شهدت مديريات الحجرية بتعز أحداثاً ساخنة، زادت معها المخاوف من تعميق الخلافات في ريف المحافظة، ودخولها مُعترك الصراع والحرب الذي ظلت بعيدة عنه نوعاً ما، مقارنة مع ما عاشته مناطق أخرى لم تنجُ من فخه.
وظلت تلك المناطق في ريف تعز منذ 2015، بعيدة عن الحرب، لكنها لم تكن خارج دائرة التوتر الذي كانت تعيشه من وقت لآخر، الأمر الذي كان ينذر بإمكانية تأجيج الوضع هناك، وانفجاره عسكرياً، لكن هذه المرة ليس مع جماعة الحوثي كما هو معتاد.
الكثير من التعقيدات في ملف الحجرية الذي يدور حوله الكثير من الجدل، خصوصاً مع تزايد الحديث عن مخطط إماراتي يهدف لفصل ريف تعز عن باقي المحافظة، سيكون خاضعاً لطارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق علي عبدالله صالح، الذي تدعمه دولة الإمارات العربية المتحدة، التي سلمته مدينة وميناء المخا بعد استعادتهما من جماعة الحوثي.
ويظهر الخلاف كما لو أنه بين القوات الحكومية ذاتها، وذلك بسبب انتماء كتائب أبوالعباس التي يقودها العقيد عادل عبده فارع، إلى اللواء 35 مدرع، الذي لم تكن تأتمر له عسكرياً، في ظل قيادته السابقة، وتتلقى دعمها من أبوظبي.
وتوترت العلاقة بشدة مع مرور الوقت بين محور تعز واللواء 35 مدرع، بخاصة بعد قتل قائده العميد عدنان الحمادي، ووصلت مؤخراً إلى الذروة بعد تعيين قائد جديد خلفاً له، وهو عبدالرحمن الشمساني.
وتطورت الأحداث أكثر، بعد خروج متظاهرين يتبعون طارق صالح وأحزاباً سياسية، رفضاً لتعيين الشمساني، واستحداثات قامت بها الشرطة العسكرية للقبض على مطلوبين أمنياً، لكنها تحولت ذات اليوم إلى اشتباكات مسلحة.
مخاوف من تكرار سيناريو عدن
قد تبدو كل تلك المعطيات مُحيرة، بالنسبة لكثيرين ممن لم يفهموا تعقيدات ملف تعز التي تزداد ضبابية؛ نظراً لتصدر التنظيم الناصري وحزب التجمع اليمني للإصلاح الواجهة، ويحاول المحلل السياسي محمد الغابري تلخيصها بالقول إن الصراع في الحجرية هو بين طرفين رئيسيين، هما الجيش ووحدات من الأمن من جهة، وبين بقايا ما وصفهم بالمسلحين التابعين لأبي العباس.
عن أهداف ذلك، يقول الغابري لـ”المشاهد” إن هناك محاولة فصل ساحل تعز عن بقية المحافظة، وتمثل الحجرية منطقة هامة لتكريس ذلك أو إنهائه.
وعن اللاعبين الأساسيين في هذا المسلسل الذي تعد الحجرية مسرحاً له، يرى أن الإمارات طرف واضح معلن يدلي بطارق صالح في محاولات إنهاء دور الحكومة، وإحلال جماعات مسلحة في تعز كما حدث في عدن وجزيرة سقطرى.
وكل ما يُقال عن قطر وتركيا ووقوفهما وراء ما يحدث، فهي وفق الغابري عملية دعائية تعتقد الإمارات أنها تعطيها مبررات لتعطيل الحكومة ونشر جماعات مسلحة بديلة.
بخصوص دور الناصريين في ذلك، أفاد أنهم يشكلون غطاء سياسياً لمعارضة قرار رئيس الجمهورية عبد ربه منصور هادي بتعيين قائد جديد للواء 35 مدرع، إضافة إلى إثارة قدر من الفوضى.
وعن مستقبل ما قد تؤول إليه الأوضاع هناك، بعد سنوات من التوتر، يؤكد أن سلطة القانون هي التي ستنتصر.
لم تكن علاقة محور تعز بكتائب أبي العباس التي تنتمي إلى اللواء 35 مدرع المدعوم من الإمارات، جيدة، خصوصاً مع الكشف عن تورطها بإعدام جنود من القوات الحكومية وإثارة فوضى في المحافظة، الأمر الذي تسبب بإخراجها إلى خارج المدينة.
