محادثات السويد

الصفقة السوداء: استعادة مقاتلين مقابل إطلاق مختطفين ولا ضمانات (تقرير خاص)

الحرف28- مازن فارس

في الوقت الذي كانت الأطراف اليمنية تتشاور في السويد بواسطة الامم المتحدة على ملف الأسرى والمعتقلين، كانت مليشيا الحوثي تقوم باعتقال الناشط "عبدالكريم الارياني" وتضعه في أحد أقبيتها السرية لينضم إلى قائمة طويلة من المختطفين، يقبعون في سجون مليشيا الحوثي منذ نحو أربعة أعوام.

 

في العاشر من سبتمبر الجاري – بعد يوم من انطلاق مشاورات السويد- اعتقلت مليشيات الحوثي "عبدالكريم الإرياني" من مقر عمله في وزارة المياه وسط صنعاء واقتادته إلى إحدى سجونها حسبما افادت مصادر محلية الحرف 28.

 

يتحدث أصدقاء "الارياني"، وهو أحد أعضاء الحزب الاشتراكي اليمني، عن موقفه المعارض لإنقلاب الحوثيين، وعن تصدره الصفوف الأولى لثورة 11 فبراير 2011 ضد نظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، لكنه في الواقع لم يقم باي نشاط من شأنه التسبب باعتقاله وايداعه السجن.

 

الإرياني، متزوج ولديه خمس بنات أكبرهن سنة أولى جامعة وأصغرهن خامس ابتدائي، لكنه وجد نفسه فجأة في قبضة مليشيا الحوثي وقد ينضم الى قائمة بالآلاف تستخدمهم مليشيا الحوثي للمقايضة لإطلاق سراح الاسرى من مقاتليها.

يقول الكاتب الصحفي، معن دماج، في منشور تضامن مع "الارياني" على صفحته بالفيسبوك: في تجربتي الحزبية والسياسية قل ان تعرفت على رفيق بمثل شهامته وشجاعته ولعله من بين قليلين كنت اظنهم لا يعرفون الخوف ابدا.

 

يضيف دماج : كان على اطلاع ومعرفة عميقة بمسيرة الجبهة الوطنية الديمقراطية ورجالاتها، ولقد كان بمقطبه المشحوط الى الركبة تذكير بهم وبعنفوان جيل نادر بدد كل تضحياته جيل عاجز من السياسيين الانتهازيين وغير المستقلين ضيقي الأفق.

 

بالنسبة لمليشيا الحوثي فلم تكن تفعل شيئا خارج المألوف، فخلال أربع سنوات منذ سيطرتها على العاصمة صنعاء في 21 سبتمبر 2014 إختطفت واعتقلت قرابة 20 ألف مواطن يمني، مارست بحقهم صنوف القهر والتعذيب، واقتادتهم من منازلهم أو أعمالهم.

 

وفي مشاورات السويد الأخيرة كما نسخ أربع سابقة تضع مليشيا الحوثي المدعومة من إيران هؤلاء المختطفين على طاولة المشاورات لمقايضتهم بمقاتلين متمردين على الدولة كانوا يقومون بأعمال قتل وقنص أثناء المعارك، وفي الوقت نفسه تواصل مسلسل الإختطافات كما حدث مع الإرياني وآخرين في محافظة إب.

 

وجاء اختطاف " الارياني" بينما كان المبعوث الأممي مارتن غريفيث يستغرق في مشاورات استوكهولم في تغذية آمال غير واضحة بوضع ملف ما يسميهم أسرى الحرب والمعتقلين  على طاولة النقاش.

 

وتبحث المشاورات، التي يقودها المبعوث الأممي على اليمن مارتن غريفيث، منذ الخميس الماضي، ستة ملفات، هي إطلاق سراح الأسرى، القتال في الحديدة، البنك المركزي، حصار مدينة تعز، إيصال المساعدات الإنسانية للمتضررين، ومطار صنعاء المغلق.

