بنك مركزي منقسم في اليمن

اقتصاد هش وسلطة نقدية منقسمة..

ما الذي يمكن أن يحققه البنك المركزي من رفع سعر الفائدة؟!

ضمن الاجراءات الاقتصادية لإنقاذ الريال الذي يواصل التهاوي أمام العملات الأجنبية، قرر البنك المركزي اليمني ،رفع أسعار الفائدة على شهادات الإيداع والسندات الحكومية في الوقت الذي لا يزال البنك منقسما بين سلطتين ومقرات البنوك التجارية لا تزال في العاصمة صنعاء الخاضعة للحوثيين.

 

وأعلن البنك المركزي اليمني، اليوم الأربعاء ، رفع سعر الفائدة على شهادات الإيداع إلى 27%، ورفع الربح على ودائع الوكالة إلى 23%، فيما رفع سعر الفائدة للسندات الحكومية إلى 17%، في إطار المعالجات والقرارات التي يتخذها للحفاظ على سعر العملة الوطنية.

 

وشدد المركزي على أن يتم التعامل بتلك الأوعية من مبالغ نقدية تورد للبنك المركزي في مركزة الرئيسي بعدن أو بموافقة المحافظ في فرع من فروع البنك، وأوضح- أن أرباح الودائع ستدفع كل ثلاثة أشهر، أو بقرار من المحافظ بموجب الفترات التي يتفق عليها، بحسب وكالة الأنباء اليمنية الرسمية (سبأ) في نسختها الحكومية

 

وفيما أكد المركزي، أن رفع سعر الفائدة يأتي في إطار المعالجات والقرارات التي يتخذها للحفاظ على سعر العملة الوطنية، شهد الريال اليمني هبوطا جديدا اليوم الاربعاء متراجعا من 617 الى 630 ريالا مقابل الدولار الواحد.

 

ما هو سعر الفائدة؟

سعر الفائدة هو السعر الذي يدفعه البنك المركزي على إيداعات البنوك التجارية سواء أكان استثمارا قصير أو طويل الاجل، وفقا للبنك الدولي، ورفع الفائدة يعني كبح عمليات الاقتراض وبالتالي تقليل نسبة السيولة في السوق مما يؤدي إلى خفض نسبة التضخم (ارتفاع الأسعار).

 

ماذا يريد البنك المركزي؟

مصادر تجارية ومصرفية أوضحت ل"المصدر اونلاين " أن البنك المركزي برفع أسعار الفائدة يريد سحب السيولة النقدية من السوق لتعزيز سعر صرف الريال أمام الدولار، وتشجيع البنوك على الاستثمار في السندات الحكومية.

وأوضحت المصادر،  أن الحكومة تمر بضائقة مالية وحاولت الإقتراض من البنوك التجارية من خلال اصدار السندات الحكومية نهاية يوليو الماضي، لكنها فشلت في إقناع البنوك التجارية على الإستثمار في السندات الحكومية، ولتشجيع البنوك على إيداع أموالها في البنك المركزي قررت رفع سعر الفائدة على الودائع.

من ضمن الأهداف لرفع سعرالفائدة كبح جماح الإرتفاع في أسعار السلع، لكن ذلك لن يتحقق في حالة اليمن وفقاً لخبراء مصرفيين، التضخم الحالى (ارتفاع الأسعار) ناتج عن أسباب عديدة منها تداعيات الحرب وزيادة الضرائب والرسوم الجمركية والإتاوات على البضائع التي تفرضها الجماعات المسلحة من كل الأطراف في نقاط التفتيش على طول الطرقات.

يكون رفع سعر الفائدة مجدياً في حال كان ارتفاع الأسعار ناتجاً عن زيادة الطلب والإستهلاك ، ويتم العمل على تقليص الإستهلاك من خلال رفع سعر الفائدة لتشجيع الناس على ايداع نقودهم بدلا من الاستهلاك الذي يتسبب في ارتفاع الأسعار.

رفع الفائدة بين عدن وصنعاء

لا يزال البنك المركزي معطلاً ومنقسماً بين الحكومة الشرعية التي تعمل من العاصمة المؤقتة عدن (جنوب البلاد) وجماعة المتمردين الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء، وهذا الإنقسام يؤثر على قدرة البنك  على إدارة مهام السياسة النقدية من عدن، كما يفرض عقبات أمام تنفيذ قرار رفع أسعار الفائدة .

