م تدخر الميليشيات الحوثية أي وسيلة لاستقطاب أتباعها والدفع بهم إلى محارق الموت، صغارا كانوا أم كبارا. لا فرق، المهم بالنسبة للجماعة أن تجد وقودا لحربها المجنونة القائمة على أساس طائفي يمجد زعيمها وعناصر سلالته، باعتبارهم الصفوة المزعوم اختيارها إلهيا، والمقابل مبلغ طفيف لا يتجاوز 70 دولارا في الشهر الواحد تدفع للحي، وأحيانا للأموات، ولا يعودون لأهاليهم إلا صورا على الجدران.
بإمكان المهتم يوميا إحصاء مزيد من الحكايات والقصص التي يدمى لها القلب. بمجرد أن تتنقل عبر وسائل المواصلات المتاحة في صنعاء وأحيائها، وتفتح الأحاديث مع سائقي الأجرة أو مع مرتادي الأماكن العامة، ستستمع إلى فصول جديدة كل يوم عن نزيف الدم اليمني الذي تزهقه الميليشيات، في سياق بحثها عن تدعيم حكمها الجنوني، وتثبيت سلطاتها الخارجة عن العرف والتقاليد وأخلاق المجتمع اليمني.
«الشرق الأوسط» تحدثت مع مجموعة من السكان ومرتادي الأماكن العامة، وتحفظوا جميعا على ذكر أسمائهم، واكتفوا بالترميز الحرفي للتعريف عن أنفسهم، أو بالأسماء الأولى.
في حجة (أقصى شمال غربي اليمن والمحاذية للسعودية)، نالت المحافظة نصيبها الأوفر من جرائم الميليشيات: «لم تترك الجماعة منزلا إلا وأدخلت إليه الأحزان» طبقا لما يقوله (محمد. ح) وهو أحد أبناء منطقة بني موهب التابعة لمديرية كحلان عفار.
يؤكد محمد (42 عاما) ويعمل سائق أجرة، أن الميليشيات الحوثية عملت على استقطاب العشرات من أبناء المنطقة للزج بهم في صفوفها، ويضيف: «في أغلب المنازل لا تخلو الجدران من صورة قتيل أو قتيلين، ممن دفعت بهم الجماعة إلى محارق الموت».
وحينما سألته «الشرق الأوسط» عن عدد الضحايا الذين سقطوا من أبناء منطقته، يرد محمد بالقول: «لا أستطيع أن أحصي عدد القتلى؛ لكني أؤكد لك مقتل نحو سبعة أشخاص على الأقل من كل قرية من قرى عزلة بني موهب (في محافظة حجة)، إذ لا تكاد تجد مقيلا إلا وصور القتلى تعتلي جدرانه ممن دفعتهم الميليشيات إلى الموت العبثي في صفوفها»، مضيفا: «استغلت الجماعة حالة البطالة لدى الشباب، ودفعت بهم في البداية إلى دوراتها الطائفية؛ حيث تخفيهم في أماكن مجهولة لمدد تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، وفي بعض الحالات قد تمتد لمدة شهر، وهناك تخضعهم لعملية غسيل للأفكار، وعملية تعبئة طائفية جديدة، تجعل منهم أتباعها لا يرون شيئا غير زعيم الجماعة وسلالته».
ولم يكن محمد في معزل عن الجائحة الحوثية وخطرها على أقاربه وأبنائه، لذلك فضل الهرب من منطقته إلى صنعاء؛ خشية أن يتم استقطاب نجله الأكبر المتخرج حديثا من الثانوية العامة. ويقول: «ابني الأكبر هو كل ما لدي في هذه الدنيا مع إخوانه، ولا يمكن أن أراه وقد عاد إليّ جثة هامدة وهو يقاتل في صفوف الجماعة، لذلك بحثت له عن عمل مع أحد أصدقائي في بقالة، في أحد أحياء صنعاء لكي أبعده عن شبح الاستقطاب الحوثي».
