صورة تعبيرية

ما الذي يريده الحوثيون من منع التعامل بالنقود ذات الطبعة الجديدة؟

لا أحد ينكر أن حكومة بن دغر فشلت في أداءها المالي والمصرفي، لكنها وفقا للعرف المصرفي_ اتفاقيات ولوائح منظمة اقليمية ودولية، ملتزمة بمعايير النشاط المالي والمصرفي ولا تقم بانتهاك خصوصية النشاط هذا، وهو ما يجعل الأطراف الخارجية ملزمة بعدم سحب الثقة منها_حكومة بن دغر، في هذا المجال، بل على العكس الأطراف الخارجية في ظل إلتزام حكومة بن دغر بالمحددات المالية والمصرفية، غدت ملزمة بمساعدة هذه الحكومة بمعالجة الاختلالات والقصور الذي يشوب أداءها.

وعلى النقيض مواصلة الحوثيين انتهاك خصوصية النشاط المصرفي ومنع تداول عملة محلية ذات طبعة جديدة، يعزز من قناعة رعاة المصالحة والقضية اليمنية بأن الحوثيين جماعة خارجة على القانون، ناهيك على أن القانون والمشرع اليمني يجرم هكذا ممارسات وتنص المادة "205" من قانون الجرائم والعقوبات اليمني رقم "12" لسنة 1994، على الآتي: "يُعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر أو بالغرامة، كل من امتنع عن قبول عملة البلاد أو مسكوكاتها المقررة لها إذا كانت غير مزورة".


علاوة على أن هكذا ممارسات تندرج ضمن جرائم الارهاب الاقتصادي التي لا تسقط بالتقادم ويحق للجميع التقاضي ضد القائم بها، مثلها مثل الأموال المنهوبة..
 

في 3 أبريل 2015 وجه محافظ البنك المركزي اليمني بن همام بمنع تسليم ودائع المودعيين بالعملات الصعبة بنفس عملة الايداع_ أي تحويلها وتسليمها بالريال اليمني، تلاها توجيهه بمنع تسليم الحولات بالعملات الصعبة بنفس عملة التحويل، أعقبها بتوجيه ثالث يقضي بمنع الجهات التي تتم معاملاتها بالعملة الصعبة من استمرار تعاملامتها بالعملة الصعبة، والتحول للتعامل بالريال اليمني، وتوجيهات وقرارات أخرى.

 

حينها كان هناك معترضين على توجيهات وقرارات بن همام، وتم ايضاح مخاطر ذلك، وقوبل ذلك بالتجاهل، وكانت النتيجة، ضياع تريليون ومائتي مليار ريال يمني_ الدورة المالية، كانت تستخدمها الدولة في تغطية النفقات والأجور والمرتبات وما يتصل بذلك، أيضا تسبب ذلك بضياع تريليون وثمانمائة مليار ريال يمني أخرى، كانت تستخدم لتغطية احتياجات النشاط الاستثماري والمصرفي والعمليات الاقتصادية المحلية.
وبعد أن تكشف الوضع لم يجد بن همام حرجا من التراجع عن توجيهاته وقراراته السابقة، ولكن جاء ذلك بعد فوات الآوان.


حاليا يمارس الحوثيين نفس النهج، غير مدركيين تبعات منع التداول بالعملة الجديدة ناهيك عن سحب عملات دول التحالف من الجهاز المصرفي المنظم وغير المنظم، والأخطر من القيام بذلك الافتقار للعملة المحلية ذات الطبعة القديمة لتحل بديلا عن العملة الجديدة، ما يعرض مصالح قطاع واسع من التجار والمستثمرين والمواطنيين للتوقف وتعاظم الخسائر وربما توقف الأعمال والنشاط الاقتصادي في جوانب كثيرة..


أضف إلى هذا أن تبعات وحق المتضررين من إجراءات بن همام، وحقهم في التقاضي جراء ما لحق بهم من أضرار ما زالت قائمة ولا تسقط بالتقادم، علاوة على أن إجراءات بن همام تلك كانت من العوامل الرئيسة التي اقنعت الجهات المالية الدولية بضرورة عدم بقاء صلاحيات البنك المركزي بصنعاء، لكون تلك الإجراءات وغيرها من الإجراءات التي قام بها بن همام تُعد مخالفات جسيمة حسب لوائح تنظيم العمل المالي والمصرفي المركزي واتفاقيات بازل(1_2_3) التي تعد اليمن عضوا وملزم بكل ما ورد فيها، ومثلها اتفاقيات دولية في ذات السياق..


حتى في الحروب التي تقوم بين بلد وأخر لا يلجأ واحد منهما إلى منع عملة الأخر من التداول في محيطه الجغرافي إذا كانت عملته ضمن سلة العملات المعتمد تداولها..


وزيادة على هذا هناك من سيقول من يحاكم أو يقاضي؟ في إشارة إلى كيف يمكن مقاضاة الحوثيين عن هذه الممارسات وهم يبسطون نفوذهم ولا يجرؤ أحد على القول لا لهم_ في المناطق الخاضعة لسيطرتهم، وبدون تحذلق فإن الإجابة كالتالي: الجهاز المالي والمصرفي الاقليمي والدولي يتولى مسؤولية ذلك فهو المعني بدرجة رئيسة به، والباقي متروك لمتغيرات القادم..!!


أخيراً نتسأل: ما البديل الذي يمكن أن يقدمه الحوثيين لتغطية العجز في الطلب على العملة القديمة والتي لم تعد عملة بل مجرد أوارق مهترئة بنسبة تصل إلى الـ70بالمائة..؟ هذا إن كانوا هم الطرف الذي يملك صلاحيات الإدارة المركزية للبنك المركزي اليمني صانع السياسات المصرفية والمالية..


إذاً ما الذي يريده الحوثيون..؟ هو أن تنجر حكومة بن دغر لاتخاذ إجراء يقضي بمنع أو إنها التعامل بالعملة القديمة والوقوع في جنحة قانونية يستغلها الحوثيين هذا أولاً، وثانياً نجاح الحوثيين في جر حكومة بن دغر إلى هذا المربع، معناه التسبب في فرض عزلة وحصار جائر على مواطني وتجار المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وهذا بحد ذاته سيغير موازين التعاطف الدولي من داعم لهادي لمُدين له وبذلك يكسب الحوثيين ورقة رابحة جدا.