في 18 سبتمبر/ أيلول 2016، قرر الرئيس عبد ربه منصور هادي نقل المقر الرئيس للبنك المركزي وإدارة عملياته إلى العاصمة المؤقتة عدن، لكن الحوثيين احتفظوا بالبنك المركزي في صنعاء، كبنك مركزي موازٍ خاص بهم، ما تسبب في زيادة أضرار الاقتصاد الوطني، وحصول أزمات متلاحقة، منها أزمة الرواتب وتهاوي قيمة العملة اليمنية.

ويرى خبراء يمنيون في الإقتصاد أن انقسام البنك المركزي واحد من الأسباب الرئيسية للأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، ومن العوامل التي تعيق البنك المركزي في عدن عن استخدام أدوات السياسة النقدية ومنها رفع سعر الفائدة، ويؤكدون أن نجاح الحكومة في إدارة السياسة النقدية مرهون بتوحيد عمل البنك المنقسم حالياً بين الحكومة الشرعية في عدن (جنوب البلاد)، وجماعة الحوثيين التي تسيطر على العاصمة صنعاء.

وفقاً لوزارة التخطيط اليمنية،  فإن غياب سلطة نقدية موحدة وفعالة تركت تداعيات خطيرة على الجهاز المصرفي في كافة مناطق البلاد، مما تسبب في تدهور ثقة المواطن في العملة الوطنية والمؤسسات المصرفية ، وبالتالي، تفضيل حيازة العملات الأجنبية وسحبها خارج الجهاز المصرفي.

وقالت الوزارة في تقرير صدر مطلع يوليو الماضي: "هذا الإنقسام تسبب في إرباك البنوك التجارية بتعليمات سلطتين نقديتين غير منسجمتين وغير فاعلتين، ونتج عنه تعذر استخدام أدوات السياسة النقدية الملائمة للتخفيف من أزمة سعر الصرف مثل سعر الفائدة ونسبة الاحتياطي القانوني".

العربة قبل الحصان

في قرار رفع سعر الفائدة، فإن الحكومة تضع العربة قبل الحصان، وكان عليها ان تبدأ بالتهيئة لقرارها من خلال نقل المقرات الرئيسية للبنوك التجارية من صنعاء إلى عدن، لأن نحو 80 بالمائة من النشاط الإقتصادي والتجاري والمصرفي يتركز في صنعاء وبقية مناطق الحوثيين.

الخبير الإقتصادي بلال أحمد، اعتبر أن رفع أسعار الفائدة قرار ارتجالي وغير مدروس، إذ كان الأولى أن يعمل المركزي على استعادة ثقة القطاع المصرفي التجاري ، قبل أن يتخذ قراراه.

وقال أحمد ل"المصدر اونلاين" :" ينبغي أولاً نقل المقرات الرئيسية للبنوك التجارية إلى العاصمة المؤقتة عدن حيث مقر الحكومة من العاصمة صنعاء ، إذ ما جدوى رفع سعر الفائدة إذا كانت البنوك التجارية تحت سيطرة الحوثيين ولم يتم نقل مراكزها الرئيسية".

ويتسائل الخبير في المالية العامة فكري عبد الواحد : "رفع سعر الفائدة لأي البنوك سيوجه إذا كانت المقرات الرئيسه بصنعاء ولم تنقل نشاطها إلى عدن، وهل ستلتزم بنوك صنعاء بالإستثمار لدى البنك المركزي في عدن".

فقدان الثقة

يؤكد خبراء الاقتصاد، أن البنك المركزي يفتقد للأدوات التي قد تساعده على استعادة مهامه في إدارة السياسة النقدية، فضلاً عن انعدام الثقة بين المركزي والقطاع المصرفي التجاري نتيجة عجز البنك عن سداد فوائد الاستثمار في السندات وأذون الخزانة منذ اربع سنوات.

وأدت الأزمة المالية الناجمة عن الحرب وانهيار الريال واستنزاف الاحتياطي النقدي إلى اهتزاز ثقة التجار في النظام المصرفي أفضى إلى عزوفهم عن التعامل مع البنوك المحلية وتوقف البنوك عن التعامل مع المصرف المركزي وعزوفها عن زيادة استثماراتها في أذون الخزانة منذ نهاية 2015 بسبب انخفاض سعر الفائدة على الأذون وحاجتها الى السيولة لمواجهة طلبات عملائها.