أما في مديرية الشاهل بمحافظة حجة نفسها، فإن الحصيلة على صعيد أعداد القتلى أكبر بكثير، طبقا لما يؤكده «سليم. ش» وهو أحد أبناء المديرية الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في إطار تتبعها لقصص التجنيد الحوثية وعمليات الاستقطاب.
منذ أن أطلقت الجماعة الحوثية شرارة الحرب المجنونة في كل الاتجاهات، كان نصيب مديرية الشاهل وافرا من شبابها الذين قضوا في خنادق الموت وجبهات القتال، سواء من المنتمين إلى العائلات التي تزعم انتماءها إلى السلالة الحوثية، ومن بقية فئات المجتمع، وفي مقدمهم أبناء القبائل والطبقات المهمشة.
قتل شقيق سليم في جبهة ميدي، منذ عامين، وتلاه شقيقه الآخر، بعد شهر فقط من انضمامه إلى أحد معسكرات الجماعة في منطقة «عبس»، بينما لا يزال شقيقه الثالث على قيد الحياة؛ لكنه - كما يقول سليم - مهدد في أي لحظة ليلقى المصير ذاته الذي لقيه شقيقاه.
ثلاث مقابر جديدة هي إجمالي الهدايا والهبات التي منحتها الجماعة الحوثية لأبناء مديرية الشاهل منذ بداية الانقلاب وحتى الآن - بحسب ما يؤكده سليم - وهذا يعني سقوط نحو ألفي شخص في معارك الجماعة العبثية من أبناء المديرية فقط، ممن استطاعت استقطابهم تحت شعاراتها الطائفية أو ممن دفعتهم ظروف الحياة ليكونوا ضحية لجنون الجماعة ونزواتها الرامية إلى إزهاق مزيد من أرواح اليمنيين، في سبيل أهدافها الطائفية في الحكم.
يحكي سليم عن قصة أخيه الثالث، الذي رفض الانصياع لتوسلات أمه بالبقاء إلى جوارها وعدم الانخراط في صفوف الجماعة، وعن مدى التأثير الذي تعرض له خلال الدروس الطائفية التي تعرض لها من التحاقه بالجماعة قبل نحو سبعة أشهر.
يقول سليم: «عاد قبل أيام من الجبهة ليشهد تشييع عدد من رفاقه الذين سقطوا في جبهة الساحل الغربي، بعد أيام كنا في المسجد لأداء صلاة الجمعة، لكني لم أجده عقب الصلاة، بحثت عنه في كل مكان دون جدوى، وأخيرا فكرت أنه يمكن أن يكون ذهب إلى المقبرة الحوثية التي أنشأتها الجماعة لقتلاها في حي الجراف شمال صنعاء، وبالفعل كان هناك، في حالة استغراق ورغبة شديدة تدفعه نحو الموت متأثرا بالأفكار التي تم تعبئته بها».
في مديرية مناخة الواقعة إلى الغرب من صنعاء، يؤكد أحد أعيان المنطقة الذين صادفتهم «الشرق الأوسط» في أحد مقاهي صنعاء، أن أكثر من 5 آلاف قتيل سقطوا في صفوف الجماعة من أبناء هذه المديرية منذ بداية الانقلاب.
(محمد. ن) قاض متقاعد يعتقد أن «عامل الجهل وانحسار رقعة التعليم، إضافة إلى عامل الفقر والبطالة، هي الأسباب الرئيسية التي أتاحت للجماعة الحوثية السيطرة على عقول كثير من الشبان والمراهقين، بعد أن أوهمتهم بأنها تقودهم إلى معركة وطنية مشروعة».
30 ألف ريال يمني - بحسب ما يؤكده محمد - هو المبلغ الشهري الذي تدفعه الجماعة للمقاتلين في صفوفها، (أقل من 70 دولار) وهو المبلغ ذاته الذي تدفعه الجماعة لأسرة القتيل لاحقا، عبر ما تسميه «مؤسسة الشهداء» التابعة لها، غير أنها في أغلب الأشهر تتنصل عن الدفع لهم بحجة عدم توفر الأموال لديها.
