إبراهيم الطاهر
أثار التدهور السريع للأوضاع الاقتصادية في لبنان ودخول البلاد في مرحلة التضخم المفرط وتوقعات تجاوزه 500 بالمئة خلال أسابيع قليلة تساؤلات واسعة في الشارع العربي حول الدول المعرضة للمصير اللبناني خاصة في ظل التداعيات الاقتصادية غير المسبوقة الناجمة عن تفشي وباء كورونا.
وعلى الرغم من الظروف المعيشية الصعبة في كثير من البلدان العربية وقفزات الأسعار المتتالية التي تشهدها الأسواق بتلك الدول، أظهر مسح أجرته "عربي21" في 22 دولة عربية أن النسب الرسمية المعلنة لمعدلات التضخم لا تعبر عن الواقع الحقيقي لأسعار السلع والخدمات.
وكشف المسح، أن معدلات التضخم بالدول العربية خلال الشهر الماضي كانت بالسالب (تحت الصفر) في 7 دول هي: (قطر، الإمارات، البحرين، فلسطين، سلطنة عمان، الأردن والمغرب)، وأقل من 10 بالمئة في 11 دولة هي: (ليبيا، السعودية، العراق، جيبوتي، الجزائر، الكويت، موريتانيا، جزر القمر، الصومال، مصر، تونس)، وأعلى من 10 بالمئة في ثلاث دول هي سوريا بنسبة 13.3 بالمئة، ولبنان بنسبة 56.53 بالمئة، والسودان بنسبة 114 بالمئة، بينما لم تتمكن "عربي21" من الوصول إلى بيانات رسمية لليمن.
والسؤال الذي يطرح نفسه: ما سبب التدهور الاقتصادي السريع للبنان؟ وكيف أن دولة مثل السودان تجاوزت معدل التضخم 114 بالمئة ولم تدخل مرحلة التضخم المفرط في حين أن لبنان 56.53 ويقول الخبراء إنها دخلت مرحلة التضخم المفرط؟ وكيف لدول عربية تشهد احتجاجات شعبية على سوء وتردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية ومعدل التضخم فيها تحت الصفر أو أقل من 10 بالمئة؟ ولماذا لا تعبر أرقام التضخم المعلنة مع الواقع الحقيقي لأسعار السلع والخدمات بالأسواق؟
"ظروف خاصة بلبنان"
وحول سبب التدهور الاقتصادي السريع للبنان، قال نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، والخبير الاقتصادي، جواد العناني، إن لبنان يتعرض لظروف خاصة لا تتشابه مع نظيرتها في الدول العربية، منها تخلي بعض الدول الداعمة لبيروت بعد تعيين حكومة محسوبة على حزب الله، مثل السعودية وفرنسا، بالتزامن مع عقوبات فرضتها واشنطن على حزب الله وإيران وكذلك النظام السوري وهو ما أدى إلى حظر دخول الدولار إلى لبنان.
واعتبر العناني في حديث خاص مع "عربي21"، أن هذه الظروف الخاصة إلى جانب عدة عوامل اقتصادية داخلية تتعلق بسوء إدارة الاحتياطي النقدي للبلاد، وتراجع ثقة المواطنين والمستثمرين في الاقتصاد، وعجز المصارف عن توفير الدولار لعملائها ووضع قيود على عمليات سحب الودائع الدولارية، وتهريب مليارات الدولارات إلى الخارج بحثا عن ملاذ آمن، ساهم بشكل كبير في تسريع عملية انهيار الأوضاع الاقتصادية والمعيشية بالبلاد.
وأضاف: "اضطر المصرف المركزي لضخ الدولار بالسوق بهدف إحداث توازن بسوق الصرف، لكن الشهية تجاه اقتناص الدولار كانت أعلى بكثير من قدرة المصرف المركزي، وهو ما دفع المصرف إلى طباعة كميات كبيرة من الليرة اللبنانية بدون غطاء نقدي ما أدى إلى انهيار قيمة الليرة اللبنانية وما ترتب عليها من تراجع القوة الشرائية للمواطنين وانفلات الأسعار ودخول البلاد في مرحلة التضخم المفرط".
