لا أعرف من أين جاء بكل هذه الثقة وهو يؤكد أن "مصالحة قادمة بين الحكومة المصرية وجماعة الإخوان المسلمين خلال شهور من الآن"، وليس سنوات. هل لأنه زار تركيا والتقى – كما قال - بعض قيادات الإخوان من "العجائز والشباب" كل على حده - على حد تعبيره - وتم فتح ملف المصالحة؟
أم لأنه يجري تصنيفه في الشارع السياسي المصري كسياسي ليبرالي مقرّب من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا، و"عرّاب المصالحات"، وهناك احتمال أن تكون مبادرته وحديثه بثقة عن "المصالحة" مدفوعين برغبة أو توجّه أميركي؟
إنه الناشط الحقوقي الليبرالي أستاذ علم الاجتماع السياسي بالجامعة الأميركية في القاهرة، رئيس مركز ابن خلدون الشهير، الدكتور سعد الدين إبراهيم.
الهدف.. السلام والاستقرار الداخلي
"مبادرتي للمصالحة هدفها السلام والاستقرار الداخلي ووقف نزيف الدماء الذي يجري في كل شبر بمصر، الذي ينتج أضراراً اقتصادية وهروب المستثمرين الأجانب في ظل عدم الاستقرار".. هكذا لخَّص النشاط المصري مبادرته للمصالحة بين الإخوان والحكومة.
إبراهيم فاجأ بترشيحه الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، القيادي الإخواني السابق رئيس حزب "مصر القوية"، باعتباره "الأنسب كبديل للسيسي بعد انتهاء فترة ولايته"، ومعه أيمن نور رئيس حزب الغد، مستبعداً حمدين صباحي تماماً.
كواليس اجتماعات إسطنبول
كانت زيارة سعد الدين إبراهيم لإسطنبول، حيث يعيش أغلب الإخوان الهاربين من مصر، مؤشراً لدى بعض المراقبين لعرضه هذه المصالحة.
سعد الدين إبراهيم، روى القصة قائلاً إنه دُعي من جامعة إسطنبول لإلقاء محاضرة، وعلى هامش الزيارة نظّم له المرشح الرئاسي الأسبق أيمن نور 3 لقاءات مع المنصف المرزوقي الرئيس السابق لتونس وعدد من التونسيين، ثم الدكتور محمود حسين ومعه عدد من "عواجيز التنظيم الدولي لجماعة الإخوان" - بحسب تعبيره - وكان اللقاء الثالث مع مجموعة من "شباب الإخوان"، على رأسهم عصام تليمة، كما التقى مجموعة من المعارضين السوريين.
وأكد إبراهيم أن "عواجيز الإخوان سألوني عن مصير المبادرة التي أعلنتها للمصالحة مع الدولة قبل عام ونصف.. واستنبطت أنهم يرغبون في طرح المصالحة من جديد"، أما شباب الإخوان "فيرفضون أي حديث عن المصالحة من قبل الجماعة، وسقف مطالبهم لايزال مرتفعاً، ولايزالون يطالبون بعودة الدكتور محمد مرسي كونه الرئيس المنتخب من وجهة نظرهم، ومحاكمة كل من تلوّثت يده بدماء الإخوان".
دور أميركي في المصالحة؟
ونفى الدكتور إبراهيم وجود دور أميركي خفيّ وراء تبنّيه هذه المبادرة، قائلاً: "ليس لديّ أية اتصالات مع أي مسؤولين أميركيين"، مرجعاً سبب لقائه مع الإخوان لأيمن نور الذي تعتبر أوساط حكومية مصرية أنه يلعب نفس دور إبراهيم في التواصل مع أميركا والغرب.
كما نفى أن يكون قد تواصل معه أحد من المسؤولين المصريين بشأن المصالحة مع الإخوان، مؤكداً: "هدفي وراء طرح المبادرة إيماني بأن المصالحة مع الإخوان إحدى دواعي حقوق الإنسان التي أومن بها رغم أخطائهم، وهي مبادرة خالصة لوجه الله، فأنا داعية سلام ولا توجد ضمانات لعدم إنكار الإخوان ثانية للمبادرة".
وتابع: "طرحت المبادرة نحو المصالحة للرأي العام بدافع ذاتي لإجراء حوار مجتمعي، وربما نطلب من البرلمان المضيّ قدماً نحو تنفيذ المصالحة على الأرض، أو اللجوء إلى استفتاء شعبي".
وساطة قديمة بين الإخوان وأميركا
ورغم نفيه اتصاله بالأميركيين لطرح هذه المبادرة للمصالحة، لم ينكر الدكتور سعد الدين إبراهيم أنه كان أول من قام بدور حلقة الوصل بين الإخوان وأميركا والغرب عامة، مرجعاً هذا لفترة حبسه عام 2000 مع قيادات الإخوان وعلى رأسهم خيرت الشاطر.
وروى قصة هذه الاتصالات قائلاً: "كان يزورني في السجن وفود أجنبية وممثلو سفارات، واعترض حينها خيرت الشاطر، وعندما تقابلت معه عرضتُ عليه أن أكون حلقة وصل بينه وبين الغرب، وأن يرسل لهم رسالة من خلالي، فلم يتردد.. لكنه طلب أن يهتم الأجانب بباقي السجناء من الإخوان".
