مدينة عدن

النعيق بديلاً عن تغريد العصافير.. "الغربان" تحتل شوارع عدن وتضيق الخناق على الطيور الأخرى

للمصدر أونلاين

لم يعد ممكناً لـ"عهد ياسين" سماع تغريد العصافير التي تصدح بأغانيها الصباحية كعادة الأيام في عدن؛ فالأصوات التي كانت ترتل من على "شُرفات" البيوت وأغصان الأشجار انحسرت وأفِلت، وأضحى من النادر مشاهدة تلك العصافير المغلوب على أمرها جراء انتشار مهول للغربان التي باتت تخدش سكون المدينة في صباحاتها.

 

تقول "عهد"، وهي صحفية "أضحى للغراب موطئ قدم بعدن وتسيّدت الغربان على باقي الطيور وسعت جاهدة إلى تضييق الخناق عليها، وإلى جانب طردها للعصافير والحمام وطيور أخرى تتصف الغربان بالعدوانية تجاه الناس فهي تهاجمهم أحياناً ناهيك عن تصرفاتها المقززة" ، كما تقول.

 

وتضيف لـ"المصدر أونلاين": الغربان أصبحت واقعاً في عدن، لكن لابد من التنبه لهذا الأمر ومحاولة إيجاد توازن لتواجدها مع الحفاظ على التنوع وتواجد الطيور الأخرى، لما لها من جاذبية واهتمام لدى الناس فهي التي تمدنا بالسكينة والبهجة وترسم البسمة على شفاهنا.

 

"حسن باهارون" هو الآخر مستاءٌ مما سماه "تسيّد الغربان" بعدن ومضايقتها للطيور الأخرى التي تكاد تنقرض موتاً وهروباً بسبب طباع الغراب وتلك الصفات العدوانية التي تجاوزت الطيور لتطال الإنسان ذاته.

 

يقول لـ"المصدر أونلاين": لم تتورع الغربان في أذية الناس من خلال النقر على النوافذ والنعيق المتكرر في عتبات البيوت وإنزال الفضلات على السيارات أو على رؤوس الجالسين تحت الأشجار، فهي تتصرف بحقد دفين وعدوانية مفرطة إلى جانب الاستماتة في نبش مكبات القمامة وبعثرتها.

 

وعن واقع الغربان وصفات الحب والكره؛ يقول الدكتور "صالح بن شحنة" إن "الإنسان يفضل العصافير لما لها من ألوان مُزركشة وأصوات تعشقها النفس على العكس تماماً من الغربان فهي محل كره لصوته وشكله وقذارته".

 

انتشار الغربان في عدن

يروى أن تاريخ انتشار الغربان بعدن يعود إلى العام 1923م، عن طريق أحد الضباط الإنجليز والذي يقال أنه هو من جلب الغربان إلى المدينة، وقد يكون قدوم الغربان يعود لرسو سفينة كانت قادمة من الهند في ذلك التاريخ على متنها زوج من الغربان وإن اختلفت الروايتان إلا أن العام ذاته هو تاريخ انتشار الغربان بعدن، بحسب الاستشاري البيئي الدكتور جمال با وزير رئيس قسم التنوع الحيوي بمركز دراسات وعلوم البيئة بجامعة عدن. 

 

ويقول باوزير لـ"المصدر أونلاين" ان الغراب من الطيور المستوطنة في عدن واليمن بشكل عام، ويقوم ببناء أعشاشه من الأغصان والفروع الصغيرة بطريقة هندسية محكمة و باستطاعة هذه الأعشاش مقاومة الرياح الشديدة والعواصف ويستعين الغراب أحياناً بالأسلاك الحديدية لتمكين العش من التماسك مما يستحيل بعثرتها.

 

ويتميز الغراب عن بقية الطيور بالذكاء والنباهة والحذر الشديد، وغالبا تبني أعشاشها في أعلى الأشجار وعلى أعمدة الكهرباء ونوافد المنازل والجبال.

 

وعن الانتشار الكبير لها في عدن؛ يُرجح الدكتور باوزير أن التوقف عن مكافحة هذا النوع من الطيور ساهم في ذلك الانتشار بشكل كبير وباتت تهدد التنوع الحيوي للطيور في المدينة.

 

وتبني الغربان أعشاشها بمشاركة الأنثى والذكر لتستهل أنثى الغراب بوضع 4- 5 بيضات على أن تحتضنهم لمدة 18 يوم تقريبا، ويساعد الذكر في إطعام الصغار ورعايتهم حتى ينمو الريش على أجسادهم وتغادر الصغار العش بعد حوالي 4 أسابيع والاعتماد على أنفسهم في الحصول على الطعام ويمكن أن يعيش الغراب 14 سنة تقريبا بحسب المختصين.

 

المكافحة

تضم الغربان أكثر من (100) نوع تقريباً على مستوى العالم إلا أن ثلاثة منها تتواجد في اليمن وهي "الغراب المنزلي الهندي"؛ "الغراب مروحي الذيل" و"الغراب بُني الرقبة" وبطبيعة الحال فالغربان مؤذية حيث تقوم بقتل العصافير والحمام وغيرها من الطيور، وتقضي على بيضاتها وفراخها، فيما تقتات من القمامة المخلفات العضوية المختلفة كالأسماك؛ البيض الفاسد، الخضروات، الفواكه؛ اللحم؛ الجيف، إلى جانب نقل النفايات إلى الأحواش والمنازل وبعثرتها والشرب من مياه المجاري والاستحمام بها كما يبين ذلك الدكتور باوزير.

