منذ سيطرتهم على عدن وإعلان المجلس الانتقالي ما يسمى بالإدارة الذاتية للمحافظات الجنوبية من اليمن، ينفذ حلفاء الإمارات تكتيكا جديدا يتم فيه التركيز على نهب الأموال الحكومية التابعة للبنك المركزي اليمني، والاستيلاء على الموارد العامة، مثل الضرائب والجمارك، في عدن وبعض المحافظات الأخرى.
واختطفت مليشيات مسلحة بمساعدة طائرات الأباتشي التابعة للتحالف حاويات أموال حكومية أخرى من ميناء المكلا في حضرموت، شرقي اليمن. ويأتي ذلك بعد سيطرتهم على شحنة أموال تقدر بنحو 80 مليار ريال في منتصف يونيو/ حزيران، كانت في طريقها من ميناء عدن إلى مقر البنك المركزي اليمني الواقع في المدينة نفسها التي اتخذتها الحكومة عاصمة مؤقتة وعلى بعد حوالي 7 كيلومترات من الميناء.
وتم نقل الحاويات من ميناء المكلا إلى ميناء الضبة على البحر العربي في حضرموت، الذي تبسط عليه الإمارات سلطتها عبر ما يسمى بالنخبة الحضرمية التي كونتها شريكة السعودية في تحالف الحرب في اليمن.
وتقدر الأموال الحكومية التي تم نهبها من قبل المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً منذ إعلانه ما يسمى بالإدارة الذاتية في 18 إبريل/ نيسان الماضي، بنحو 150 مليار ريال، أغلبها شحنات نقدية من العملة الورقية الجديدة ونسبة تقدر بنحو 30% إيرادات ضريبية وجمركية.
وأكد مصدر مصرفي في البنك المركزي اليمني عجز البنك عن صرف رواتب الموظفين المدنيين لشهري مايو/ أيار ويونيو/حزيران في عدن والمحافظات الواقعة في نطاقها الجغرافي بسبب نهب الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتياً للأموال الحكومية، أو صرف مخصصات مالية تشغيلية تابعة لوزارات خدمية، مثل الصحة والكهرباء والمياه.
وقال المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته، لـ"العربي الجديد"، إن تقويض مؤسسات الدولة الرسمية ونهب الأموال المخصصة للتخفيف من معاناة الناس يفاقم الأوضاع المعيشية في ظروف صعبة تعيشها عدن ومدن أخرى في ظل انتشار فيروس كورونا وغياب أبسط الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه، وتردي الخدمات الصحية وأزمة خبز خانقة تعيشها عدن منذ أيام.
ويخضع البنك المركزي اليمني لسيطرة وإشراف القوات السعودية الموجودة في عدن ليس فقط منذ ما يسمى بالانسحاب المفترض للقوات الإماراتية، نهاية العام الماضي، بل منذ قرار الحكومة اليمنية بنقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عاصمتها المؤقتة عدن، في سبتمبر/ أيلول 2016.
وحسب الباحث الاقتصادي عصام مقبل، فإن هناك تواطؤا سعوديا بمثابة دعم غير مباشر لإجراءات وتحركات حلفاء الإمارات في جنوب اليمن مكنتها من الاستيلاء على الأموال الحكومية ليس بغرض استخدامها في تخفيف معاناة الناس الواقعين في نطاق ما يسمى بالإدارة الذاتية، ولكن بهدف مساعدتها على التمرد ومواجهة الحكومة عسكريا وتقويضها مالياً وإدارياً في عدن والمحافظات الجنوبية الأخرى.
ويتطرق الباحث الاقتصادي في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى تفاصيل مهمة في هذا الشأن، تتمثل في استخدام هذه الأموال في دعم تمرد المجلس الانتقالي من خلال صرف رواتب أفراد ملشياته التي تقاتل القوات الحكومية في أبين (جنوب).
وأضاف أنه بعد ما تم نهبه من أموال تقدر بنحو 80 مليار ريال، منتصف يونيو/ حزيران، من ميناء عدن، حدث تمرد سقطرى، حيث تم نقل جزء كبير من هذه الأموال لدعم التمرد في الجزيرة اليمنية وشراء الولاءات بإشراف رسمي مباشر من قيادات عسكرية إماراتية.
