للفياجرا فوائد أخرى

هل تنقذ الفياجرا الآلاف من مرضى السرطان؟

وفقًا للنتائج الإيجابية التى نتجت عن استخدامها كعلاج جنسي، وبسبب آثارها الإيجابية على الذكورة، نجحت الفياغرا كدواء -على مدى العقدين الماضيين- في تحسين حياة عدد كبير من الرجال في جميع أنحاء العالم. لكن تأثيرًا جانبيًّا side effect غير متوقع لتلك الحبة الزرقاء الصغيرة يشير إلى إمكانيات تحوُّل أعظم لم يعرفه العلماء عنها من قبل، إذ قد يصبح في الإمكان قدرتها على إنقاذ آلاف الأرواح من مرضى السرطان في نهاية المطاف.

وكعشرات الابتكارات والاختراعات، أدت الصدفة دورًا في اكتشاف فاعلية عقار الفياجرا الشهير لمعالجة العجز الجنسي لدى الرجال، بينما كان علماء يختبرونه دواءً لأمراض القلب. وفي خريف عام 1998، اعتمدته هيئة الغذاء والأدوية الأمريكية (FDA) أولَ دواء لهذا الغرض.

ويبدو أن الصدفة تتكرر مجددًا، بعد أن اكتشف باحثون أمريكيون أن جرعةً يوميةً صغيرةً من المادة الفعالة لعقار الفياجرا (سيلدنافيل) Sildenafil، يمكن أن تَحُدَّ من احتمالات الإصابة بسرطاني القولون والمستقيم بمعدل النصف تقريبًا.


وأوضح الباحثون بمركز جورجيا للسرطان التابع لجامعة أوجوستا الأمريكية، في دراستهم المنشورة بدورية كنسر بريفينشن ريسيرش (Cancer Prevention Research) أن عقار الفياجرا قد استُخدم بأمان على مدار السنوات الماضية، لعلاج مجموعة واسعة من الأمراض لدى مختلِف الأعمار، بدءًا من الرضع المصابين بارتفاع ضغط الدم الرئوي وانتهاءً بكبار السن الذين يعانون من ضعف الانتصاب.

ولاختبار فاعليته في تقليل خطر سرطان القولون والمستقيم، راقب الفريق مجموعةً من الفئران المعدلة وراثيًّا لتكون عرضةً للإصابة بالمرض.

واكتشف الفريق أن جرعة يومية صغيرة من الفياجرا يمكنها أن تحد من تشكُّل الأورام الحميدة بمعدل النصف تقريبًا. وجد الباحثون أن مادة "سيلدنافيل" خفضت من معدلات تشكّل الأورام الحميدة، التي تظهر –عادةً- بدءًا من سن المراهقة، حينما يكون لدى الفئران أو البشر استعدادٌ وراثي لذلك، وتمثل هذه الأورام أساسًا يقود للإصابة بسرطاني القولون والمستقيم.

تشكّل أورام الأمعاء

دارين براوننج -أستاذ الكيمياء البيولوجية في جامعة أوجوستا الأمريكية، وقائد فريق البحث- قال "في الوقت الذي لا يمتلك فيه الأطباء حاليًّا أي أدوية معتمدة للوقاية من سرطان القولون، وخاصةً المرضى المعرضين لخطر ظهور المرض، أظهرت دراستنا أن جرعة صغيرة من عقار الفياجرا، يمكن أن تقلل من تشكُّل أورام الأمعاء إلى النصف".


وفي حديث لـ"للعلم"، أضاف أن هذه الفئة من الأدوية تُستخدَم بالأساس لعلاج ضعف الانتصاب، كما يتم وصفها أيضًا للاستخدام اليومي على المدى الطويل لعلاج فرط ضغط الدم الرئوي (PAH) وتضخم البروستاتا الحميد.

وأوضح أن "نتائج الدراسة يمكن أن تمهد الطريق أمام إمكانية تناول جرعة يومية من الفياجرا للوقاية من خطر الإصابة بسرطان القولون، كما هو شائع في الممارسة الحالية المتمثلة في تناول جرعة من الأسبرين للوقاية من النوبات القلبية والسكتة الدماغية"، على حد قوله.

وعن آلية عمل الفياجرا، قال إن مادة "سيلدنافيل" تثبط عمل الإنزيم المعروف بالنمط الخامس من فوسفودايستريز phosphodiesterase-5، ويُطلق عليه اختصارًا (PDE5)، وهذا يؤدي إلى زيادة مستويات مادة كيميائية تسمى اختصارًا (cGMP) في الخلايا، وخاصةً البطانة الخارجية للأمعاء، ما يبطئ بدوره من المعدل الأساسي لدوران الخلية وتشكُّل الأورام الحميدة التي تقود إلى الإصابة بسرطاني القولون والمستقيم.

سلاح محتمل

وعن موعد تطبيق نتائج الدراسة على البشر، أكد براوننج أن النتائج التي حققها الباحثون على الفئران جاءت "مقنعة جدًّا"، كما أن الفياجرا من العقاقير المتوافرة والآمنة لمعظم الأشخاص، لذلك من الممكن أن يحاول بعض المرضى المعرضين لخطر الإصابة بسرطاني القولون والمستقيم تجربتها بأنفسهم إذا لم يكن هناك موانع لذلك.


