تشق الحياة طريقها مرةً أخرى من بوابة الفن في مدينة عدن (جنوب اليمن) حيث عاد «معهد جميل غانم» لتدريس الموسيقى ومعه بدأت أحلام العشرات من الهواة (الأطفال والشباب) في البحث عن الجمال وعزف الألحان والسخرية من الواقع من خلال المسرح والرسم، في محاولة لنسيان ضجيج أصوات الرصاص وتحدي الأزمة التي عصفت بمدينتهم ولا تزال.
خلال يوليو/تموز الماضي تمكن القائمون على المعهد من افتتاح مجالات التدريب والدراسة من جديد، وبادر أطفال وشبان المدينة على الفور للالتحاق والتسجل من أجل تعلم الموسيقى وكذلك مجال المسرح، وقسم الفنون التشكيلية، كما تمت إضافة قسم رابع للمعهد وهو قسم خاص بالفنون الشعبية.
تحمل لمياء آلة الغيتار بشغف وتعزف باستمرار منذ أن التحقت بالمعهد، وتقول لـ«العربي الجديد»: «أحرص قبل أي شيء على حضور دروس المعهد لتعلم الكثير من القواعد والأشياء الخاصة بعالم الموسيقى، لقد أصبح يشكل لي ولأصدقائي عالماً مختلفاً وجميلاً نعزف فيه كل أفكارنا ومشاعرنا«.
وفي الجانب الآخر من المعهد يعكف العشرات من الشباب على تشكيل لوحاتهم الفنية المتفرقة تحت إشراف أساتذة في المجال وأغلبهم من خريجي الدفعات الأولى للمعهد ذاته، فيما تتعالى أصوات الشباب في قاعة منفصلة في قسم المسرح وهناك يؤدون أدوارهم في مسرحيات تدريبية بشكل عملي ومنتظم.
مدير المعهد فؤاد مقبل تحدث لـ«العربي الجديد» عن طبيعة الإقبال على المعهد وقال إن شباب مدينة عدن كعادتهم يبحثون عن الفن والحياة وإن هناك أكثر من 40 طالباً قاموا بالتسجل للدراسة النظامية قبل الإعلان عنها رسمياً.
وأوضح فؤاد مقبل أنه مع بداية أكتوبر/تشرين الأول المقبل ستنطلق الدراسة النظامية وهناك مباحثات مع وزارة التعليم اليمنية لإعادة وضع المعهد إلى ما قبل عام 1994، حيث يمكن للطالب أن يلتحق بالمعهد بعد الصف التاسع ويدرس الفنون الجميلة والموسيقى وعددا من المقرورات الأخرى أيضاً لمدة ثلاث سنوات ويحصل بعدها على شهادة تخصصية ثانوية معتمدة رسمياً من الوزارة.
وكانت حكومة صنعاء قد قامت منذ حرب صيف 1994، التي وقعت في عدن بسحب جميع المخصصات المالية والدرجات الوظيفية عن المعهد وأصبح يعتمد على ما يصله من صندوق التراث في العاصمة صنعاء.
وكان هذا الإجراء جزءا من سلسلة إجراءات بينها إغلاق المسرح المدرسي وكذلك مقررات «التربية الفنية».
وحول هذا الأمر أكد مقبل لـ«العربي الجديد» أن وزارة الثقافة في الحكومة اليمنية والتي تتخذ من عدن عاصمة مؤقتة لها تحركت خلال الأشهر الماضية، وبادرت للحث على افتتاح مجالات الدراسة النظامية في المعهد وإحياء دوره من جديد.
كما وعدت الحكومة، إدارة المعهد، بتقديم الدعم والاهتمام. ومن بين الخطط المتوقعة للحكومة أعمال الترميم وتخصيص موازنات تشغيلية للفريق القائم على المعهد كمؤسسة تابعة للوزارة.
وبحسب إدارة المعهد هنالك إقبال كبير على قسم الموسيقى تحديداً ويأتي بعد ذلك قسما المسرح والفنون التشكيلية كما وصل عدد المتقدمين للتدريب في المعهد في المجالات الثلاثة خلال أغسطس/ آب الماضي إلى أكثر من 77 طالباً.
وتعود مرحلة تأسيس معهد جميل غانم إلى سبعينيات القرن الماضي، إذ يعتبر الأول من نوعه في عدن واليمن عموماً، وكان له دور بارز في نشأة وازدهار الفن في البلاد.
وأول من طرح فكرة التأسيس كان الموسيقار اليمني أحمد بن أحمد قاسم الذي درس في المعهد العالي للموسيقى العربية في جمهورية مصر، وبعد عودته بدأ العمل على تأسيس أول معهد للفنون الجميلة في اليمن، آملاً أن يساهم هذا المعهد بتعليم الموسيقيين اليمنيين قواعد الموسيقى الحقيقية.
ثمّ كلّف الموسيقار اليمني الراحل جميل غانم بعد انتهائه من دراسة الموسيقى في العراق حيث عاد عام 1973 لتأسيس المعهد، ومساعدة الفنانين اليمنيين الذين كانوا يعزفون في الغالب وفقاً لحاسة السمع من دون معرفة القواعد الموسيقية العلمية الصحيحة.
عام 1976 غادر أول عميد للمعهد، أي جميل غانم منصبه، كما غادر البلاد، ليصبح أحمد صالح بن غوذل العميد الثاني، ويطلق اسم «جميل غانم» على المعهد تكريماً له ولجهوده في إدارة المكان في سنوات انطلاقه.
بعدها بثلاث سنوات أصدرت الحكومة قراراً رسميا تحوّلت بموجبه الدراسة في المعهد إلى دراسة نظامية تابعة لوزارة التربية. وهو ما أدى في تلك السنة إلى افتتاح قسم الدراسة الثانوية الفنية.
ومن أبرز الفنانين اليمنيين الذين تتلمذوا على يد الموسيقار اليمني الراحل جميل غانم وبدأوا مشوارهم في المعهد قبل أن يسافر بعضهم للدراسة في الخارج، عازف الكمان الأول نديم عوض والفنان عبد الله بافضل وعوض سليمان، والفنان خالد باوزير وعبد الحكيم حيدر الذي يعتبر أفضل عازف ناي في اليمن، والمايسترو انور عبد الخالق والباحث الموسيقي عبد القادر احمد قائد والمايسترو سعيد فندة.