سامي نعمان

الصحفي سامي نعمان: أسبوع في معتقل الحوثيين.. لا ينبغي التسليم بتجريم الصحافة

تعز -سامر محمد:

قبل غروب شمس الخميس 21 يونيو 2018، كان نحو عشرة مسلحين حوثيين يحاصرون منزلاً في قرية المصاعد بمديرية ماوية (شرق تعز) في مهمة اعتقال الصحفي سامي نعمان، الذي لم يكن ساعتها يدرك سبباً طارئاً لاعتقاله، أو جرماً ارتكبه يقتضي هذا الهجوم والإختطاف المباغت.


لم يعد مستغرباً اعتقال جماعة الحوثي المسلحة للصحفيين اليمنيين، وهي المصنفة ثانياً بعد تنظيم داعش الإرهابية في انتهاك الحريات الصحفية وفقاً لتقييم منظمة مراسلون بلا حدود الدولية 2016، لكن الغريب هو التعامل مع صحفي كزعيم مسلح.


وبينما كان بالإمكان استدعاء الزميل نعمان بمكالمة هاتفية، أو باستدعاء بسيط، خرج طقمان لمسلحين حوثيين في مهمة اعتقاله، أحدهما بأفراده العشرة دخل القرية وطوق منزله، والآخر انتظر بعيداً خارج القرية لغرض تأمين مجموعة المداهمة عند الطوارئ.


ويقول الزميل سامي لــ”المشاهد” إن والدته أبلغته أن طقماً حوثياً بالخارج يسأل عنه، بعدما استفسرت عن سبب مجيئهم، فرفضوا الإفصاح. ويضيف: “لحظتها دخل غرفتي طفلي معتز (9 سنوات) مفزوعاً: بابا. الحوثيين حاصروا البيت كل اثنين من جهة، ولما نزلوا من الطقم شحنوا البنادق وفتحوا أمانات أسلحتهم بالسريع”.


كان مشهد انتشار المسلحين، وتطويق المنزل أقوى من محاولاته طمأنة أمه الهلعة على وحيدها، وابنه على أبيه، الذي يعتقل لأول مرة في حياته “بطريقة استعراضية لا داعي لها تعكس مستوى الخوف أكثر من القوة والشجاعة”، وفقاً لنعمان، الذي روى ل”المشاهد” قصة اعتقاله.


“خرجت أعزلاً أطوي المعوز (لابس تقليدي) واتجهت مباشرة ناحية قائد الطقم، فطلب مني الذهاب معهم قائلاً “أبو ماهر يشتيك”، (وأبو ماهر هو المسؤول الأمني الأول للحوثيين في محافظة تعز).
ويتابع سامي سرد ما حدث له يوم الإعتقال “ذهبت معهم دون تردد وقد أدركت السبب وإن حاول بعض أتباعهم الترويج لخلاف شخصي “الصحافة تهمة دسمة. الصلاحيات متاحة للأمنيين لاعتقال الصحفيين، الذين يصنفون أخطر من المقاتلين في الجبهات”.


بعض الحوثيين حذروا أقارب الصحفي سامي نعمان من نشر أخبار تخص اعتقاله، لأن لديه قضية شخصية والنشر سيضر به، لكن نعمان اعتبر ذلك أمراً مريباً، حين يعتقل صحفي ثم يحذرون أقاربه من النشر، ويوهمونهم أن لديه شكوى خاصة، وجعلوهم يعملون كشرطي رقابة لمنع نشر الأخبار وتضامن الأصدقاء في التواصل الإجتماعي”.
يشير نعمان أن هذا لا يحمي الصحفي كضحية بل يحمي منتهك حقوقه ويمكنه من الإضرار به إلى أبعد مستوى دون أن يخشى شيئاً.

في الزنزانة


أدخل نعمان زنزانة تكتظ بالمعتقلين والمجانين (تعرف بالضغاطة) بالدور الثالث في عمارة بمدينة الصالح بمفرق ماوية شرق مدينة تعز  التي وصلها الثامنة والنصف مساءً تقريباً، وكانت مغلقة النوافذ عدا فتحة بحجم كف اليد في اتجاهين، وكأغلب المساجين كان ينام على البلاط، ويتوسد أحذيته ملفوفة ببعض الملابس.


