مخاوف "القاعدة" من القبائل تدفع التنظيم لمهاجمة "داعش"

تحت وطأة الضغوط القبلية، اضطر تنظيم "القاعدة" في اليمن، لإعلان موقف مثير، يتضمن هجوماً على تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، الأمر الذي أثار اهتمام الأوساط اليمنية، وسط تساؤلات عن إمكانية أن تتحول الخلافات بين التنظيمين إلى صراع مسلح، على غرار ما شهدته بلدان أخرى في المنطقة، في وقت يُعد فيه "القاعدة" صاحب النفوذ الأقوى يمنياً، مقارنة بـ"داعش".

 

واعتبر تنظيم "القاعدة"، في بيان أول من أمس، أن "تنظيم الدولة الإسلامية عندنا هو تنظيم منحرف قد بيّنا انحرافه في أكثر من مناسبة، وقد استنكرنا أخطاءهم أكثر من مرة"، مضيفاً إن شيوخ تنظيم "القاعدة" سبق أن تحدثوا عن انحراف عناصر "داعش"، وأعلنوا عن "المفاصلة التنظيمية والمنهجية بين الطرفين بشكل واضح لا يترك مجالاً للخلط واللبس"، مشيراً إلى أن "الدولة الإسلامية يعلن جهاراً العداء لجماعة أنصار الشريعة ولجميع الجماعات الإسلامية، وهذا لا يخفى على أحد".


وجاء هجوم "القاعدة"، عبر فرعه المحلي في اليمن والمعروف بـ"أنصار الشرعية"، على "داعش"، تحت وطأة ضغوط قبلية تعرض لها التنظيم في معاقل نفوذه الأساسية في محافظة أبين، عقب التفجير الانتحاري قبل أسبوع في مدينة عدن، مستهدفاً تجمعاً للجنود وطالبي التجنيد، ما أدى إلى مقتل وإصابة العشرات منهم، وأعلن تنظيم "داعش" مسؤوليته عن العملية، ونشر صورة الانتحاري على شبكة الانترنت، وهو نجل إمام مسجد انضم إلى التنظيم. وتقول مصادر محلية في محافظة أبين شرق عدن، لـ"العربي الجديد"، إن غالبية ضحايا تفجير السبت الماضي ينتمون إلى قبيلة واحدة، وهي باكازم، إحدى أكبر القبائل المنتشرة في أبين، الأمر الذي أدى إلى مأساة في القبيلة والمنطقة التي يتحدرون منها، والتي يتمتع "القاعدة" فيها بنفوذ. وطالب أعيان القبيلة من التنظيم توضيح موقفه من التفجير، ليضطر الأخير إلى إصدار بيان نفى فيه أن يكون له أي صلة بالعملية، وهاجم فيه تنظيم "داعش".


وتضمن بيان "أنصار الشريعة" إشارات واضحة لمخاوف التنظيم من أزمة قد تقع مع القبائل في مناطق انتشاره، إذ أوضح أن موقفهم جاء "قطعاً للطريق أمام كل من يحاول استغلال هذه الأحداث لخلق الفتنة بين القبائل وأبنائهم المجاهدين من أنصار الشريعة"، مشيراً إلى محاولات سابقة من أطراف خارجية "دفعت الأموال"، وأوعزت إلى من أسماهم بـ"ضعاف النفوس لزرع الفتنة بين القبائل والمجاهدين". وكان لافتاً في بيان "القاعدة" أنه وعلى الرغم من نفي علاقته بتفجير السبت الماضي، إلا أنه تمسك بموقفه "عدم جواز الانخراط في معسكرات القوات الحكومية". وحمّل التحالف العربي، والإمارات تحديداً، المسؤولية عما حدث، معتبراً أن دول التحالف "يقومون باستغلال فقر الناس وحاجتهم، ثم يرمونهم للمجهول، ونحن حريصون على قطع طريق أي فتنة"، في إشارة إلى عمليات التجنيد، وهو ما يؤكد أن موقف التنظيم لا يختلف عن موقف "داعش" بالتحذير من الانضمام إلى قوات الأمن والجيش. ويأتي موقف "القاعدة" تجسيداً للسياسة التي اتبعها في مناطق انتشاره جنوب اليمن، في الأعوام الأخيرة، والتي مكنته من إدارة العديد من المناطق، إذ اتبع سياسة محلية انفتح خلالها على مسؤولين محليين وشخصيات تجارية واجتماعية، كما حصل أثناء سيطرته على مدينة المكلا في محافظة حضرموت، لما يقرب من عام، وتحديداً منذ بدء العمليات العسكرية للتحالف العربي في اليمن ضد الانقلابيين. كما اتبع سياسة عدم تبني أي هجمات في مناطق سيطرة الشرعية، قبل أن يعود إليها أخيراً بعد طرده من مناطق سيطرته في حضرموت وأبين.