كثير أيضا من المنخرطين في صفوف الجماعة يؤوبون إلى رشدهم، إما بدافع الصدمة ومشاهدة مظاهر الثراء على قادة الجماعة، أو لجهة اكتشاف الدوافع الحقيقية للجماعة ذات البعد الطائفي والمذهبي، كما حدث مع «س. و» الذي فضل الانسحاب من جبهة نهم، شرق صنعاء، والعودة إلى العاصمة صنعاء ليعمل سائق أجرة على متن دراجة نارية.
بعد انسحابه من الجبهة، مكث - على حد روايته - ثلاثة أشهر، لا يعود إلى منزله خشية أن يداهمه عناصر الأمن الوقائي التابع للجماعة، من أجل اعتقاله وإجباره على تسليم السلاح الشخصي الذي منحته الجماعة له أثناء انضمامه إلى جبهات القتال.
ويجزم «س. و» في حديثه بأنه لم يتأثر بالأفكار الطائفية التي خضع لها خلال الدورة التثقيفية التي سبقت التحاقه بالجبهة؛ لأنه كان في الأساس غير مقتنع بسلوك الجماعة وفكرها؛ لكنه - كما يقول - كان يراهن على الراتب الذي سيحصل عليه نظير القتال معها.
وفي مطلع السنة الحالية، كانت الجماعة الحوثية - طبقا لمصادر أمنية وعسكرية – قد استقبلت أكثر من 10 آلاف شاب من خريجي الثانوية العامة في صنعاء وبقية المحافظات، ممن أوهمتهم بأنها ستلحقهم بالكليات العسكرية والأمنية الخاضعة لها، غير أنها لم تمهلهم سوى ثلاثة أشهر فقط قبل أن تدفع بهم إلى جبهات القتال، بحسب تأكيدات المصادر.
وفي هذا السياق يروي «ث. ع» لـ«الشرق الأوسط»، وهو أحد سكان العاصمة صنعاء، أن أحد أقاربه الذين التحقوا بالكلية الحربية، أملا في الحصول على الرتبة العسكرية والراتب الحوثي، لقي حتفه بعد أربعة أشهر فقط من تاريخ الالتحاق. ويقول: «كانت الجماعة الحوثية قد استحدثت معسكرات تدريب لها في الأرياف الغربية للعاصمة صنعاء، في مديريات مناخة وبني مطر والحيمة، في مناطق ذات تضاريس جبلية وفي بطون الأودية، خشية استهداف هذه المعسكرات من قبل طيران التحالف الداعم للشرعية، غير أن إحدى الضربات الجوية كانت أصابت أحد هذه المعسكرات، وأدت إلى مقتل عشرات من المجندين، ومن ضمنهم قريبه ونجل أحد جيرانه».
وفي الوقت الذي تتعدد فيه الحكايات والقصص عن عمليات الاستقطاب والتجنيد، تتشابه النهايات المأساوية مع اختلاف التفاصيل التي تسبق مقتل كثير من عناصر الجماعة، الذين يساقون إلى مصيرهم المحتوم، بناء على دافع الحصول على راتب أو لجهة التأثر بالأفكار الطائفية.
غير أن بعض العائلات والمناطق كانت هي الأكثر في دفع الضريبة من دماء أبنائها لمصلحة مشروع الجماعة، وفي سبيل تحقيق طموح زعيمها وقادة ميليشياته، كما هو الحال مع سكان بعض القرى في محافظة عمران، أو أتباع الجماعة في مديرية بني حشيش، أو في أوساط الأسر التي تدعي أنها تنتمي إلى سلالة الحوثي.
