ضحت القابلة أشواق سيف بحياتها من أجل إنقاذ حياة أٌم تعسرت ولادتها، بعد أن رفضت المستشفيات بمحافظة عدن قبولها بسبب مخاوف كورونا.
عادت الأم إلى منزلها في مديرية الشيخ عثمان مع صرخات الألم التي لم تقدر جارتها القابلة أشواق أن تتحملها، على الرغم من أنها صارت متقاعدة وتوقفت عن أعمال التوليد بإحدى مستشفيات المدينة.
في البداية حاولت أشواق عدم الالتفات لصيحات الوالدة، وتجاهلها التزاماً بإجراءات الحجر المنزلي؛ وحتى لا تكون سببا في نقل الإصابة إلى عائلتها، لكن والدتها المسنة لم تستطيع سماع مزيد من الصراخ، وأصرت عليها بضرورة الذهاب لتوليد جارتهم وإنقاذ حياتها.
تضحيات كبيرة
تغلبت رغبة أشواق في القيام بواجبها، وإلحاح والدتها على مخاوفها، فاتجهت إلى منزل جارتها، وبذلت جهداً كبيراً لإنجاح الولادة، وإنقاذ حياة الأم والطفل، وأحست بسعادة كبير وراحة ضمير عندما رأت الاثنين بصحة جيدة، ولأنها لم تتخلى عن واجبها تجاه امرأة في أمس الحاجة إليها.
مرت أيام، وظهرت أعراض الحمى والسعال وضيق التنفس تنذر بإصابة والدتها المسنة التي تعاني من أمراض الضغط والسكر بكورونا، ثم بدأت ذات الأعراض عليها، وبعد صراع مرير مع المرض توفيت والدتها، ولحقتها أشواق في اليوم التالي نتيجة لانتقال العدوى خلال عملية توليد جارتها التي كانت مصابة وزوجها بالفيروس.
أشواق سعيد قصة تضحية كبيرة لقابلات يعملن في ظروف غير آمنة، ويدفعن حياتهن لإنقاذ نساء أخريات، وليست أشواق إلا واحدة من 4 قابلات توفين بكورنا، و36 قابلة أخرى أصيبت بالفيروس، وهن يقمن بعملهن الإنساني في خدمة الناس، بحسب فطوم علي الوزير، أمين عام الجمعية الوطنية للقابلات اليمنيات.
تقول الوزير لـ"بلقيس": "عمل القابلات إنساني بالدرجة الأولى، ويتعلق بإنقاذ حياة الأم والوليد لكنه يجعلهن عرضة للإصابة بالأمراض المنقولة والمعدية والحميات، ومخاطر التنقل من منزل لآخر".
خدمات متكاملة
القابلات جنود مجهولة ويقدمن خدمة جليلة للمجتمع، ويعملن في بيئة صعبة في الريف والحضر والمناطق النائية، ولا يقتصر عملهن على التوليد المنزلي فقط، ويقمن بأعمال رعاية الأم والطفل بعد الولادة، وتقديم خدمات الصحة الإنجابية، والمساهمة في تخفيض نسبة أمراض ووفيات الأمهات والمواليد، ونشر الثقافة الصحية.
تقول الدكتورة أفراح الاديمي مختصة الصحة الإنجابية في صندوق الأمم المتحدة للسكان: "القابلات يقمن بدور كبير في رعاية الأسرة، وتقديم خدمات الصحة الإنجابية إلى المنازل، خاصة في الوضع الراهن الذي يشهد تفشيا لـ"كوفيد19"، ويتعرضن لمخاطر كثيرة خلال عملهن إذا لم يكن مدربات بشكل جيد، كما حدث في بداية انتشار كورونا".
وتضيف لـ"بلقيس": صندوق الأمم المتحدة للسكان عند بداية الجائحة قام بتأهيل 157 قابلة للتعامل مع الوباء وافتتح 164 عيادة منزلية للقابلات غير الموظفات، وأعد دليلا لتعريف القابلات بالإجراءات الوقائية أثناء ممارسة عملهن.
ولادات غير آمنة
بحسب إحصائيات جمعية القابلات اليمنيات فإن معدل الولادة التي تتم في المنازل حوالي (77%)، منها 22% معدل الولادات التي تتم بواسطة أيادٍ مدربة, في حين 23 % من الإجمالي العام للولادات يتم في مراكز الرعاية الصحية كما أن 13% فقط من النساء يحصلن على رعاية و متابعة بعد الولادة.
هذه الإحصائيات، تؤكد أن ما يقارب 55% من الولادات تتم في المنازل، وبظروف غير آمنة، وتكشف الارتفاع الكبير لمعدل وفيات الأمهات وخاصة في سنوات الحرب وما خلفته من ظروف اقتصادية وصحية، حيث تضاعف المعدل من 148 لكل 100 ألف حالة ولادة، إلى 385 لكل 100 ألف حالة ولادة، بزيادة تصل إلى 160%.
ونظراً لارتفاع نسبة الولادات غير الآمنة تتصدر، اليمن أعلى نسب وفيات الأمهات في المنطقة العربية، حيث يبلغ خطر وفاة المرأة لأسباب ذات صلة بالحمل 1 من كل ستين حالة، تموت امرأة و6 مواليد كل ساعتين، بسبب مضاعفات الحمل أو الولادة، وتدهور خدمات الرعاية الصحية، مما يستوجب تحسين خدمات الصحة الإنجابية لما يقدر لـ 3 ملايين امرأة وفتاة يمنية في سن الإنجاب.