وبالطبع لم تتوقف الصراعات، بل انتقلت إلى حيث ذهبت الكتائب التي أصبحت تابعة لطارق صالح، وبات يبدو بالنسبة لكثير من المتابعين، أن الأطراف الظاهرة في الصورة هي في الأساس تتمترس خلف جهات سياسية أخرى جمعها الدفاع عن تعز ومقاومة الحوثيين.
لكن الصحفي والناشط في التنظيم الناصري صلاح الجندي، يعتقد أن أحداث التربة تُظهر الوجه الخفي لقيادة المحور وما يتبعها من ألوية بعض قياداتها محسوبة على طرف سياسي، في مشروعها للسيطرة على الحجرية ومناطق سيطرة اللواء 35 مدرع.
وذكر الجندي لـ”المشاهد” أن ما تقوم به القوات الحكومية من تهجم وإقلاق للأمن المجتمعي داخل التربة ومناطق الحجرية باسم الدولة، وعجزوا عن تحقيقه في شوارع المدينة، لهو دليل واضح على مشروعهم الاستحواذي والإقصائي، بحسب تعبيره.
وأفاد أن الحجرية والتربة مناطق خاضعة لسيطرة اللواء 35 مدرع، وتخضع تلك المديرية أمنياً لأجهزتها الأمنية ولقوات الأمن الخاص، وشهدت حالة استقرار كبيره قبل أحداث العام الماضي وحالياً.
وحول المخاوف بشأن توسع طارق صالح هناك، يؤكد الجندي أنها “أمر يدعو للسخرية”، ومبرره في ذلك، أن الحجرية مسرح عمليات اللواء 35 مدرع، ولا وجود لأية قوة عسكرية لطارق.
وتابع: “مبررات الحملة الأمنية التي تقودها الشرطة العسكرية، والتي تقول إنها لملاحقة العصابات، هي مبررات كاذبة، والهدف الحقيقي منها هو الاستحواذ على الحجرية” كما يقول.
انعدام الثقة بين الأطراف السياسية
من خلال قراءة المشهد في تعز، تتضح حجم الفجوة بين إخوة النضال المشترك ضد جماعة الحوثي، وظهر ذلك جلياً في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها، والتي لم تساعد على استقرار المحافظة.
قراءة المشهد في تعز، تتضح حجم الفجوة بين إخوة النضال المشترك ضد جماعة الحوثي، وظهر ذلك جلياً في العاصمة المؤقتة عدن وغيرها، والتي لم تساعد على استقرار المحافظة.
انعكس ذلك على أرض الواقع بالطبع، ونتيجة لانعدام الثقة بين الأحزاب التي شاركت في مواجهة الحوثي، يشعر بعض منهم بالخوف من نفوذ الإمارات في تعز، بخاصة بعد حصول تجارب سابقة في باقي المحافظات، قامت فيها أبوظبي بتغذية وتشكيل جماعات مسلحة تابعة لها، عملت على محاربة الحكومة، وخاضت ضدها جولات حرب عديدة، واستهدفت حزب الإصلاح تحديداً.
ويستمر اطراف النضال المشترك في تعز بتوجيه الاتهامات لبعضها في كثير من القضايا، من أبرزها ما يتعلق بعملية دمج المقاومة الشعبية بالقوات الحكومية، والتي تواجه انتقادات عديدة بسبب أنه لم يتم توزيع مجاميع المقاومة بين الألوية المختلفة؛ مع العلم أن كثيراً من أفراد الجيش لهم توجهات سياسية، وليسوا مستقلين، بحسب مراقبين.
وحتى الآن يرفض مشائخ وأعيان الحجرية -كما جاء في بيان لهم- ما يجري، ويحذرون من خطورة تمزيق اللواء 35 مدرع، وضمه لقوات طارق، ومن افتعال أي مبررات للعنف وتمرير مشروع الإمارات.
بينما يرى حزب الإصلاح أن سبب ما يحدث في الحجرية وتكرار مثل ذلك السيناريو، هو عدم إخراج كافة المعسكرات والتشكيلات المختلفة من المدينة، وإعادتها إلى جبهات القتال.
والحجرية تضم عدداً من المديريات التابعة لتعز المكتظة بالسكان، وتتبعها عدد من المدن، أبرزها التربة مركز مديرية الشمايتين، والوازعية ذات الموقع الاستراتيجي، فهي قريبة من ساحل باب المندب، ومطلة على خليج عدن والمخا.