بات في حُكم المؤكد أن عدداً من القوى الإقليمية والدولية تسعى لرسم خارطة جديدة لليمن وقد وجدت في الحرب المستعرة منذ خمس سنوات ضالتها لتحقيق ذلك.
وخلال السنوات الماضية سلك التحالف العربي الذي تقوده السعودية والإمارات مسلكا واضحا في حربه في اليمن، فقد اتجه مبكرا لصناعة كيانات وكانتونات سياسية وعسكرية لصناعة قوى جديدة على الأرض.
ويعتقد كثير من السياسيين الذين استطلع "الموقع بوست" آراءهم أن ذلك يأتي في إطار أهداف واضحة وخفية للتحالف إذ إن هذه الخطوات تأتي تمهيدا لتسوية الملعب لتكون اليمن جاهزة لفرض الخارطة الجديدة المعدة سلفا.
كانتونات مصطنعة
فإلى جانب طرفي الصراع في اليمن وهما جماعة الحوثي الانقلابية والسلطة الشرعية، صنع التحالف العربي لاعبين جدد أبرزهما المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم إماراتيا وما تسمى بقوات حراس الجمهورية التابعة لنجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح "طارق محمد عبد الله".
تحذيرات
ومؤخرا برزت تحذيرات لمسؤولين حكوميين وشخصيات اجتماعية وحزبية يمنية تُحذر من مخطط كارثي يعد لليمن يهدف لإزاحة شرعية الرئيس هادي وتقسيم اليمن.
وكان من أبرز تلك التصريحات تصريح رئيس الدائرة الاعلامية لحزب الإصلاح اليمني علي الجرادي الذي أكد في تغريدة له على حسابه الشخصي في تويتر أن "هناك توجهات جديدة تحيكها قوى دولية وإقليمية لإنهاء دور الرئيس هادي من المشهد السياسي، واستبداله بصيغة توافقية جديدة من شأنها تقسيم اليمن جغرافيا ومذهبيا بعيدا عن الشرعية".
فحوى المخطط
ومع السعي الحثيث لبعض الدول الإقليمية لتنفيذ المخطط الذي تتزعمه دولة الإمارات العربية المتحدة فإن الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي يمتلك المشروعية والشرعية المحلية والدولية عبر قرار مجلس الأمن الدولي 2216 يعد أكبر العوائق أمام هذا المخطط.
ولأجل ذلك فإن الخطوة القادمة بعد زراعة الكانتونات في اليمن هي إزاحة الرئيس عبد ربه منصور هادي وإنشاء شرعية دولية جديدة بدلا عنه، بحسب مصادر مطلعة ومتعددة.
ووفقا لما كشفت عنه الجزيرة نت، فإن هناك ترتيبات جرت مؤخرا تهدف لإفقاد الشرعية المشروعية الدولية بقرار دولي جديد يتجاوز قرار مجلس الأمن 2216 ويتضمن تشكيل ما يشبه نظام الحكم الفيدرالي -كانتونات على الأرض، وحكومة في منطقة خضراء- بحيث يصبح كل فصيل مسيطرا على ما لديه حاليا.
وبحسب تلك المصادر، فقد بدأت الإمارات وقوى دولية خلال الفترات الماضية بالعمل على هذا المخطط بشكل جدي، وذلك من خلال بناء تحالفات سياسية جديدة تعمل ضد الحكومة الشرعية، والتهيئة لهذه الخطوة من خلال التصعيد الإعلامي الواسع، والتحرك الدبلوماسي غير المباشر ضد الشرعية والجيش الحكومي وبقية الأحزاب الوطنية.
وقال محللون استطلع "الموقع بوست" آراءهم إنه كما منح اتفاق ستوكهولم المشروعية الدولية للحوثيين وأدى لقبول التفاوض معهم كطرف ندي، فإن التحالف العربي يسعى لإضفاء الشرعية على المجلس الانتقالي الجنوبي عبر اتفاق الرياض.
ومع استمرار الهجمات على مأرب فإن المخطط يكون قد اكتمل في مراحله الأولى بتسوية الملعب وإزاحة الشرعية وإضعاف دورها ولم يتبق إلا إضفاء المشروعية الدولية على المخطط الجديد الذي يتضمن تقسيم اليمن إلى كانتونات متفرقة في الشمال والوسط والجنوب.
يمن متشظٍ
وفي السياق ذاته، أكد الكاتب والسياسي اليمني صلاح السقلدي وجود توجه قوى إقليمية بالفعل لرسم خارطة جديدة لليمن وتقسيمه.
وأوضح السقلدي في حديث خاص لـ"الموقع بوست" أن تلك القوى ترى أن مصالحها باليمن جنوبا وشمالا ستكون سهلة المنال في ظل يمن متشظٍ خائر القوة والقوى.
وأضاف السقلدي أن هذه المخططات تتحمل مسؤوليتها بدرجة أساسية تلك القوى اليمنية التي قال إنها أنتجت الأزمة اليمنية والقضية الجنوبية منذ غداة عام الوحدة مرورا بحرب 1994 وحتى اليوم.
ضمان السيطرة
من جانبه عبدالسلام محمد -رئيس مركز أبعاد للدراسات الإستراتيجية- قال إن التحالف قام بإضعاف الحكومة والجيش الوطني وعمد إلى إنشاء مليشيات متعددة الولاءات.
ودلل على ذلك بدعم التحالف ميلشيات متعددة الولاءات، للسيطرة على عدن ولحج والضالع وسقطرى في الجنوب، ومؤخرا دعم طارق صالح وأبو العباس المضمن في قوائم الإرهاب الأمريكية لفصل الحجرية عن تعز.
وأوضح عبد السلام محمد -في منشور له على فيسبوك- بأن ما وصفه بمخطط الكانتونات الذي ينفذه التحالف في اليمن هو إستراتيجية بعيدة المدى لضمان السيطرة على بلد ممزق وضعيف متعدد القيادات والولاءات.
وبين عبد السلام أن السعودية تحاول ضمان التحكم في اليمن بعد اتفاق السلام مع الحوثيين الذي سيعتمد محاصصة ترى فيها ألا تكرر خطأ لبنان بامتلاك إيران للثلث المعطل.
وإلى جانب تحريك ملف فصل الحجرية عن تعز وبناء كانتونات وضمان انعدام الحوثي أو أي مكون يمني للثلث المعطل في المحاصصة القادمة، فإن الدافع الثالث هو السيطرة الكاملة وبعيدة المدى على باب المندب والخوف من أي تأثير للتواجد التركي في الضفة الأخرى للبحر الأحمر، بحسب عبد السلام.
إمكانية المواجهة
يؤكد كثير من المراقبين أنه لا يزال أمام السلطة الشرعية في اليمن كثير من أوراق الضغط وعدد من خيارات المواجهة لإفشال المخطط.
السقلدي أكد أنه ما زال للأمل فسحة بتلافي هذا الواقع وتجاوزه إن أخلصت النوايا وتم فك الارتباط مع من وصفها بقوى الهيمنة الخارجية وتم تغليب مصالح الناس.
ويتفق رئيس مركز أبعاد للدراسات عبد السلام محمد مع السقلدي في إمكانية مقاومة المخطط وإفشاله.
وطرح عبد السلام خيارين أمام القيادات والحكومة اليمنية وقال إنهما خياران لا يمكن أن ينفذا ما لم يعودوا إلى الداخل.
وأوضح عبد السلام أن الخيارين هما إما إعلان انتهاء مهمة التحالف أو إصلاح التحالف بعد إخراج الإمارات.