 

ويستطرد لـ"المصدر أونلاين": تعود اول محاولة لمكافحة الغربان في عدن إلى العام 1984م عندما قامت بلدية عدن حينها وبدعم من برنامج الأمم المتحدة للبيئة وقلّت أعدادها بشكل كبير، إلا أن التوقف عن متابعة المكافحة لعدم وجود برنامج مستدام مكنت الغربان مرة أخرى من التكاثر في عدن.

 

وأشار إلى أن أي عملية مكافحة للغربان على هذه الصورة ستفشل مالم تكن هناك خطة مكافحة مدروسة وممنهجة من خلال إشراك جهات عدة في بلورتها وبإمكانات كافية، وليست فقط مكافحتها في عدن وانما في المحافظات المجاورة أيضاً في نفس الوقت حتى نضمن عدم انتقالها الى عدن مرة أخرى.

 

فتكاثر الغربان في عدن، وفقاً لباوزير، يعمل على خدش الجانب الجمالي للمدينة وإزعاج سكانها من خلال نعيقها وصوتها المزعج غير المحبب للاستماع إضافة الى رمي فضلاتها التي تتكون من مواد حمضية على الناس وأكل الجيفة من الحيوانات كالفئران والشرب من الماء النظيف المكشوف والاغتسال بمياه المجاري الراكدة كفيل بمطلب مكافحته بحسب ما ذهب إليه. 

 

ويؤكد أن الغربان تنتشر في جميع مديريات محافظة عدن بما في ذلك المحافظات القريبة لعدن كلحج وأبين وأي عملية مكافحة لابد لها أن تطال هذه المناطق.

 

وتابع أن هناك تجربة سابقة أخرى في جزيرة سقطرى بعد أن دخل اليها زوج من الغراب على إحدى السفن البحرية في منتصف تسعينات القرن الماضي وتكاثرت أعدادها وأصبحت تشكل تهديداً وقلقاً على التنوع الحيوي في الجزيرة مما جعل السلطات تقوم بعمليات مكافحة للقضاء عليها و لمرات عدة ولم تسفر نتائجها بالقضاء التام على الغربان نهائيا اذ تبقى حوالي 13 غراب في الجزيرة مما يعني تكاثرها من جديد وتطلب الامر الاستعانة بخبراء وتم القضاء عليها نهائيا.

 

وإلى ذلك ليس بمقدور الدولة حالياً القيام بعملية مكافحة "الغربان" كما يعتقد البعض نظراً لحالة العشوائية التي تسود البلاد المصاحبة للحرب التي تدخل عامها السادس وما يتطلب الأمر من أموال ضخمة، إضافة الى الانتشار المخيف للغربان والتي لم تسلم منها حتى "صهاريج عدن" وهي قِبلة السياح فيما لا توجد إحصائية دقيقة بأعداد الغربان المتواجدة في عدن حتى الآن.

 

الغربان والطيور الأخرى

ينفر الناس من الغربان بسبب صوته المزعج وشكله وأكله النفايات ونقلها وأكل الميتة على العكس تماماً من الطيور الاخرى كالعصافير والحمام، كما تنفر الناس من الغربان لما أشيع عنه من أنه "نذير شؤم" بسبب الأساطير التاريخية التي حيكت حول هذا الطائر، لهذا تنظر الناس للغراب نظرة غير إيجابية، كما يقول الأكاديمي بقسم علم النفس بكلية الآداب بجامعة عدن الدكتور "بن شحنة" للمصدر اونلاين.

 

وتعد عدن محطة هامة للطيور المهاجرة التي تأتيها في المواسم المختلفة من أوربا وآسيا في فصل الشتاء وفي فصل الصيف تأتي من أفريقيا ودائماً ما تسعى الطيور خلف الغذاء والدفء والأمان، وعدن تشكل بيئة جذب مناسبة للطيور المهاجرة وخاصة المائية منها.

 

وحيثما تهبط هذه الطيور المهاجرة تستوطن المنطقة، كما هو الحال في محمية الطيور ببحيرات خورمكسر على طريق الجسر البحري ومحمية الحسوة، والتي باتت الطيور فيها مهددة نتيجة التسابق على أراضيها ونهبها خلال الأربع السنوات الماضية مما يتهدد واقع الطيور المهاجرة من النوارس والفلامنجو وغيرها، وهو ما يعكس واقع الحياة التي تعج بالصراعات المتزامنة مع حالة الحرب في البلد.

 

وتشهد أسواق بيع العصافير بعدن إقبالاً متزايداً والتي تتراوح أسعارها بين (5 _ 100) ألف ريال يمني لعدد من العصافير منها الكناري؛ البوشي (تسمية محلية) فيشار (تسمية محلية)؛ بالإضافة إلى الببغاء لما لها من أصوات محببة؛ ويتسابق الناس على تربية وبيع واكتناز هذه الأنواع من الطيور إصراراً منهم على تعويض غياب العصافير البرية التي انقرضت أو تكاد بسبب مضايقة الغربان حسب "باهارون" المهتم في هذا المجال.