من المألوف في اليمن إطلاق أعيرة نارية في الهواء خلال الأعراس، فهي عادة متوارثة منذ عقود في مختلف مناطق البلد العربي، وخاصة في الريف.
لكن الغريب، في الفترة الأخيرة، هو وضع الشرطة عرسانا في السجن ليلة زفافهم، بسبب إطلاق محتفلين أعيرة نارية في مواكب الزفاف.
يتفاخر كثير من اليمنيين بإطلاق أعيرة نارية في الهواء عند استقبال الضيوف، أو خلال موكب العرس، أثناء الذهاب إلى منزل العروس.
وفي مناطق عديدة، يطلق أهالي وأقارب وأصدقاء العريس أعيرة نارية في الهواء باستخدام كلاشينكوف أو مسدسات، وأحيانا عبر أسلحة رشاشة وقنابل يدوية.
يساعد على استمرار هذه الظاهرة الانتشار الكبير للسلاح بين أيدي المدنيين في اليمن.
وفق تقرير لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، عام 2012، يحتل اليمن المرتبة الثانية، خلف الولايات المتحدة الأمريكية، في معدل انتشار السلاح بين المواطنين، حيث توجد 54.8 قطعة سلاح لكل مئة يمني.
** ضحايا الأعراس
غير أن هذه الظاهرة بدأت تقود عرسان في ليلة زفافهم إلى مكان لم يكن أبدا في الحسبان، وهو السجن.
في 14 من أغسطس/ آب الجاري، أعلنت شرطة مدينة عدن، العاصمة المؤقتة (جنوب)، أن قوات الأمن أودعت عريسا السجن.
وأرجعت السبب إلى إطلاق مشاركين في حفل زفافه أعيرة نارية في الهواء بكثافة أثناء مرورهم وسط الأحياء والشوارع، معرضين حياة المارة والسكان للخطر.
واعتبرت أن «هذا التصرف عبث بأحكام الشرع والأنظمة والقوانين والقرارات الأخيرة، التي اتخذتها إدارة أمن عدن».
وشددت على أنه تم التنبيه سابقا بعدم إطلاق الأعيرة النارية، التي سقط جراءها العشرات، بين قتلى وجرحى، بينهم نساء وأطفال.
وخلال أقل من أسبوعين، احتجزت إدارة أمن عدن أربعة عرسان، أودعتهم السجون، جراء إطلاق مشاركين في احتفالات زفافهم أعيرة نارية، وتفجير قنابل صوتية.
وعادة، يستمر الاحتجاز للتحقيق لمدة 24 ساعة في أقسام الشرطة، قبل إحالة القضية إلى النيابة المختصة.
** معالجة أمنية
لوقف الأضرار، أصدرت وزارة الداخلية اليمنية، بشكل متكرر، تعميمات بضرورة وقف إطلاق أعيرة نارية في الأعراس، إلا أن ذلك لم يلق استجابة كبيرة.
وقال العقيد أحمد سعيد الشرعبي، مسؤول البحث الجنائي في إدارة شرطة منطقة كريتر وسط عدن، إنه «يحدث إطلاق أعيرة نارية عشوائيا في الأعراس، في ظل انتشار حمل السلاح بشكل كبير بين السكان».
وأضاف الشرعبي للأناضول: «هناك من يطلق النار في حفلات الزفاف وهو غير متمكن، ما قد يؤدي إلى سقوط ضحايا من المدنيين خلال الاحتفاء بالأعراس».
وتابع أنه «توجد أكثر من قضية قتل سُجلت في السابق، بسبب ارتداد الرصاص الذي يتم إطلاقها عشوائيا في الأعراس».
وشدد الشرعبي على أن «الأجهزة الأمنية اتخذت إجراءات حازمة للحد من ظاهرة إطلاق النار في الأعراس بسبب أضرارها».
ومضى قائلا: «أمام هذه الظاهرة السلبية كان لازما على الشرطة اتخاذ إجراءات قوية، كاحتجاز العريس، كي يكون ذلك رادعا للجميع، من أجل الحد من إطلاق النار في الأعراس».
وحول سبب احتجاز العريس وليس مطلق الأعيرة النارية، أوضح الشرعبي أنه «في حفلات الزفاف توجد أعداد كبيرة من المشاركين في الفرحة، ولا تعلم السلطات حينها من يطلق النار».
وأردف: «تلجأ الشرطة إلى احتجاز العريس، كونه المسؤول عن إطلاق النار في عرسه، وهو المعني والقادر أيضا على منع ذلك».