من جهته، يطالب القطاع المصرفي التجاري اليمني الحكومة بسداد فوائد أذون الخزانة، ودعا إلى دفع مديونية البنوك التجارية والقطاع التجاري الخاص لدى الحكومة من فوائد الاستثمار في أذون الخزانة.

وقال حسن الكبوس رئيس الغرفة التجارية في العاصمة صنعاء ، في بيان "يتعافى الاقتصاد عندما يتعافى القطاع الخاص، ولذلك نطالب البنك المركزي بدفع الفوائد المتأخرة عليه لحملة أذون الخزانة، هذا سيساعد على إنقاذ الإقتصاد اليمني من الإنهيار والحفاظ على النشاط التجاري للقطاع الخاص”.

 وبسبب غياب العوائد من مبيعات النفط والغاز والضرائب والمساعدات الخارجية قام البنك المركزي بتعويض ذلك من خلال الإقتراض من المصارف عن طريق أذون الخزانة وقد أدى ذلك إلى اقتراض أكثر من تريليون ريال منذ بداية الحرب حتى توقف البنك المركزي عن عمله.

تداعيات

في حال نجاح البنك المركزي في استعادة ثقة القطاع التجاري و تنفيذ قراره برفع أسعار الفائدة ، فإن القرار لن يؤدي إلى استقرار سعر الصرف ولن يعالج أزمة تهاوي العملة المحلية، ولن يترك أية تأثيرات على  التضخم (ارتفاع الأسعار).

واعتبر خبراء مصرفيون ، أن رفع أسعار الفائدة ليس سوى مجرد مؤشر على أن الاقتصاد يتدهور، لكن الإجراء بحد ذاته لا يعالج أزمة تهاوي الريال ، وربما يحقق هدفاً وحيداً يتمثل  في سحب السيولة النقدية وهذا لن يتم قبل استعادة الثقة بين المركزي والبنوك التجارية.

واعتبر الخبير المصرفي منير سيف، أن استخدام أسعار الفائدة لن يكون مجدياً في ظل اقتصاد هش وضعيف مثل اقتصاد اليمن، بل يزيد الأمر سوءاً، وقال: "رفع سعر الفائدة لن يعالج انهيار الريال ، بل سيعمل على تجميد المشروعات الإنمائية ويمتص السيولة إن تبقت ويعيد صرفها في سندات الدين وتعود المشكلة كما كانت”.

تفاقم الدين العام

الدولة هي المتضرر الأكبر من قرار رفع أسعار الفائدة، فالحكومة تستخدم الفائدة لاقتراض الأموال من القطاع التجاري وبفوائد مرتفعة وهذا يزيد من عبء الدين العام الداخلي، الذي لا تتحمله الحكومة وحدها بل يمثل عبئاً على البلد والتنمية وعلى الإقتصاد وحتى الأفراد.

ومنذ بداية الحرب قبل ثلاث سنوات ونصف، يعتمد اليمن على أدوات الدين العام بشكل مفرط لتمويل الفجوة المزمنة في الموازنة العامة للدولة ولذلك، ارتفع رصيد وأعباء الدين العام إلى مستويات مقلقة باتت قيداً على النمو الاقتصادي والتنمية وتحمل أعباء كبيرة على الجيل الحالي والأجيال القادمة.

ويقدر خبراء مصرفيون، أن كل فرد من سكان اليمن البالغ عددهم 26 مليوناً سيصبح مديوناً بحوالي 1500 دولار، بالنظر إلى ارتفاع الدين العام المحلي إلى مستويات خطيرة. واستحوذت خدمة الدين العام على النفقات الاجتماعية (التعليم والصحة والحماية الاجتماعية والمياه) ولم تترك مساحة للإنفاق على برامج الرعاية الإجتماعية والبرامج الاستثمارية.

وأوضح الخبير المالي فكري عبد الواحد، أن رفع أسعار الفائدة سيلقي تبعاته على البنوك التجارية والبنك المركزي الذي ستتراكم عليه وتتضاعف خدمة الدين العام المحلي، فيما نشاط البنوك معطل، وطالما تقلص الفارق في سعر صرف الدولار بين الرسمي والسوق سيكون من الأفضل الحفاظ على أسعار الفائدة الحالية”.