وإلى جانب استهداف هذه الإجراءات لتجفيف المنابع الإيرادية الحكومية وعجزها عن صرف رواتب الجيش اليمني، يؤكد مقبل وجود إشراف إماراتي مباشر على عمليات سلب ونهب الأموال الحكومية، والدليل تدخل الأباتشي في عملية اختطاف الحاويات المحملة من ميناء المكلا والذهاب بها مباشرة إلى ميناء آخر يخضع لسيطرة إماراتية مباشرة، كما هو الحال في ميناء الضبة.
ويعيش اليمن على وقع مرحلة جديدة من الصراعات القاسية التي تركز على استخدام الورقة الاقتصادية بشكل رئيسي في مختلف هذه الصراعات المركبة الدائرة، كما هو حاصل في عدن جنوبا، وكذا مع الحوثيين في صنعاء شمالا، والحديدة غربا. ويضاف إلى ذلك الصراع المحتدم المتعلق باستيراد المشتقات النفطية وتوقف ميناء الحديدة عن استقبال السفن التجارية المحملة بالوقود منذ 8 يونيو/ حزيران، وهو ما ينبئ بتفاقم قد يكون كارثيا للأوضاع المعيشية والاقتصادية في عموم المدن والمحافظات اليمنية.
ويتركز الصراع أكثر بعد تمرد المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً حول السيطرة على المؤسسات المالية الحكومية والموارد العامة، إذ قام المجلس، مطلع مايو/ أيار الماضي، بفتح حسابات مصرفية في 7 جهات إيرادية حكومية والتصرف بها بعد تحويلها إلى حساب خاص بالمجلس في البنك الأهلي الحكومي، بدلاً من ذهاب تلك الإيرادات إلى البنك المركزي اليمني.
وتنذر هذه الأحداث بتوتر مضاعف في العلاقة بين الحكومة اليمنية والإمارات، شريكة السعودية في التحالف، التي تستولي على الموانئ والجزر اليمنية وتمنع الحكومة من إعادة تصدير النفط والغاز وتقوض سلطتها في إدارة الوزارات والمؤسسات العامة.
وتتخذ مبررات قيادات المجلس المدعوم إماراتياً بخصوص نهب الأموال أشكالاً واهية متعددة، فتارة يتحججون بأنها أموال تابعة لحكومة "إخوانية"، اتساقاً مع النهج الإعلامي الإماراتي، وتارة أخرى خشية من إرسالها إلى مأرب أو وقوعها بيد "داعش"، كما ورد في تغريدة لرئيس ما يسمى بالإدارة الذاتية، القيادي في المجلس الانتقالي أحمد بن بريك، على موقع التواصل تويتر، تعليقاً على حادثة اختطاف حاويات الأموال الحكومية من ميناء المكلا، مساء التاسع والعشرين من يونيو/حزيران.
وفي الوقت الذي تشهد فيه عدن ومحافظات أخرى في جنوب اليمن تفجر العديد من الأزمات المعيشية الحادة وغيابا شبه كلي لمختلف الخدمات العامة، مثل الكهرباء والمياه، وتوقف رواتب الموظفين المدنيين وفوضى واختناق تجاري وغلاء فاحش، ينفذ المجلس الانتقالي المدعوم إماراتياً منذ إعلانه الإدارة الذاتية سلسلة من الإجراءات الاقتصادية ونهب الأموال العامة يُفترض توجيهها لتوفير الخدمات العامة.
بدوره، يرى المحلل الاقتصادي حسن الفتاحي أن ما يتخذه المجلس الانتقالي الجنوبي يتم بإيعاز من السعودية للضغط على الحكومة اليمنية الشرعية المعترف بها دوليا، لتنفيذ اتفاق الرياض في صيغته المعدلة التي ترفضها الحكومة.
ويشير الفتاحي إلى أن الرياض تتبنى رؤية المجلس غير الشرعي المدعوم إماراتياً في التركيز على تنفيذ الشق السياسي من الاتفاق، الذي يفضي إلى تشكيل حكومة شراكة بين الطرفين وتأجيل الشق العسكري الذي تطالب به الحكومة كأولوية تفرضها الأوضاع الراهنة لبسط الأمن وإعادة الاستقرار إلى العاصمة المؤقتة عدن وتمكين الحكومة من إدارة المؤسسات العامة.
المصدر: العربي الجديد