 

وتقول الأمم المتحدة إنها تحاول تحقيق اختراق في هذا الملف كجزء من عملية ماتسميها " بناء الثقة " وهو الملف الذي ظل مستعصيا طيلة فترة الحرب الدائرة في اليمن منذ مارس/آذار 2015.

 

تعتقد الأمم المتحدة أنها حققت تقدما بتبادل وفد الحكومة والحوثيين أمس الأول الثلاثاء، قوائم بأسماء نحو 15 ألف أسير ومعتقل كخطوة جديدة في طريق تنفيذ الاتفاق بتبادل جميع المعتقلين، وأغلبهم في سجون مليشيات الحوثي.

 

ووفقاً لتفاصيل التي اطلع عليها " الحرف 28" فقد تضمن الملف المقدم من وفد الحكومة إلى مكتب المبعوث الأممي مارتن غريفيث 8576 اسماً، ويضم كافة المعتقلين الذين وصلت أسماؤهم إلى لجنة الأسرى والمعتقلين، ومن ضمنها كشوفات المعتقلين من الطائفة البهائية، و من عائلة علي عبدالله صالح، وأنصاره المعتقلين بعد مصرعه على يد حلفائه في الانقلاب في ديسمبر ٢٠١٧.

 

وضمت قائمة الحوثيين نحو (7400 شخص)، وتركت القائمة مفتوحة للإضافة من الجانبين، و"تم تحديد المدة الزمنية بـ 48 يوما" على أن تتواصل عمليات التبادل حتى نهاية يناير المقبل.

 

ووصل عدد المختطفين والمختفين قسريا الذين يتواجدون واحتجزوا في سجون الميليشيات الانقلابية خلال الأربعة أعوام الماضية الى 18 الف و750 مختطفا ومخفي قسريا لا يزال منهم 8 ألاف يقبعون في السجون والزنازين وأماكن احتجاز مجهولة.

 

 

عمليات تعذيب مروعة

كما الموظف المدني عبدالكريم الإرياني الذي اقتادته مليشيا الحوثي من منزله فإن المختطفين الموجودين في سجون الحوثي لا علاقة لهم بالحرب ولم يكونوا يحملوا السلاح.

 

بحسب بيانات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً فإن معظم المعتقلين في الموجودين في حوزة المليشيا وعددهم 7,322 شخص هم من فئة العمال، و5118 من فئة السياسيين، و 1,690من شباب الثورة، و806 تربوي، و685 طالب، و 357 شخصية قبلية.

 

واختطف المتمردون الحوثيون 35 طفلاً، و279 إعلامي وصحفي، و183 رجل أعمال، و 200 خطيب و170 حقوقي، و88 امرأة و 63 طبيب و60 شخص أكاديمي.

 

أما عدد المعتقلين والمختطفين الذين تعرض للتعذيب الجسدي في سجون المتمردين فيبلغ نحو 1200 حالة توفي منهم 132مختطفاً جراء التعذيب وفق توثيق المنظمات الحقوقية.


وتقول تقارير صحفية وحقوقية إن المختطفين في سجون الحوثي يتعرضون لعمليات تعذيب مروعة وقاسية، تسببت في إعاقة وشلل المئات من المختطفين.

 

وكشف تحقيق أجرته وكالة " أسوشيتد برس" الأمريكية عن طرق تعذيب وصفت بالوحشية استخدمتها مليشيا الحوثي مع المختطفين من بينها تعليق السجناء من أعضائهم التناسلية، وبأصفاد حديدية لأيام عدة، وضرب رؤوسهم بالجدران، وجلدهم عراة، وتقليع أظافرهم، وتمزيق شعرهم، والوقوف فوق أجساد السجناء، وتذويب زجاجات بلاستيكية على رؤوس المعذبين وأرجلهم، وطرق أخرى.