وتابع: «توجد صعوبة في تحديد من يطلق أعيرة نارية في موكب العرس، الذي قد تكون به عشرات السيارات المحملة بأناس يحتفلون بالزفاف».
ولا يقتصر دور الشرطة في مواجهة هذه الظاهرة على المعالجة الأمنية بعد إطلاق الأعيرة النارية، بل تحاول الحيلولة دون حدوثه.
وقال الشرعبي إن «قوات الشرطة تنسيق مع أئمة المساجد وعقال الحارات (أعيان الأحياء) للعمل على الحد من هذه الظاهرة في الأحياء السكنية».
وأضاف أن «الظاهرة تراجعت مؤخرا، بعد الإجراءات الحاسمة لقوات الشرطة».
وتابع: «هناك من العرسان من بدأ يتفهم الأمر، حيث يُعلم مسبقا من سيأتي إلى زفافه بعدم إطلاق أعيرة نارية في موكب العرس».
وشدد على أن «المجاملات والاحتفاء بالزفاف ينبغي أن لا يكون على حساب أرواح الناس.. كفانا الضحايا الذين يسقطون في الحروب.. لا نريد أن نفرح ونقتل الآخرين».
ومنذ أكثر من ثلاث سنوات، يعاني اليمنيون ويلات حرب أهلية مدعومة إقليميا، بين القوات الحكومية ومسلحي جماعة «أنصار الله» (الحوثيين).
** اعتبارات نفسية
ما يزال يتمسك يمنيون بإطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، معتبرين أنها تعكس سعادتهم، فضلا عن كونها تقليد متوارث.
حنان علي، وهي مختصة اجتماعية يمنية، قالت للأناضول إن «إطلاق الأعيرة النارية في حفلات الزفاف عادة قديمة في مجتمعنا اليمني، ولها اعتبارات نفسية».
وأضافت أن «أسر عديدة تصر على الاستمرار في هذه العادة، كونها في اعتقادهم تعبر عن فرحتهم وسعادتهم، سواء لأهل العرس أو ضيوفهم».
واستدركت: «لكن تلك الفرحة مرهونة بانتهاء مراسم العرس بسلام، دون إصابات أو نهاية حياة شخص تصيبه رصاصة طائشة».
وأوضحت أن «المجتمع يتضرر أيضا من تلك الأصوات المزعجة (لإطلاق الأعيرة النارية)، التي ترعب الأمنين في منازلهم».
وتابعتك «رغم وجود قوانين تشريعية وقبلية تلزم الأهالي بعدم إطلاق الرصاص في الأعراس، لكن ليس لها تأثير على الكثيرين».
ودعت السلطات إلى «سن قوانين ملزمة ورادعة للحد من انتشار هذه الظاهرة».
** ظروف معيشية صعبة
رغم انتشار ظاهرة إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس، وكونها تراثا يمنيا، إلا أن يمنيين ينتقدونها، لاسيما في ظل ما يعانيه بلدهم من أوضاع معيشية متردية للغاية.
محمد إسماعيل، مواطن يمني، قال للأناضول إن «إطلاق الأعيرة النارية في الأعراس ظاهرة سلبية يجب محاربتها، خاصة في ظل ظروف الحرب التي تمر بها اليمن».
وأضاف: «توجد أولويات ينبغي على جميع التكاتف من أجلها.. نحن في حالة حرب، ومعظم الناس يعانون ظروفا معيشية صعبة تستدعي منا أن نساعدهم في تخطي الأزمة».
وأردف: «إضافة إلى ما تسببه هذه الظاهرة من مقتل وجرح مواطنين، يفترض استغلال الأموال التي يتم إنفاقها في إطلاق النار في أشياء مفيدة».
ومضى إسماعيل قائلا: «نستطيع أن نفرح بوسائل عديدة أخرى، وليس بإطلاق النار.. السلاح ليس رمزا للفرحة، بل للحرب والمأساة».
وعلق على احتجاز العرسان من جانب قوات الأمن بالقول: «يُفترض أن يكون هناك إجراء آخر، بأن يتم علاج القضية بعيدا عن العريس الذي يعيش أجمل أيام حياته».
وختم إسماعيل بدعوة الشرطة إلى «التعامل مع أسرة العريس أو ولي أمره، فما يحدث للعريس يعد ظلما، فهو ينتظر فرحة زواجه منذ سنين طويلة».