وبحسب بعض التقارير الحقوقية والشهادات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، لقي أكثر من ثلثي الرجال في مديرية بني حشيش حتفهم، خلال معارك الجماعة في مختلف الجبهات، في حين لقي أكثر من 267 شخصا مصرعهم من عائلة السراجي، وسقط عدد قريب من هذا من عائلة الكبسي على سبيل المثال.
بإمكان المهتم يوميا إحصاء مزيد من الحكايات والقصص التي يدمى لها القلب. بمجرد أن تتنقل عبر وسائل المواصلات المتاحة في صنعاء وأحيائها، وتفتح الأحاديث مع سائقي الأجرة أو مع مرتادي الأماكن العامة، ستستمع إلى فصول جديدة كل يوم عن نزيف الدم اليمني الذي تزهقه الميليشيات، في سياق بحثها عن تدعيم حكمها الجنوني، وتثبيت سلطاتها الخارجة عن العرف والتقاليد وأخلاق المجتمع اليمني.
«الشرق الأوسط» تحدثت مع مجموعة من السكان ومرتادي الأماكن العامة، وتحفظوا جميعا على ذكر أسمائهم، واكتفوا بالترميز الحرفي للتعريف عن أنفسهم، أو بالأسماء الأولى.
في حجة (أقصى شمال غربي اليمن والمحاذية للسعودية)، نالت المحافظة نصيبها الأوفر من جرائم الميليشيات: «لم تترك الجماعة منزلا إلا وأدخلت إليه الأحزان» طبقا لما يقوله (محمد. ح) وهو أحد أبناء منطقة بني موهب التابعة لمديرية كحلان عفار.
يؤكد محمد (42 عاما) ويعمل سائق أجرة، أن الميليشيات الحوثية عملت على استقطاب العشرات من أبناء المنطقة للزج بهم في صفوفها، ويضيف: «في أغلب المنازل لا تخلو الجدران من صورة قتيل أو قتيلين، ممن دفعت بهم الجماعة إلى محارق الموت».
وحينما سألته «الشرق الأوسط» عن عدد الضحايا الذين سقطوا من أبناء منطقته، يرد محمد بالقول: «لا أستطيع أن أحصي عدد القتلى؛ لكني أؤكد لك مقتل نحو سبعة أشخاص على الأقل من كل قرية من قرى عزلة بني موهب (في محافظة حجة)، إذ لا تكاد تجد مقيلا إلا وصور القتلى تعتلي جدرانه ممن دفعتهم الميليشيات إلى الموت العبثي في صفوفها»، مضيفا: «استغلت الجماعة حالة البطالة لدى الشباب، ودفعت بهم في البداية إلى دوراتها الطائفية؛ حيث تخفيهم في أماكن مجهولة لمدد تتراوح بين أسبوع وأسبوعين، وفي بعض الحالات قد تمتد لمدة شهر، وهناك تخضعهم لعملية غسيل للأفكار، وعملية تعبئة طائفية جديدة، تجعل منهم أتباعها لا يرون شيئا غير زعيم الجماعة وسلالته».
ولم يكن محمد في معزل عن الجائحة الحوثية وخطرها على أقاربه وأبنائه، لذلك فضل الهرب من منطقته إلى صنعاء؛ خشية أن يتم استقطاب نجله الأكبر المتخرج حديثا من الثانوية العامة. ويقول: «ابني الأكبر هو كل ما لدي في هذه الدنيا مع إخوانه، ولا يمكن أن أراه وقد عاد إليّ جثة هامدة وهو يقاتل في صفوف الجماعة، لذلك بحثت له عن عمل مع أحد أصدقائي في بقالة، في أحد أحياء صنعاء لكي أبعده عن شبح الاستقطاب الحوثي».
أما في مديرية الشاهل بمحافظة حجة نفسها، فإن الحصيلة على صعيد أعداد القتلى أكبر بكثير، طبقا لما يؤكده «سليم. ش» وهو أحد أبناء المديرية الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في إطار تتبعها لقصص التجنيد الحوثية وعمليات الاستقطاب.