ويتفق المتابعون والمهتمون بشؤون الإرهاب في اليمن على أن فرع "القاعدة" في البلاد، الذي يعد من أقوى فروع التنظيم في العالم، لا يزال هو الأقوى مقارنة بتنظيم "داعش"، الذي ظهر من خلال تفجيرات إرهابية، دشنها في مساجد صنعاء في مارس/آذار2015. واستهدفت غالبية الهجمات الانتحارية في عدن وحضرموت، منذ مطلع العام الحالي، تجمعات العسكريين وطالبي التجنيد، بالإضافة إلى اغتيالات يتم توثيقها بالصوت والصورة. وفي الوقت الذي يتمتع فيه "القاعدة" بنفوذ وانتشار متفاوتين، يتركزان في الغالب في محافظات البيضاء، وأبين، وحضرموت، وشبوة، لا يوجد لتنظيم "داعش" مناطق انتشار ونفوذ واضحة، باستثناء تركز نشاطه في مدينة عدن ومحيطها. وخلال أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول، نفذت قوات حكومية عمليات أمنية في منطقة يافع بمحافظة لحج شمال عدن، مستهدفة مناطق وُصفت بأنها معاقل لتنظيم "داعش". وأعلنت السلطات الأمنية في عدن، أكثر من مرة، القبض على خلايا تابعة للتنظيم. ويستفيد "القاعدة" من هجمات "داعش" التي تعكس طابعاً أكثر وحشية، للظهور بمظهر الأقل عنفاً، بما يحافظ على درجة من القبول الاجتماعي في مناطق انتشاره التقليدية جنوبي ووسط البلاد، بالرغم من أن "القاعدة"، وبعد الضربات التي تعرض لها في الأشهر الماضية، أصدر تسجيلاً تبنى فيه اغتيالات وتوعد بالتصعيد. وفي مقابل اتهامه "داعش" بالانحراف، تعهد "القاعدة" مواصلة القتال ضد "الأميركيين وحلفائهم"، لكنه قال إن قتاله محكوم "بضوابط الشرع وبالحكمة البالغة والطريقة الصحيحة".


ويقول الباحث المتخصص في شؤون الجماعة الإرهابية في اليمن، سعيد عبيد الجمحي، لـ"العربي الجديد"، إن "الخلاف بين القاعدة وداعش حقيقي، ويكمن في الأساليب ونوعية الأهداف"، موضحاً أن "تنظيم القاعدة يحاول الظهور بمظهر المتميز عن تنظيم الدولة الإسلامية. وبهذه الطريقة يروج لنفسه إعلامياً، ليعوض ما تسبب به ظهور داعش، من نقص في مخزون القاعدة البشري. ومن هنا نجد أن القاعدة، تعتبر عملياتها، بحسب البيان، منضبطة بالقواعد الشرعية، بل وبالحكمة البالغة!، مع أن منهج القتل وتصفية الخصوم صفة جامعة للتنظيمين". ويضيف الجمحي "الواقع أن الاختلاف في نوعية الأهداف، والأساليب، بين التنظيمين، ليس تبايناً مطلقاً بينهما، فمعظم المستهدفين لدى القاعدة، هم مستهدفون لدى داعش، فضلاً عن التطابق الكامل بينهما في الجوانب العقائدية، والخلفية الفكرية. ومن المعلوم أن داعش هو المولود الذي أنجبته القاعدة، وتمرد عليها، وسعى لابتلاعها، بعد أن ظهرت قيادات قاعدية رفضت الانصياع لأوامر أيمن الظواهري، واختارت طريقاً، أكثر عنفاً وأشد همجية". وحول إمكانية أن تصل الخلافات بين التنظيمين إلى المواجهة، يقول الجمحي، لـ"العربي الجديد"، إنه "من الصعب أن نعرف إمكانية أن يصل الخلاف بينهما إلى حد الاقتتال، فما يجمعهما أكثر مما يفرق بينهما، إلا في حال أصبح أحد الطرفين، يحمل مشروعاً آخر، ويوالي خصماً من خصومهما".