نقشة الحناء

"نقشة الحناء" في اليمن.. زينة وطقوس وأساطير!

صنعاء -فارس قاسم :

تجني بدور عبدالكريم، مالاً وفيراً من اشتغالها في مهنة تنقيش العرائس وتزيين النساء بالحناء والخضاب الأسود والأحمر.
وتنحدر السيدة الثلاثينية من أسرة يمنية عريقة تمارس منذ زمن طويل هذه المهنة التي تلقى رواجاً كبيراً، خصوصاً في الأفراح والمناسبات، كالأعياد (عيد الفطر، وعيد الأضحى).
ويستخلص الحناء اليمني من شجرة تسمى “الحناء” تشبه في أوراقها أوراق الرمان، ويتم طبخها بالماء للحصول على خضاب أحمر أو أسود اللون.


تقول بدور إنها تتقاضى ما بين 10 إلى 18 ألف ريال يمني (15.15 – 27.27 دولار أمريكي)، مقابل نقش المرأة الوحدة “يعتمد ذلك على شكل النقش ومساحته والمناسبة”.
والنقش بالحناء هو زينة المرأة في العالم العربي، لكنه في اليمن يعد موروثاً شعبياً قديماً ليس حكراً على النساء فقط.
كما لا ينحصر استخدام الحناء في مناسبات الأفراح والأعياد الدينية فحسب، بل يتعدى ذلك ليرتبط بحكايات وأساطير عديدة.
حتى الأموات في بعض المناطق اليمنية يتم غسلهم بماء الحناء، اعتقاداً بفائدته لجسد الميت، وتمكينه (المتوفى) من دخول الجنة.


“النقش بالحناء شيء مميز في اليمن، وضروري جداً للنساء، خاصة في الأعراس والمناسبات كالأعياد، إذ تتوافد علينا النساء بكثرة لتنقيشهن بالحناء..”، كما تقول بدور التي تمتلك محل كوافير في العاصمة صنعاء.
وتعمل بدور التي تحمل مؤهلاً جامعياً في مجال الصيدلة، في هذه المهنة منذ 10 سنوات.


وحسب السيدة اليمنية التي تعمل معها في ذات المحل 3 فتيات أخريات، يتم شراء الحناء من محلات معينة “نحرص على الإبداع في عملية النقش حسب الطلب، بعض النساء يطلبن منا النقش على غالبية أجزاء أجسادهن”.
أضافت لموقع “المشاهد”: “النقش بالحناء مهنة مدرة للدخل، لا تبخل النساء على دفع أي مبلغ مقابل ذلك”.

عادة أصيلة

وتعتبر الأعراس والأعياد الدينية أفضل المناسبات لاستخدام الحناء بالنسبة لليمنيات.
تقول سيدة يمنية تدعى سمر علي (35 عاماً): “أستخدم الحناء اليمني مرة كل شهر، يغنيني عن صباغ الأظافر الصناعي”.


من جانبه، يقول الخمسيني عامر الهمداني، لموقع “المشاهد”: “الحناء مفيد للحساسية وإزالة الحمى من الجسم. أنا أستخدمه في صبغ رأسي، فهو أفضل من الصبغات الصناعية، ويجعل الشعر متماسكاً”.
في “يوم الحناء”، قبيل يوم العرس (الزفاف)، يتكفل أصدقاء وأقارب العريس بتخضيبه بالحناء، وخدمته طوال ساعات، حتى يجف، ويتحول جسد العريس إلى اللون الأحمر.


وهذه عادة أصيلة من طقوس الأعراس في بعض المحافظات اليمنية، حيث يتم وضع أشكال وكتابات على راحة اليد اليمنى للعريس، دون طلي (الكفين) بالحناء.
ويرافق هذا اليوم ضرب الطبول والرقص، وتستمر سهرة يوم الحناء حتى ساعة متأخرة من الليل.

 

مناشدة اليونسكو

تقول أمة الرزاق جحاف، وهي باحثة يمنية متخصصة في التراث والمواريث الشعبية: “شجرة الحناء في اليمن متعارف عليه بأنها من أشجار الجنة، يقال إنها رافقت نزول أبينا آدم وحواء من الجنة إلى الأرض، لكي تخفف عن أمنا حواء ألم مغادرة الجنة وعذاب الأرض”.


تضيف لموقع “المشاهد”: “لهذا تعتبر في اليمن من الناحية الدينية شجرة مقدسة إلى درجة أنه في بعض المناطق يتم وضع أوراق منها على الشخص عندما يموت، وينثرونها على قبره وداخل كفنه”.
وتوضح أن كثيراً من الأسر اليمنية، خاصة في الأرياف والمناطق الساحلية وتهامة (غربي اليمن)، “لديها اعتقاد قوي بأن هذه الشجرة تبعد الشر والشياطين والعين والسوء”.


تتابع أمة الرزاق جحاف، وهي وكيل الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية: “شاهدت كثيراً من السياح الأجانب والعرب، خلال السنوات الماضية، عندما كانوا يزورون اليمن، بأنهم يحرصون على شراء حناء يمني نظراً لجودته وعدم اختلاطه بمواد كيماوية. شجرة الحناء هنا ماتزال كما وجدت في القدم، ولم تدخل عليها المواد الكيميائية والأسمدة، ولم تتعرض للتهجين..”.


وتعتقد أمة الرزاق أن للحناء اليمني فوائد جمة، إلى جانب زينة النساء: “له فوائد طبية. أوراق الحناء تستخدم في الطب الشعبي، عندما يتم غليان أوراقها وتناوله كقهوة، تكون مفيدة جداً لعلاج التهاب المسالك البولية..”.


أضافت: “اليمن واحد من أهم وأبرز مواطن شجرة الحناء.. وأنا أناشد منظمة اليونسكو الاهتمام بالموروث التزييني والنقش في اليمن بشقيه الخضاب والحناء”.
ونظراً لدلالته الشعبية “الحناء”، جسده فنانون يمنيون في أغانٍ فريدة.

 

المشاهد نت