منذ أن أطلقت الجماعة الحوثية شرارة الحرب المجنونة في كل الاتجاهات، كان نصيب مديرية الشاهل وافرا من شبابها الذين قضوا في خنادق الموت وجبهات القتال، سواء من المنتمين إلى العائلات التي تزعم انتماءها إلى السلالة الحوثية، ومن بقية فئات المجتمع، وفي مقدمهم أبناء القبائل والطبقات المهمشة.
قتل شقيق سليم في جبهة ميدي، منذ عامين، وتلاه شقيقه الآخر، بعد شهر فقط من انضمامه إلى أحد معسكرات الجماعة في منطقة «عبس»، بينما لا يزال شقيقه الثالث على قيد الحياة؛ لكنه - كما يقول سليم - مهدد في أي لحظة ليلقى المصير ذاته الذي لقيه شقيقاه.
ثلاث مقابر جديدة هي إجمالي الهدايا والهبات التي منحتها الجماعة الحوثية لأبناء مديرية الشاهل منذ بداية الانقلاب وحتى الآن - بحسب ما يؤكده سليم - وهذا يعني سقوط نحو ألفي شخص في معارك الجماعة العبثية من أبناء المديرية فقط، ممن استطاعت استقطابهم تحت شعاراتها الطائفية أو ممن دفعتهم ظروف الحياة ليكونوا ضحية لجنون الجماعة ونزواتها الرامية إلى إزهاق مزيد من أرواح اليمنيين، في سبيل أهدافها الطائفية في الحكم.
يحكي سليم عن قصة أخيه الثالث، الذي رفض الانصياع لتوسلات أمه بالبقاء إلى جوارها وعدم الانخراط في صفوف الجماعة، وعن مدى التأثير الذي تعرض له خلال الدروس الطائفية التي تعرض لها من التحاقه بالجماعة قبل نحو سبعة أشهر.
يقول سليم: «عاد قبل أيام من الجبهة ليشهد تشييع عدد من رفاقه الذين سقطوا في جبهة الساحل الغربي، بعد أيام كنا في المسجد لأداء صلاة الجمعة، لكني لم أجده عقب الصلاة، بحثت عنه في كل مكان دون جدوى، وأخيرا فكرت أنه يمكن أن يكون ذهب إلى المقبرة الحوثية التي أنشأتها الجماعة لقتلاها في حي الجراف شمال صنعاء، وبالفعل كان هناك، في حالة استغراق ورغبة شديدة تدفعه نحو الموت متأثرا بالأفكار التي تم تعبئته بها».
في مديرية مناخة الواقعة إلى الغرب من صنعاء، يؤكد أحد أعيان المنطقة الذين صادفتهم «الشرق الأوسط» في أحد مقاهي صنعاء، أن أكثر من 5 آلاف قتيل سقطوا في صفوف الجماعة من أبناء هذه المديرية منذ بداية الانقلاب.
(محمد. ن) قاض متقاعد يعتقد أن «عامل الجهل وانحسار رقعة التعليم، إضافة إلى عامل الفقر والبطالة، هي الأسباب الرئيسية التي أتاحت للجماعة الحوثية السيطرة على عقول كثير من الشبان والمراهقين، بعد أن أوهمتهم بأنها تقودهم إلى معركة وطنية مشروعة».
30 ألف ريال يمني - بحسب ما يؤكده محمد - هو المبلغ الشهري الذي تدفعه الجماعة للمقاتلين في صفوفها، (أقل من 70 دولار) وهو المبلغ ذاته الذي تدفعه الجماعة لأسرة القتيل لاحقا، عبر ما تسميه «مؤسسة الشهداء» التابعة لها، غير أنها في أغلب الأشهر تتنصل عن الدفع لهم بحجة عدم توفر الأموال لديها.
