإماراتي من وراء الكواليس، مع تداخل الملفين اليمني والليبي، بشكل قد يجعل من استهداف حزب "الإصلاح"، أولوية لدى ولي عهد أبوظبي "محمد بن زايد" تتقدم على مواجهة "الحوثي".
بشكل أوضح، فإن أبوظبي تريد توجيه ضربة في اليمن، تحقق لها نصرا معنويا يعوض خسائرها في ليبيا، على أن يكون المستهدف حليفا (الإخوان) لأنقرة والدوحة.
وبشكل صريح، عبر عن ذلك، نائب رئيس أركان القوات المسلحة الإماراتية، قائد العمليات المشتركة في اليمن "عيسى بن عبلان المزروعي"، حينما صرح قائلا إن "قوات بلاده كانت تقاتل 3 أعداء في آن واحد وهم الانقلاب الحوثي، والإخوان المسلمون، والقاعدة وتنظيم الدولة".
وخلال احتفال رسمي بمناسبة عودة القوات الإماراتية من اليمن، فبراير/شباط الماضي، كشف "المزروعي"، عن أن بلاده جندت 200 ألف جندي في المناطق التي وصفها بـ"المحررة"، دون أن يشير إلى تبعيتهم للجيش اليمنى أم لا.
لكن الخطوة الأخطر، تبلورت في إعلان المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي لأبوظبي "الحكم الذاتي" في عدن، في 26 أبريل/نيسان الماضي، وفي الليلة التالية، أعلن "حفتر" نفسه حاكما عسكريا لليبيا.
هذا التشابك والتزامن بين تمرد "الانتقالي الجنوبي" في اليمن و"حفتر" في ليبيا خلال أقل من 48 ساعة ضد حكومتيهما، لم يكن اعتباطيا، ولم يكن من الممكن حدوثه لولا المبادرة الخفية للإمارات الساعية لإظهار قوتها، في الملفين اليمني والليبي، حسب موقع "ميدل إيست آي" البريطاني.
ولاشك، أن "بن زايد" يغذي نزعة التحريض والعداء لدى الرياض ضد "إخوان اليمن" باعتبارهم ضمن الأجنحة المحسوبة على تركيا وقطر، وبالتالي لا بد من قصها، وربما كسرها إذا لزم الأمر.
تداعيات هزيمة "حفتر" ينتقل صداها إذن إلى اليمن، عبر تدبير انقلاب إماراتي في سقطرى بموافقة سعودية، وإشعال حرب ضروس ضد "إخوان اليمن".
المصدر | الخليج الجديد