الصحفيون اليمنيون

«واشنطن بوست»: ليس من حق الحوثيين الحديث عن حرية الصحافة

ي التاسع من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي، وفي خطوة غير مسبوقة، نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية مقالًا لرئيس اللجنة الثورية العليا محمد علي الحوثي انتقد فيه المملكة العربية السعودية والإدارة الأمريكية الحالية بأنها تحاول حماية «حليف فاسد».

وردًا على ذلك، نشر الصحفي اليمني المقيم بواشنطن الخطاب الروحاني مقالاً آخر على صفحات الصحيفة نفسها، ينتقد حديث الحوثي ومحاولة استغلاله قضية خاشقجي.

وبدأ الخطاب مقاله أن في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تواصل معه رئيسه السابق في صحيفة «المصدر» اليمنية في العاصمة صنعاء، طالبًا منه التطوع لإجراء بعض الأعمال التحريرية للصحيفة، إذ اشتكى الرجل قائلاً: «لم يبق لدينا صحفيون، وأنت أحد القلائل الذين تمكنوا من الفرار». وكشخص كان يحلم دومًا بالعمل كمراسل صحفي منذ أيام الدراسة، وأفنى عمره في الدفاع عن حرية الصحافة، فقد أصابت خطاب كلمات الرجل بحزن شديد.

لهذا السبب، صدم بشدة لقراءة كلمات زعيم جماعة الحوثي على صفحات «واشنطن بوست»، والتي حاول فيها استغلال مقتل الصحافي جمال خاشقجي، مما جعل خطاب يستعرض الرحلة التي خاضها هو ومئات من الزملاء الصحافيين اليمنيين خلال السنوات الثلاثة السابقة.

ويضيف خطاب أن الصحافيين اليمنيين دفعوا ثمنًا باهظًا في سبيل حرية الصحافة خلال العقود الأخيرة، خاصة خلال الثورة ضد نظام الرئيس السابق علي عبد الله صالح، وبعد أن أُجبر صالح على التنحي، ازدهر المشهد الصحافي في اليمني، وجدت عشرات المنافذ الجديدة طريقها إلى النور باستمرار، وتمتع الصحافيون بحرية غير مسبوقة، حتى أن بعضهم تندر أحيانًا بأنهم لا يدرون ما يمكن فعله بكل هذا الانفتاح.

هذه الفترة الذهبية استمرت حتى الانقلاب العسكري الذي قام به الحوثيون في سبتمبر (أيلول) 2014، أصبح الإعلام منذئذ «عدو الشعب» رقم 1، ووفقًا للرواية الحوثية فإن كل الصحفيين هم عملاء محتملون للغرب وأعداء اليمن، قامت الجماعة بإغلاق وسائل الإعلام التي لا تتوافق معها، وتم اختطاف مئات الصحافيين وتعذيبهم، مما أفضى ببعضهم أحيانًا إلى الموت.

ووفقًا للجنة حماية الصحفيين، فقد كان هناك 13 صحفيًا قيد الاحتجاز لدى الحوثيين بحلول نهاية العام 2017. تم اختطاف الصحافيين عبد الله قابيل ويوسف العزيري في مايو (أيار) 2015. وبعد أيام قليلة اتهمت نقابة الصحفيين اليمنيين جماعة الحوثي بالمسؤولية عن مقتل الصحافيين الذين استخدمهما الحوثيون كدروع بشرية ضد الغارات السعودية في منشأة عسكرية في محافظة ذمار.

ويذكر خطاب في مقاله أنه تلقى تهديدات من قبل الحوثيين، وتم اقتحام الصحف التي يعمل بها وإغلاقها، وعندما لم يستطيعوا الوصول له، اعتقلوا والده وأخاه وأجبروهما على التنصل منه باعتباره «جاسوسًا».

لقد صدم القتل الوحشي للصحافي السعودي جمال خاشقجي الأمريكيين، وانتقد المشرعون الأمريكيون من كلا الحزبين الحكومة السعودية بسبب انتهاكاتها لحقوق الإنسان، ويحيي خطاب الروح الاستثنائية التي أبداها مشرعو واشنطن من أجل التأكيد أن القتلة أو النظام لا يستطيع الإفلات بجريمته.

ويسهب خطاب أن خاشقجي هو مجرد ضحية واحدة من ضمن الكثيرين جراء هذه السياسات، ولا يجب أن يتم استغلال موته المأساوي من أجل فتح الباب للمناشدات في الصحافة كما هو الحال مع مقال محمد علي الحوثي على صفحات «واشنطن بوست»، بل من الواجب تكريم روح خاشقجي عبر حماية الصحافة. والعدالة لخاشقجي تعني كذلك العدالة لأولئك الذين يعانون من الحرب في اليمن، وبخاصة الصحفيين.

وبحسب ما كتبه خطاب في مقاله فإن مأساوية قضية خاشقجي، قد جذبت الانتباه الذي طال انتظاره للحرب في اليمن وقضية التدخل السعودي، وباعتبار خطاب يمنيًا، فإنه شعر بالراحة لأن العالم قد استيقظ أخيرًا، لكن ومع استمرار المناقشات، يشعر خطاب أيضًا أن أصوات اليمنيين لم تحظَ بعد بالتمثيل المناسب.

واليوم، وبعد ثلاث سنوات من تدخل التحالف الذي تقوده السعودية من أجل دعم الحكومة اليمنية المعترف بها سعوديًا في الصراع ضد التمرد الحوثي، لا تبدو في الأفق نهاية لتلك الحرب، وقد بدأ اليمنيون يفقدون الأمل في العودة إلى حياة طبيعية، ولا يقل الوضع الإنساني والاقتصادي سوءًا عن الكوارث الاجتماعية والانقسامات السياسية التي تتعمق يومًا بعد يوم.

ويرى خطاب أنه قد حان الوقت لكي يأخذ العالم زمام المبادرة، يطالب البعض في واشنطن الإدارة الأمريكية الحالية بوقف صفقات السلاح إلى اليمن، وبرغم كونها خطوة ضرورية أولى، فإنها لن تكون وحدها كافية لوقف الحرب. يجب أن يتذكر المجتمع الدولي كذلك أن السعوديين ليسوا وحدهم المسؤولين عن هذا الوضع، فدور الإمارات العربية المتحدة مؤثر ومثير للجدل بنفس القدر، إن لم يكن أكثر.

وقد تكررت إشارات الحكومة اليمنية إلى الدور الإماراتي في دعم الميليشيات المسلحة وتفاقم الكارثة الإنسانية. وبرغم ادعاء الإمارات أنها تساعد اليمنيين في «تحرير» مدنهم من قبضة الحوثيين، فإنه لا صحفي على الأرض يجرؤ على انتقاد الأفعال الإماراتية في اليمن علانية.

المصدر/ ساسة بوست