صناعة الفضة في اليمن

اليمن.. مخاوف من اندثار "صناعة الفضة" بسبب الاضطرابات

صنعاء – فارس قاسم :
كغيرها من الحرف اليدوية العريقة، تأثرت صناعة الفضة وتجارتها في اليمن بشكل كبير، بسبب الأوضاع الأمنية، والاضطرابات التي تشهدها البلاد منذ العام 2014، والتي انعكست سلباً على قطاع السياحة ومختلف القطاعات الأخرى.


ويشكو بائعو وحرفيو حلي الفضة في العاصمة صنعاء، من تراجع الإنتاج المحلي والإقبال على الشراء، الأمر الذي دفع بالبعض للعمل في مهن أخرى، وسط مخاوف من اندثار المهنة.


واشتهرت اليمن، عبر مئات السنين، بالمشغولات الفضية، وأثبتت الحفريات الأثرية والعلمية وجود مشغولات فضية تعود إلى الحضارات القديمة.


ووفقاً لخبراء في التراث، تبوأت الفضة اليمنية مكانة سامية كرمز للثراء والقوة في العصور القديمة، قبل انتشار النقود في العالم.

إنتاج ضعيف وسرقة

يقول محمد علي جابر، وهو أحد كبار صائغي الفضة في اليمن، ويملك ورشة خاصة في مدينة صنعاء: “خلال زمن الحرب في هذه السنوات الخمس أو الست من الأزمة، انقطع التيار الكهربائي، فتوقفنا عن العمل بالمكائن الخاصة التي تساعدنا في صياغة الفضة، الآن نستخدم الطرق (المطرقة). يعني عدنا للخلف 50 سنة تقريباً”.


جابر يعني في ذلك أنهم أصبحوا يستخدمون أدوات قديمة وبسيطة كالمطرقة والسندان لتقطيع وتشكيل صفائح الفضة حسب الغرض المراد صناعته.


أضاف جابر، في قصة مصورة لـ”المشاهد”: “قوة الإنتاج لدينا ضعفت، كذلك بسبب انهيار العملة اليمنية ارتفعت أسعار الفضة، قبل الحرب كنا نشتري الكيلو الفضة بحوالي 70 أو 80 ألف ريال يمني، ما يعادل 125 دولار اً، وحالياً تجاوز سعره 200 ألف ريال، ما يعادل 290 دولاراً أمريكياً”.


وفوق ذلك، يشكو الرجل ذاته، الذي يعمل في هذا المجال منذ أكثر من 30 عاماً، تعرضهم كصائغين متميزين، لسرقة أعمالهم الحرفية المحلية ذات القيمة الجمالية والمستوحاة من روح التراث اليمني العريق.


يوضح محمد جابر: “استيراد مشغولات فضية من تركيا وغيرها مشكلة بالنسبة لنا. مثلاً أنا كحرفي أعمل مشغولة فضية أو خاتماً معيناً لمدة يومين أو 3 أيام، يأخذونه ويطبعون منه بالكميات، وباعوها على أنها مستوردة، بمعنى سرقة مشغولات الآخرين أو استغلال صناعة الآخرين لصالح تجار معينين، هذه أثرت علينا بشكل كبير جداً”، لكنه لم يسمِّ الأشخاص أو الجهات المتهمة.

جماليات وهوية

وتتميز صناعة المشغولات والحلي من الفضة في اليمن، بدقة زخارفها وجمالها، وتتمثل في الخواتم والأساور والقلائد وغطاء الصدر، والأقراط، ولوحات وتحف فنية مختلفة، كما أن السيوف والجنابي والمباخر والبنادق وأباريق القهوة وغيرها نقشت وزخرفت بالفضة.


ما يعني أن استخدامها لا يقتصر على زينة النساء فقط، فالرجال أيضاً يزينون سيوفهم وحاجياتهم بالخيوط الفضية.


يقول محمد جابر، إن من مميزات الفضة في اليمن “هي نوع من الجماليات حسب المناطق، كل منطقة يمنية لها أسلوب معين في الصياغة، بمعنى تعدد التشكيلات حسب المناطق وهوية المجتمع (المحلي) نفسه، وما يلازم اللبس وغيره في المنطقة”.


تدهور كبير


من جانبه، قال عبدالله رزيق، وهو مالك محل لبيع مشغولات فضية في مدينة صنعاء القديمة، إن حركة البيع والشراء تراجعت بنسبة تتجاوز 90%، بسبب الأوضاع التي خلفتها الحرب في اليمن.


وكانت الفضة اليمنية واحدة من أبرز المنتجات التقليدية الجاذبة للسياح الأجانب، الذين توقف توافدهم إلى اليمن بسبب الفوضى.


أضاف عبدالله رزيق، لكاميرا “المشاهد”: “كانت مبيعاتنا 90% للسياح، لكن بسبب الحرب اختفى السياح، وأصبحنا بالكاد نجني قوت يومنا، تضررت معيشتنا بشكل كبير”.


ولا يخفى القول بأن كثيراً من الصائغين والحرفيين والعاملين في بيع الفضة والعقيق وغيرها من الحرف، فقدوا فرص عملهم، وبعضهم اختار مهنة أخرى بهدف توفير لقمة العيش.


مخاوف من الانقراض


ولأسباب كثيرة، باتت الأسواق اليمنية تعج بالمشغولات الفضية المستوردة والمخلوطة غالباً، مع إضافة لمسات يمنية بالطبع، وفقاً للبائع عبدالله رزيق.


يوضح رزيق: “حالياً نشتغل فضة مخلوطة.. نادراً ما تجد مشغولات فضية يمنية خالصة (فضة صافية) كالبوسانية المشهورة مثلاً، والفضة القديمة، لأن إنتاجها مكلف، والإقبال على شرائها ضئيل، خصوصاً بعد توقف حركة السياحة”.


ومثل غيره من العاملين في بيع وصياغة الفضة، يخشى عبدالله رزيق من انقراض هذه المهنة، تحديداً الإنتاج المحلي.


“الفضة اليمنية أكيد باتت تنقرض.. إذا تحسنت الأوضاع وعاد توافد السياح الأجانب، سينتج الحرفيون مشغولات فضية يمنية خالصة، وبجودة أفضل من الخارجي، طالما ستجد سوقاً مناسباً لبيعها، وهذا ما نأمله”، يقول رزيق.

مسؤولية الحكومات

في الأثناء، يؤكد الصائغ محمد جابر، اندثار عديد مهن وحرف يمنية تقليدية خلال العقود والسنوات الأخيرة، وبالأخص عزوف الحرفيين عن العمل فيها.
ولا يتجاوز عدد الحرفيين العاملين في صياغة الفضة بصنعاء، 200 شخص، “ومع ذلك إنتاجهم محدود”، وفقاً لمحمد جابر، الذي قال إنه درب ما بين 200 و300 شخص، للعمل في صياغة الفضة بتخصصاتها المختلفة، “لكن للأسف من يمارسون المهنة حالياً بعدد الأصابع”.


ويختتم جابر حديثه قائلاً: “الدولة نفسها (الحكومات اليمنية المتعاقبة) من يوم قامت هذه الحرف وحتى الآن، ما فيش توجه صح”، في إشارة إلى غياب الدعم والاهتمام الحكومي الهادف إلى تطوير ورعاية هذه المهن، وفي مقدمتها صناعة الفضيات، المتوارثة عن الأجداد منذ القدم.

المشاهد نت