استدعي نعمان لتحقيق مطول تلك الليلة، مغمض العينين. “شخص واحد تولى طرح الأسئلة مع وجود آخرين، تعامل معي باحترام ودون إساءات، في الحقيقة لم يكن هناك داعٍ لذلك، فقد أجبتهم بوضوح بأكثر مما كان لديهم في قصاصة البلاغ أني صحفي “داعشي”، وأني أكتب وأحرض عليهم، والعمل لصالح دولة خليجية، وهي تهمة عقوبتها الإعدام”.


ويستعرض حيثيات التحقيق “عن علاقتي برئيس الوزراء في الحكومة الشرعية ونائب رئيس الجمهورية  ، وآخرين، وعن انتمائي السياسي (لحزب الاصلاح تحديداً)، وعن علاقتي بالصحفي عبدالكريم الخيواني، رحمه الله، ومدى ارتباطي بقنوات الجزيرة والعربية وبلقيس وبي بي سي وعلاقتي بتوكل كرمان، ومحمد العرب، وحمدي البكاري، ومحمد عايش، وعن فيلم أنتجته قناة بي بي سي وعملت فيه مساعد إنتاج ميداني وقضايا أخرى كثيرة”.


وفقاً لنعمان، لم يجروا أي تحريات عن عمله، لكنه أجابهم بوضوح على كل الأسئلة” بداية تملكني بعض التوتر، لكني تمالكت نفسي، وقررت الرد بوضوح على كل أسئلتهم، من منطلق أن الصحافة ليست جريمة، فأنا لم ارتكب جرماً، وكل أعمالي مشروعة وليس لدي ما أخفيه، ولا يجب التسليم بتجريم العمل الصحفي، دافعت عن نفسي بالحقيقة فقط، وفي الحصيلة لن يهدموا تهمة لتلفيقها ضدك إذا ما قرروا ذلك”.
إستغرق التحقيق بضع ساعات، بعدها غادر أحد الحضور جوار المحقق، يطلق شتماً وتهديداً “أني استحق زنزانة انفرادية وضرب ومنع زيارة”، ووصف الصحفيين بأنهم مرتزقة وعملاء وما يعقلوا الا بدسع (عنف). لكن المحقق طمأنه “سنرفع المحضر للمعنيين وإن شاء الله خير”.


في اليوم التالي استدعي نعمان لمدة نصف ساعة فقط، سأله المحقق عن وضع السجن وهل قام بتجميع قصص السجناء ليكتب عنهم (نثرات)، وعن علمه بوسائل الإعلام التي تحدثت عن اعتقاله، ثم جعله يبصم، مغمض العينين، على أوراق قال إنها محضر التحقيق دون أن يقرأها، ووجه بنقله إلى زنزانة أفضل.
أمضى نعمان قرابة أسبوع في معتقله، وتابع قضيته كثير من أصدقائه ومعارفه،  لكن أكثرهم تأثيراً كان الشاعر والكاتب نجيب القرن،  الذي تفرغ لمتابعة قضيته، حتى

 

إطلاق سراحه، ليقضي بعدها أياماً في قريته، ثم أسابيع في صنعاء، ثم انتقل إلى مدينة تعز.

ويختتم نعمان في حديثه لــ” المشاهد” بقوله “لم انتقل إلى تعز لغرض استعراض قدرتي على انتقاد الحوثيين لمجرد ابتعادي عن مناطق نفوذهم، وسأواصل عملي بمهنية ومسؤولية، لكن لن يكون الصحفي مهنياً، أو حراً وهو يتعايش مع الخوف والتهديد والخطر، ويخشى مصير زملائه الذين تعرضوا للإعتقال، والإخفاء القسري أحياناً وسوء المعاملة وصولا إلى التهجير والتخوين”.
معتبرا ان  “أسوأ ما يمكن أن يعمله الصحفي هو أن يكون صحفياً وفقاً لشروط ومعايير، يضعها منتهكو حقوق الإنسان وحرية الصحافة في تاريخ اليمن”.

 

المشاهد نت