عندما شاركت شابة يمنية على صفحة مواهب يمنية على الفيسبوك أغنية للمغنية الإسرائيلية، شيران أبراهام، التي لا تجيد العربية، لكنها تغني بها، تفجّر جدل واسع لأنها صورت الأغنية في شبه جزيرة سيناء. لكن شيران واصلت الغناء بالعربية بهدف نشر التراث اليمني والموسيقى العربية في إسرائيل، كما قالت في حديث مع بي بي سي عربي.
تنسب شيران أبراهام (31 عاماً) سرّ شغفها بالموسيقى العربية إلى جذورها اليمنية - العراقية. فجداها من جهة الوالد من يهود العراق، وجداها من جهة أمها من اليمن. وقد هاجر الأجداد إلى اسرائيل ونالوا جنسيتها بموجب قانون صدر عام 1950 لتشجيع اليهود على الانتقال لإسرائيل.
انتشرت أغانيها المصورة بعد مشاركة أغنيتها "يتيم" التي تتحدث عن قصة يهودي يمني يتيم، والمصورة في سيناء، على صفحات التواصل الاجتماعي، وأثارت بذلك تعليقات متنوعة في أوساط المصريين واليمنيين.
ورغم أنها لا تستطيع فهم العربية أو التحدث بها، إلا أن هذا لا يمنعها من أن تقضي أياماً وأسابيع في حفظ كلمات الأغنية باللغة العربية لأدائها بأفضل ما تستطيع.
الموسيقى العربية
تتحدث شيران عن طفولتها وحنينها المتوارث إلى اليمن وحضارته وشغفها بالموسيقى العربية وتقول:" كان أبي يستمع للأغاني العربية. كنت أشعر بدفء الموسيقى والكلمة رغم أنني لم أكن أفهم شيئاً".
تقول شيران إنها تسمع في منزل والديها اللذين ولدا في إسرائيل أغاني أم كلثوم وفريد الأطرش والكثير من الأغاني العربية الأخرى.
كان والدها يستمع إلى تلك الأغاني ويبدو وكأنه "مسافر إلى عالم آخر" كما تصف. وعندما كبرت، كبر معها حلم الغناء بتلك اللغة التي عاشها أجدادها.
تقول : "كنت فتاة خجولة وبالكاد يُسمع صوتي، لكنني عندما التحقت بالخدمة العسكرية في سن الـ 18، شجعني رفاقي في الجيش، أن أغني، ففعلت وصفق لي الجميع".
وتتابع قائلة إنها أصبحت ذات شخصية متحولة ما بين "شابة هادئة وخجولة في الأوقات العادية، إلى امرأة قوية على خشبة المسرح".
لم تكن تتوقع شيران أن ينال أداؤها للأغاني الفلكلورية اليمنية بشكل خاص والعربية عموماً، رضا اليمنيين كونها اسرائيلية، لكنها تفاجأت بالكم الهائل من المرحبين بها على صفحات التواصل الاجتماعي، لدرجة دعوتها من قبل الجمهور إلى صنعاء لتقديم حفلة هناك رغم استحالة ذلك.
وتضيف "أنا أعشق المقامات العربية وأعشق الغناء بهذه اللغة التي يتكلم بها أجدادي، وسأستمر بالغناء بهذه اللغة مهما انهالت علي التعليقات السلبية التي قد تأتي من العرب، لأنني يهودية واسرائيلية، أو من الإسرائيليين كوني أغني بالعربية".
وتحرص شيران على مزج الموسيقى العربية مع موسيقى الجاز التي درستها في معهد ريمون للموسيقى، لتظهر الأغنية عربية بنكهة غربية واسرائيلية لا تخلو من مسحة مرح، لإظهارها صوراً عن عادات سمعت من جدتها عنها، مثل استهلاك مادة " القات" في اليمن وغير ذلك من العادات العربية والاسرائيلية.
كانت شيران قد اكتشفت للمرة الأولى في حياتها بأنها قد تكون قادرة على السير في طريق الغناء، أثناء مشاركتها الطلابية في المرحلة الثانوية. ولاحقاً أرشدتها وشجعتها على ذلك المغنية والملحنة الإسرائيلية الراحلة أهوفا أوزري، التي كانت ذات جذور يمنية أيضاً.
وعن أوزري تقول: "لقد علمتني كيف أحيي الكلمة واخرجها من أعماقي، وكيف أحب الكلمة وأحترمها، علمتني كل شيء قبل رحيلها، كانت أسطورة بمعنى الكلمة".
ذاكرة الأجداد
درست شيران موسيقى الجاز، ولم يكن بمقدورها أن تدرس الموسيقى العربية في اسرائيل. كانت ذاكرتها قد خزنت الكثير من حياة أجدادها الذين قدموا من اليمن في خمسينيات القرن الماضي، فشكلت صورة في مخيلتها عن اليمن والعراق، دون أن تعيشها هي بنفسها.
وفي هذا الصدد تقول:" عندما أتى أجدادي إلى اسرائيل، كانوا يأملون بمعاملة جيدة افتقدوها في البلدان العربية التي أتوا منها، ولكن بعد هجرتهم إلى اسرائيل، لاقوا نفس المعاملة ولكن اختلف السبب من الدين سابقاً، إلى البشرة الداكنة والأصول العربية لاحقاً".
وراكمت شيران في ذاكرتها أحاديث جدتها اليمنية، ولكن لم يتسنَ لها الغوص في تفاصيل أكثر بعد أن كبرت وفقدت جدتها السمع وأصبح صعباً الحديث معها مطولاً كما تقول.
اعتمدت شيران على بعض ما تتابعه على الشاشات وعلى ذكريات جدتها في كتابة وتصوير أغانيها المبنية على قصص واقعية حدثت للعائلة أو الأصدقاء.
وتقول:" أريد عند ظهوري على خشبة المسرح أن أظهر قوة النساء من خلال الأغنية، بصوتي ونوعية التصوير والملابس الزاهية والكلمات، إنها اللحظة التي أشعر فيها بحريتي وقوتي".
تزوجت شيران من موسيقي اسرائيلي من جذور يمنية هو الآخر، وقد ساعدها على دمج الموسيقى والمقامات العربية مع العبرية والغربية لخلق نوع جديد من الموسيقى في اسرائيل، لكنها تأسف لأن التسامح بين العرب والإسرائيليين ليس سهلاً على الإطلاق، وتقول:" أنا أنتمي لكلا المكونَين، وأفتخر بالاثنين معاً، لذا سأعمل ما بوسعي لإظهار الثقافتين بطريقة محببة وجيدة".