كثير أيضا من المنخرطين في صفوف الجماعة يؤوبون إلى رشدهم، إما بدافع الصدمة ومشاهدة مظاهر الثراء على قادة الجماعة، أو لجهة اكتشاف الدوافع الحقيقية للجماعة ذات البعد الطائفي والمذهبي، كما حدث مع «س. و» الذي فضل الانسحاب من جبهة نهم، شرق صنعاء، والعودة إلى العاصمة صنعاء ليعمل سائق أجرة على متن دراجة نارية.
بعد انسحابه من الجبهة، مكث - على حد روايته - ثلاثة أشهر، لا يعود إلى منزله خشية أن يداهمه عناصر الأمن الوقائي التابع للجماعة، من أجل اعتقاله وإجباره على تسليم السلاح الشخصي الذي منحته الجماعة له أثناء انضمامه إلى جبهات القتال.
ويجزم «س. و» في حديثه بأنه لم يتأثر بالأفكار الطائفية التي خضع لها خلال الدورة التثقيفية التي سبقت التحاقه بالجبهة؛ لأنه كان في الأساس غير مقتنع بسلوك الجماعة وفكرها؛ لكنه - كما يقول - كان يراهن على الراتب الذي سيحصل عليه نظير القتال معها.
وفي مطلع السنة الحالية، كانت الجماعة الحوثية - طبقا لمصادر أمنية وعسكرية – قد استقبلت أكثر من 10 آلاف شاب من خريجي الثانوية العامة في صنعاء وبقية المحافظات، ممن أوهمتهم بأنها ستلحقهم بالكليات العسكرية والأمنية الخاضعة لها، غير أنها لم تمهلهم سوى ثلاثة أشهر فقط قبل أن تدفع بهم إلى جبهات القتال، بحسب تأكيدات المصادر.
وفي هذا السياق يروي «ث. ع» لـ«الشرق الأوسط»، وهو أحد سكان العاصمة صنعاء، أن أحد أقاربه الذين التحقوا بالكلية الحربية، أملا في الحصول على الرتبة العسكرية والراتب الحوثي، لقي حتفه بعد أربعة أشهر فقط من تاريخ الالتحاق. ويقول: «كانت الجماعة الحوثية قد استحدثت معسكرات تدريب لها في الأرياف الغربية للعاصمة صنعاء، في مديريات مناخة وبني مطر والحيمة، في مناطق ذات تضاريس جبلية وفي بطون الأودية، خشية استهداف هذه المعسكرات من قبل طيران التحالف الداعم للشرعية، غير أن إحدى الضربات الجوية كانت أصابت أحد هذه المعسكرات، وأدت إلى مقتل عشرات من المجندين، ومن ضمنهم قريبه ونجل أحد جيرانه».
وفي الوقت الذي تتعدد فيه الحكايات والقصص عن عمليات الاستقطاب والتجنيد، تتشابه النهايات المأساوية مع اختلاف التفاصيل التي تسبق مقتل كثير من عناصر الجماعة، الذين يساقون إلى مصيرهم المحتوم، بناء على دافع الحصول على راتب أو لجهة التأثر بالأفكار الطائفية.
غير أن بعض العائلات والمناطق كانت هي الأكثر في دفع الضريبة من دماء أبنائها لمصلحة مشروع الجماعة، وفي سبيل تحقيق طموح زعيمها وقادة ميليشياته، كما هو الحال مع سكان بعض القرى في محافظة عمران، أو أتباع الجماعة في مديرية بني حشيش، أو في أوساط الأسر التي تدعي أنها تنتمي إلى سلالة الحوثي.
وبحسب بعض التقارير الحقوقية والشهادات التي اطلعت عليها «الشرق الأوسط»، لقي أكثر من ثلثي الرجال في مديرية بني حشيش حتفهم، خلال معارك الجماعة في مختلف الجبهات، في حين لقي أكثر من 267 شخصا مصرعهم من عائلة السراجي، وسقط عدد قريب من هذا من عائلة الكبسي على سبيل المثال.