وزارة التعليم العالي تحرم الآلاف من التعليم الجامعي

في خطوة غير متوقّعة، أصدرت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في اليمن قرارات تسري على كلّ الجامعات - منها الأهلية الخاصة - تقضي برفع المعدّل الأدنى لقبول الطلاب في الكليات. وأصبح لزاماً على هؤلاء الحصول على مجموع في الثانوية العامة يُقدّر بنسبة 65 في المائة، بعدما كان المطلوب 55 في المائة. كذلك اشترطت الوزارة على من يرغب من الطلاب في الانتقال من جامعة إلى أخرى، الحصول على موافقتها المسبقة، فيما رفعت نسبة المقاعد المجانية المخصصة لموظفي الوزراة والفقراء في الجامعات الأهلية من اثنين إلى خمسة في المائة، وامتنعت عن اعتماد شهادات خريجي الجامعات الصادرة قبل عامَين. 

يشعر آلاف الطلاب بالإحباط وبضياع مستقبلهم، لا سيّما الذين لم ينجحوا في جمع المعدّل الجديد المطلوب. يأتي ذلك ليفاقم حالتهم المتدهورة أساساً على خلفيّة الحرب القائمة في البلاد. محمد المطري من هؤلاء، لم يحصل إلا على 62 في المائة في الثانوية العامة. يقول: "كنت أراهن على دراسة العلوم الإدارية في جامعة أهلية، غير أنّ القرار الأخير أصابني بصدمة شديدة لم أكن أتوقّعها، من شأنها أن تؤثّر على مستقبلي". يضيف أنّ "ثمّة أصدقاء لي أصيبوا باليأس نفسه وكذلك الإحباط، وراحوا يفكّرون بحلول بديلة من الفراغ الذي سوف يتزايد لعدم توفّر فرص عمل". ومن تلك البدائل الالتحاق بجبهات القتال. 

في هذا السياق، يعبّر مصدر أكاديمي لـ"العربي الجديد"، عن استغرابه من جرّاء "إصدار الوزارة مثل هذه القرارات الخطيرة والمتسرّعة، قبل أن تعمد اليوم إلى إعداد دراسة حول تداعياتها السلبية وسبل التخفيف من آثارها الضارة". ويرى المصدر أنّ "هذا القرار يخدم الجامعات الحكومية، إذ يخفّض ضغط الأعداد الكبيرة من الطلاب المتقدّمين للتسجيل فيها"، مضيفاً أنّه "يتسبب في إحباط استثنائي لدى الطلاب. يعود ذلك إلى الأعداد الكبيرة من المحرومين من التعليم الجامعي من جهة، ومن جهة أخرى إلى الضرر الذي يلحق بالجامعات الأهلية الاستثمارية ذات الرسوم العالية، بعدما تدنّت أعداد الطلاب فيها بصورة كبيرة". ويشرح أنّ "هذه الجامعات بدأت بتخفيض عدد موظفيها ومدرّسيها، لتتأثر بذلك جودة التعليم ويزداد هامش البطالة المتفاقمة في البلاد". 

وهذا القرار ضرب الطاقة الاستيعابية الخاصة بالجامعات الأهلية. فتلك التي تتّسع لثلاثة آلاف طالب مثلاً، لم تعد تستطيع قبول إلا 800 أو ألف طالب اليوم، خصوصاً بعد الانهيار الاقتصادي القائم نتيجة الحرب. على سبيل المثال، يتحدّث المصدر نفسه عن أكبر الجامعات الأهلية، جامعة العلوم والتكنولوجيا التي كانت تستوعب 300 طالب في تخصص الطب البشري فيما قدرتها اليوم مائة طالب فقط، ويسأل: "إلى أين يذهب الطلاب الباقون؟". ويشير إلى أنّ "القرار جاء ليجهز على جامعات أخرى ذات طاقة استيعابية صغيرة، فتغلق أبوابها كلياً". 

إلى ذلك، تسبّب القرار القاضي برفع عدد المقاعد المجانية في الجامعات الأهلية لصالح أبناء موظفي وزارة التعليم العالي والبحث العلمي وأفقر شرائح المجتمع، بتهديد مستقبل عمل هذه الجامعات. ويقول مصدر وزاري مطّلع إنّ "الوزارة أرسلت قائمة بأسماء الطلاب الذين يستحقون هذه المقاعد، لتتفاجأ الجامعات بأن ما يصل إلى 90 في المائة من هذه الأسماء ليست من أسر محتاجة". 

من جهة أخرى، يتخوّف طلاب كثر من القرار القاضي بعدم نقل أيّ طالب من جامعة إلى أخرى عبر نظام المقاصة الداخلية للجامعات (مطابقة المواد التي نجح فيها في الجامعة السابقة بالمواد نفسها في الجامعة الحالية)، إلا شريطة موافقة الوزارة على ذلك. فهؤلاء الطلاب يخشون أن تعرقل الوزارة مصادقتها على طلبات النقل تلك. 

أمّا في ما يخصّ تصديق الشهادات، فإنّ الوزارة تعمد منذ أكثر من عامين إلى رفض معظم المعاملات الخاصة بالمصادقة على شهادات تخرّج طلاب الجامعات الأهلية، لا سيما تلك التي تديرها كوادر يُشتبَه في أنّها تنتمي إلى تيارات سياسية معينة. بذلك، يُحبَط الخرّيجون ويتأخّر انخراطهم في سوق العمل الذي انهار كثيراً في الفترة الأخيرة. 

تجدر الإشارة إلى أنّ اليمن يضمّ نحو 19 جامعة حكومية وأهلية في 22 محافظة، تشهد كلها تدهوراً كبيراً في أوضاعها المالية والإدارية، بسبب تأثّرها بالحرب التي تدور في معظم أنحاء البلاد. وفيما أغلقت أبرز المؤسسات الاستثمارية أبوابها بعد أشهر قليلة من اندلاع الحرب، لم تبقَ إلا 11 جامعة أهلية تقريباً، كأبرز الاستثمارات القائمة في أضيق الحدود، بينما يتهدّدها الإغلاق إذا ما استمرت الضغوط في التضييق على مواردها.