وأفاد بأن الفريق يخطط حاليًّا لإجراء تجربة سريرية لدى المرضى المعرضين لخطر الإصابة بسرطان القولون بشكل كبير، ويأمل في الانتهاء من هذه الدراسة في غضون العامين المقبلين.

وشدد براوننج على أن القوة الحقيقية لهذا "السلاح المحتمل للوقاية من السرطان" ستظهر بشكل أساسي في التجارب السريرية التي ستُجرى على البشر؛ لأن هناك أنواعًا مختلفة من سرطان الأمعاء، ومن المهم أن نواصل معرفة المزيد عن كيفية قيام هذه الأدوية بقمع انتشار الخلايا السرطانية، حتى يمكننا أن نفهم على نحوٍ أفضل أي المرضى سيستفيد أكثر من هذا النوع من العلاج.

الدكتور محمد جميل -أستاذ جراحة الأورام بالمعهد القومي للأورام التابع لجامعة القاهرة- وصف النتائج بأنها مبشرة، وأن نسبة الـ50% التي حققها الفريق في وقاية الفئران من سرطان القولون والمستقيم تُعَدُّ "عاليةً جدًّا". وأضاف لـ"للعلم"، أن هذا النجاح سيكتمل إذا تحققت النتائج نفسها خلال التجارب السريرية.

وهذه ليست الدراسة الأولى التي يُعتمد فيها على عقار الفياجرا في علاج بعض الأمراض، ففي أواخر 2014، عكف علماء بريطانيون على البحث عن اختبار قدرته على منع الإصابة بألزهايمر، عن طريق زيادة تدفُّق الدم إلى الدماغ البشري. وفي 2016، أثبتت دراسة بريطانية أنه يمكن استخدامه لخفض مخاطر إصابة الرجال المصابين بالسكري من النوع الثاني، بأمراض القلب والأوعية الدموية. كما كشفت دراسة أمريكية أن جرعةً صغيرةً منه يمكن أن تنقذ حياة السباحين والغواصين الذين يعانون من حالة مرضية مفاجئة قد تهدد بموتهم، عند السباحة في المياه الباردة.

الحلول وسبل الوقاية


ووفقًا لجمعية السرطان الأمريكية، فإن سرطان القولون والمستقيم هو ثالث أكثر أنواع السرطان شيوعًا في الولايات المتحدة؛ إذ يُصيب أكثر من 95 ألف حالة جديدة سنويًّا، كما أنه رابع سبب رئيسي للوفيات بالسرطان في جميع أنحاء العالم.

ووفق براوننج، فإن سرطان القولون والمستقيم يُعَدُّ من أكثر أمراض السرطان التي يتم تشخيصها شيوعًا، كما أن نسب الوفيات بين مرضاه مرتفعة للغاية، لأنه غالبًا ما يتم اكتشافه في مرحلة متقدمة.

وأوضح أن الخطر العام للإصابة بسرطان القولون مرتفع نسبيًّا؛ إذ يصيب المرض شخصًا من كل 25 شخصًا في الولايات المتحدة الأمريكية، لكن الخطر أعلى بكثير بالنسبة للأشخاص الذين يعانون من زوائد القولون أو داء السلائل العائلي، أو إذا كان أحد أقارب الأشخاص مصابًا بسرطان القولون، بالإضافة إلى المرضى الذين يعانون من التهاب الأمعاء.

فيما أشار جميل إلى أن كبار السن أكثر عرضةً لخطر الإصابة بالمرض، وخاصةً الذين يعانون من زوائد القولون، وهي تكتُّلات صغيرة من الخلايا تتكون على بطانته، وتزداد لدى الأشخاص بدايةً من سن الخمسين، ومَن لديهم تاريخ عائلي من الإصابة بزوائد القولون أو سرطان القولون.

وسلط جميل الضوء على عدد من الممارسات التي تسهم في الوقاية من سرطان القولون والمستقيم، أهمها إزالة زوائد القولون، والابتعاد عن الأطعمة الملوثة والوجبات السريعة الغنية بالدهون الضارة، بالإضافة إلى علاج الإمساك وخاصةً الإمساك المزمن، الذي يمكن أن يكون مؤشر إنذار مبكر للإصابة.


ونصح أيضًا بالحرص على تناول الأطعمة الغنية بالألياف التي تحافظ على صحة القولون، وتمنع المواد المسرطنة -التي يمكن أن تُوجَد في الأطعمة- من الالتصاق بالغشاء المخاطي له. وتشمل تلك الأطعمة خضراوات مثل الجزر والبطاطس والسبانخ والبروكلي والكوسا والخس والباذنجان والملفوف، كما تشمل فواكه مثل الموز والتفاح والفراولة والخوخ والبرتقال، وحبوبًا وبقوليات مثل القمح والبازيلاء والعدس والفاصوليا والفول والحمص.