وتابع: "أبلغت رسالته لأول زائر أجنبي لي وهو سفير كندا في مصر حينئذ، فكان ردُّه أن اهتمامنا بسعد إبراهيم وأعضاء مركز ابن خلدون يأتي بتكليف من حكوماتنا وبرلماناتنا لموقفهم من حقوق الإنسان ومساندتهم لحرية التعبير".
وبعد الخروج من السجن "نظمنا 3 لقاءات في النادي السويسري بين عدد من قيادات الجماعة بمن فيهم الدكتور محمد مرسي، وحضر اللقاءات سفراء دول كندا، سويسرا، إنكلترا، فرنسا، ألمانيا، نيوزيلندا، وأستراليا، وامتنع السفير الأميركي عن الحضور بتعليمات من الإدارة الأميركية في واشنطن إرضاء لنظام مبارك حينذاك".
وقال إبراهيم إن اتصال الإخوان بالأميركيين جاء في عامي 2004 و2005 بعدما تأكد الأميركيون أن الإخوان أكبر جماعة منظمة في مصر، من هنا بدأت أميركا تعي ضرورة الاتصال بالإخوان، وقد كان".
الطرفان يرغبان في المصالحة
وأشار د. إبراهيم إلى اعتقاده بأن "طرفي الخلاف المتمثلين في الإخوان ونظام الحكم المصري يرغبان في المصالحة"، مؤكداً أنه "لابد من حدوث المصالحة بين الطرفين، وأتوقع أن تتم هذه المصالحة خلال أشهر من الآن، تبدأ بانتهاء حالة الاحتقان".
كما توقع أن يطالب الإخوان بالانخراط مرة أخرى في العمل السياسي وتولي بعض المناصب الرئيسية وتمثيلهم في مجلس النواب، وغيرها من مناصب، واستبعد تنفيذ أحكام الإعدام بحق قيادات الإخوان، "بل إنه ربما يخرج مرسي وقيادات الجماعة من السجون بعد فترة".
مسؤول مصري يؤكد
الأكثر غرابة أن مسؤولاً مصرياً على اطلاع بملف الإخوان في مصر أبلغ موقع "هافينغتون بوست عربي" بأن "المصالحة قادمة بلا شك؛ لأنه لا يمكن أن تستمر الأحوال على ما هي عليه في مصر بهذا الشكل".
وقال المصدر، الذي رفض ذكر اسمه لحساسية منصبه: "هناك رغبة لدى قطاعات كبيرة في الدولة في إبرام مصالحة مع التيار الإسلامي والإخوان، ولكن بشروط تتضمن وقف العنف والتفجيرات والانخراط في الحياة السياسية".
ولدى سؤاله عن مصير أحكام الإعدامات والسجن، خاصة أن سعد الدين إبراهيم قال إنه يتوقع خروج مرسي وقادة الإخوان من السجون، قال المصدر المصري إن "المصالحة لا تتضمن إطلاق مسجونين، والأمر متروك بالكامل للقضاء المصري وأحكامه بالإفراج أو السجن أو الإعدام".
بديل السيسي
اللافت أن د. إبراهيم تحدث عن المصالحة ورغبة النظام والإخوان معاً فيها، وفي الوقت ذاته أشار إلى احتمال أن تنتهي فترة حكم السيسي بنهاية ولايته الحالية، وترشيح "مرشح عسكري بديلاً له".
إذ توقع أن يستمر الرئيس عبدالفتاح السيسي في الحكم "حتى نهاية فترته الرئاسية"، أما عن ترشحه لفترة ثانية فقال إن هذا يتوقف على قبول الشارع بما حققه أو فشل في تحقيقه على المستوى الاقتصادي، فضلاً عن التراجع المخيف في ملف الحريات ومطاردة أصحاب الفكر والرأي في عهده و"محاربة الأجهزة الأمنية بعضها بعضاً على حساب الشعب وسمعة مصر"، بحسب قوله.
وفي هذا الصدد كشف د. إبراهيم أن "إحصاءات عديدة لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية بيَّنت أن شعبية السيسي تتآكل، وتراجعت بنسبة 30% بعد عامين، "فقد كانت شعبيته قبل عامين 96% وهبطت الآن إلى 63%.. وفي الغالب سيكون هناك بديل له من المؤسسة العسكرية أيضاً لفترة رئاسية واحدة تكون مهمته استكمال ما لم يستكمله الرئيس السيسي، لتظل المؤسسة العسكرية محتفظة بتأثيرها المعنوي لدى المواطن المصري".
وتوقع سعد الدين إبراهيم أن تعود مصر بعد السيسي و"البديل العسكري" له لفترة رئاسية واحدة، إلى "البديل المدني" لمؤسسة الرئاسة، مؤكداً أن "الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح، والدكتور أيمن نور، وعمرو موسى، جميعهم يصلح لخوض الانتخابات كبديل مدني ووطني، للرئيس السيسي بعد نهاية الفترة الرئاسية الأولى، وهم الأنسب من صباحي وبخاصة الدكتور عبدالمنعم أبوالفتوح".