بدت ملامح تأثر إيران اقتصادياً بعد سلسلة العقوبات الأميركية الأخيرة، بعد انسحابها من الاتفاق النووي المبرم معها في عام 2015 بالظهور. ولم يقتصر التصدع المالي على مستوى الداخل في إيران، إنما أدى إلى تراجع النفوذ الإعلامي داخل العراق. إذ كشفت مصادر عراقية مقربة من طهران لـ"العربي الجديد"، عن "صدور خطاب إيراني للقنوات الفضائية الموالية لها في العراق والممولة من الخزينة الإيرانية، يتضمن تقليص عدد العاملين في أكثر من عشر مؤسسات إعلامية، إلى النصف، في حين أوعزت بإغلاق بعضها نهائياً، بحجة انتفاء الحاجة منها".
وتموّل إيران أكثر من ستين مؤسسة عراقية، بين قنوات إعلامية ومراكز ثقافية تدعو بصراحة إلى تبني فكرة "ولاية الفقيه"، وإذاعات وصحف، فضلاً عن دعمها معاهد لتدريس الفكر الإيراني بما يتعلق بإدارة الدولة، وفق رؤية المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، فضلاً عن تأسيس سلسلة من الجمعيات الطوعية لسحب التبرعات من العراقيين بحجة إغاثة الفقراء، إلا أن هذه الأموال، وبحسب المصادر نفسها، تذهب للمؤسسات الصحافية التابعة لها.
وخلال السنوات الماضية أسست إيران بواسطة مستشاريها في "فيلق بدر"، ما يعرف بالاتحاد العام للإذاعات والتلفزيونات العراقية، الذي تشرف من خلاله على البرامج التلفزيونية لهذه الفضائيات، بالإضافة إلى فرض نقل خطب الأمين العام لـ"حزب الله" اللبناني حسن نصر الله، وزعيم جماعة الحوثيين في اليمن عبد الملك الحوثي، بالإضافة إلى دعم شرعية نظام بشار الأسد، وإسناد مليشيات الحشد الشعبي داخل العراق، وتقوية إعلامه ومهاجمة منتقديه بواسطة شبكة الفضائيات ضمن الاتحاد العام.
وشهدت الأشهر الماضية تقليصاً حاداً للمؤسسات الإعلامية المدعومة من إيران وصل بعضها إلى حد الإغلاق، بعد سلسلة العقوبات التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على إيران، والتي تستهدف مشتريات إيران في قطاع السيارات والنقل فضلاً عن نشاطاتها التجارية ومشترياتها من الذهب والمعادن الأساسية الأخرى. ويعتقد ترامب أن الضغط الاقتصادي سيُجبر إيران على الموافقة على عقد صفقة جديدة وعلى وقف نشاطاتها "الخبيثة"، بحسب وصفه.
وقالت المصادر إن "نهاية الشهر الجاري ستشهد إغلاق فضائية "الإباء" الناطقة باسم كتائب حزب الله العراقية، بالإضافة إلى تقليص كوادر قناتي "الاتجاه" و"الغدير" التابعتين لمنظمة "بدر" بنسبة 50 في المائة، بالإضافة إلى قنوات "الولاء" و"الطليعة" و"النجباء" و"البينة"، وجاء ذلك بعد اعتراف إيران بعدم استطاعتها التمويل لوقت إضافي، بسبب الأزمة المالية التي تعصف بها عقب العقوبات الأميركية"، مشيرة إلى أن "برقية وصلت الأسبوع الماضية إلى المشرفين على هذه القنوات بتقليص كوادرها 50 في المائة كمرحلة أولى، وهناك مراحل أخرى لا أحد يعلم عنها شيئاً".
وتابعت أن "الإغلاق سيشمل العديد من المكاتب التثقيفية لولاية الفقيه، وهناك بطالة صحافية تلوح في الأفق، وستظهر خلال المرحلة المقبلة، بسبب تسريح مئات الموظفين والفنيين والصحافيين، ولا سيما أن معظمهم لم يأخذوا رواتبهم وحقوقهم خلال الأشهر الماضية، بسبب أزمة إيران"
من جانبه، قال الصحافي العراقي عبد الواحد المندلاوي، إن "إيران سحبت يدها بالفعل عن الكثير من مشاريعها ومؤسساتها في العراق عقب القرار الأميركي، ولكن بعد فوز المحور المقرب من إيران (تحالف البناء) برئاسة مجلس النواب، فالجهات الإيرانية الداعمة لبعض المؤسسات الإعلامية العراقية، قد تترك بعض المؤسسات القوية لتخدم سياستها وأفكارها فهي بحاجة لإعلام كهذا"، موضحاً لـ"العربي الجديد"، أن "الصحافي العراقي بصورة عامة، مهدد بأي لحظة بإنهاء خدماته، خصوصاً في وقت ليس هناك أي جهة تدافع عن حق الصحافي، والكثير من هذه الحالات حصلت، ولم يتم اعطاء الصحافي حقه".
وتابع أن "الإعلام العراقي المدعوم من إيران بات اليوم معروفاً ومفضوحاً لدى الناس، ولم يعد له تأثير قوي، ويعمل حالياً على إسقاط الخصوم السياسيين، والمواطنين العراقيين ليسوا مثل قبل، حين كانوا لا يفهمون الإعلام، بالعكس، أصبحوا على علم بما يحدث وكيف يعمل الإعلام على خدمة الأحزاب وليس المواطن وقصصه"، لافتاً إلى "غياب الجانب الحكومي المعني برعاية الصحافي العراقي، حتى إن نقابة الصحافيين لا ترعى الصحافيين، فهي تملك علاقات طيبة مع المؤسسات الإعلامية الحزبية، ولا تستطيع مواجهة تلك المؤسسات إما خوفاً أو لعمق العلاقات بين الطرفين".
من جهته، أكد رئيس المرصد العراقي للحريات الصحافية، هادي جلو مرعي، أنّ "الفترة القليلة الماضية شهدت إبعاد العديد من الصحافيين من مؤسساتهم التي يعملون فيها، ويحدث ذلك منذ أشهر، بسبب خسارة بعض الأحزاب في نيل مكاسب في الانتخابات البرلمانية التي أجريت في مايو/ أيار الماضي، ولكن خلال الأسابيع الماضية، حدث تطور مختلف، وتحديداً بعد التوجه الأميركي الجديد وقضية العقوبات على إيران على خلفية الاتفاق النووي، ما أدى إلى ضعف وصول الأموال الإيرانية إلى العراق ما انعكس على واقع وسائل الإعلام العراقية".
ولفت إلى أن "نقابة الصحافيين العراقيين هي جهة تنظيمية وليست جهة لها قرارات نافذة، وكانت لها دعوات لتشريع قانون تلزم المؤسسات الصحافية بالوفاء بحقوق الصحافيين، على صيغة عقود مبرمة بين العامل والمؤسسة، ولكن المؤسسات لم تلتزم بالقانون"، مشيراً إلى أنه "لا بد من وجود قانون يحمي الصحافي العراقي في حال تعرض رزقه للتهديد ويعامله معاملة الموظف الحكومي، مثلما كان الوضع في نظام صدام حسين، إذ كان الصحافيون على ارتباط مع وزارة الثقافة، لضمان حقوقهم المالية. ورصدنا خلال المرحلة الجديدة من الحكومة العراقية تصريحات لرئيس البرلمان الجديد محمد الحلبوسي، وهي غير مطمئنة ويبدو أنه عدواني مع الإعلام".