وأكد نائب رئيس الوزراء الأردني الأسبق، أن الأرقام والمؤشرات الرسمية لأرقام التضخم ومعدلات الأسعار في معظم الدول العربية لا تعبر عن الواقع الحقيقي قائلا إن السبب في ذلك هو أن السوق الذي يقاس فيه التضخم سوق محدود جدا باعتبار أن الجزء الأكبر من اقتصاديات كثير من هذه الدول يقع في نطاق الاقتصاد غير الرسمي.
وأشار إلى أن "بعض الدول العربية تنفق من العملات الأجنبية أكثر مما يأتيها، وهو ما يتسبب في عجز ميزانها التجاري أو ميزان المدفوعات، وخلق فجوة سيولة دولارية، فتضطر هذه الدول لسد هذه الفجوة بالحصول على قروض خارجية وما يترتب عليها من تداعيات سلبية قد تصل في النهاية إلى العجز عن السداد مثلما حدث في لبنان".
"المصير اللبناني"
وقال العناني: "بعض دول الخليج قد تتعرض لنفس المصير اللبناني إذا استمرت أسعار النفط في الهبوط، وتآكلات احتياطاتها النقدية خاصة بالتزامن مع ارتفاع النفقات العسكرية والأضرار الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا"، مستطردا: "حتى لو كانت هذه الدول تملك جبلا من الاحتياطيات فقد يتم استنزافها إما على المدى القصير مثل البحرين وسلطنة عمان أو على المدى المتوسط والطويل مثل السعودية".
وأضاف: "هذا قد يحدث أيضا في بعض الدول التي تعتمد بشكل كبير على القروض حال فقدت ثقة مؤسسات التمويل الدولية وتوقفت فجأة مصادر الحصول على العملة الصعبة، ومنها مصر والسودان والجزائر وليبيا والعراق"، لافتا في الوقت ذاته إلى أن ذلك هو سبب تباهي بعض الدول مثل مصر والأردن بموافقة هذه المؤسسات على منح حكوماتها القروض، بغض النظر عن آثارها السلبية.
وأشار المسؤول الأردني الأسبق، إلى أن وجود تناقض كبير في المعايير الحاكمة التي تحددها مؤسسات التمويل الدولية وفي مقدمتها صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لمنح الدول قروضا جديدة، مؤكدا أن هذه المعايير ترتبط ارتباطا وثيقا بالرضا السياسي عن الأنظمة الحاكمة لتلك الدول أكثر من ارتباطها بالثقة في قدرة اقتصاداتها على سداد تلك القروض.
"مقومات تعطل الانهيار"
وفيما يتعلق بعدم دخول بعض الدول العربية مرحلة التضخم المفرط على غرار ما حدث في بلدان رغم ارتفاع معدلاتها، قال الخبير الاقتصادي أحمد ذكر الله، إن التضخم المفرط يحدث عندما يفقد المواطنون ثقتهم في العملة المحلية وما يترتب عليها من تزايد كبير في معدلات الأسعار بصورة مستمرة وغير طبيعية.
وأوضح ذكر الله، في حديث خاص لـ"عربي21"، أن هبوط قيمة العملة المحلية يرجع لعاملين رئيسيين هو القبول العام للعملة، وفقدانها لوظائفها الرئيسية كوسيط للتبادل التجاري، لافتا إلى أن حدوث ذلك في لبنان نتيجة لأسباب اقتصادية وسياسية لا يعني تكراره في دول عربية أخرى.
وأضاف: "صحيح يمكن أن يحدث نزيف لقيمة العملة وارتفاع للأسعار ومعدلات التضخم، لكن كل دولة لها مميزات اقتصادية في إنتاج سلعة أو خدمة معينة حتى وإن كانت ريعية، فالسودان على سبيل المثال التي تجاوز فيها معدل التضخم نسبة الـ 114 بالمئة لديها ما يمكن أن نسميه إنتاجا داخليا يمكن أن يدعم الاستقرار بالداخل حتى وإن فقدت مصادر التمويل الخارجية".
وأردف: "كما أن مصر التي تشهد ارتفاعا كبيرا في أسعار غالبية السلع والخدمات نتيجة لسياسات اقتصادية خاطئة، لكنها تبقى دولة منتجة في بعض القطاعات الحيوية ولديها تنوع اقتصادي في مجالات مختلفة زراعية وصناعية وسياحية إلى جانب الموارد الطبيعية".