 

وقبل التئام المشاورات وقعت الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا والمتمردين الحوثيين اتفاقاً بشأن الأفراج عن المعتقلين والأسرى، وفي مشاورات السويد أقر الطرفين آلية لنقل الأسرى جوا وسيكون مطارا صنعاء وسيئون هما المحطتان اللتان سيتم فيهما التبادل وسيؤمن هذه العملية منظمة الصليب الأحمر الدولية.

 

وطبق تصريحات صحفية فإن العملية ستأخذ قرابة الأسبوعين قبل التنفيذ النهائي فيما تقول مصادر صحفية أخرى إن الأمر قد يأخذ قرابة 48 يوما، حيث سيتم فحص الأسماء والتحقق من وضعها.

 

وقال عضو الوفد الحكومي الى المشاورات عسكر زعيل إن التاسع من يناير المقبل سيكون موعد إطلاق أول دفعات المعتقلين والأسرى.

 

وأثار الإتفاق انتقادات شديدة في الأوساط الشعبية والحقوقية، وتكريس استخدام المدنيين ورقة للمساومة للإفراج عن مقاتلين متورطين بارتكاب جرائم أو قبض عليهم أثناء معارك.

 

مخالف للاتفاقات الدولية  

الرئيس التنفيذي لمنظمة سام للحقوق والحريات، المحامي توفيق الحميدي، وصف صفقة تبادل الأسرى والمعتقلين بين الحكومة الشرعية والحوثيين بأنها " مخالفة للاتفاقات والمعايير والقوانين الدولية".

 

وقال الحميدي لـ الحرف 28 " إن الإتفاق "ساوى  بين المدنيين بدرجة أساسية الذين اختطفوا من منازلهم وحقولهم والشوارع وبين مقاتلين يحملون السلاح في الجبهات".

 

مع ذلك فقد وصف تلك الصفقة والاتفاق بـ "الخطوة الجيدة وتخلق نوعا من التفاؤل والأمل" مشيراً إلى أن الجانب الانساني هو "الذي دفع بهذه الصفقة ".

 

وتقر الحكومة اليمنية بأن تبادل أسرى الحرب بالمعتقلين والمخطوفين هو في حد ذاته إخلال بميزان العدالة ويعد تنازلا واضحا من قبل وفد الحكومة الذي فضل أن ينظر الى المسألة من الزاوية الإنسانية.

 

وقال مصدر في الوفد الحكومي لـ" الحرف 28"   إن تجاوز وفد الشرعية لهذا الأمر "نابع من حرصه على انقاذ الابرياء من الزنازين والمعتقلات التي يتلقون فيها صنوف من الأذى النفسي والتعذيب الجسدي ، ومراعاة للوضع النفسي لأسرهم ،،فنحن نعلم ان معتقلينا يعاملون بطريقة قاسية ومهينة وخارجة عن كل الاخلاقيات والقوانين والاعراف والقيم والتقاليد".

 

ويرى المحامي توفيق الحميدي أن الظرف المحيطة بالإقليم شجعت في إبرام هذا الإتفاق وأن "الأمم المتحدة التقطت الظرف الإقليمي بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي ودعت إلى ضرورة وقف الحرب في اليمن وتخفيف المعاناة، لذلك سعت بقوة لتحدث تقدم واختراقاً في جدار هذه الأزمة خاصة في ظل انعدام ثقة كامل".

 

كان وفد الحكومة اليمنية طالب المبعوث الأممي مارتن غريفيث، بوضع ضمانات واضحة يلتزم فيها المتمردون الحوثيون بعدم تكرار الاختطافات للمواطنين" حتى لا يصبح اختطاف الناس من بيوتهم وتقييد حرياتهم مسألة معتادة لمبادلتهم بأسرى حرب، ولضمان إطلاق الميليشيا الأسماء ثم العودة لاعتقالهم أو اعتقال أقربائهم أو اعتقال بدائل لهم".

 

كما طالب الفريق الحكومي أن يتضمن الاتفاق الإفراج عن الصحفيين وعدم تقييد حريات الصحافة والصحفيين وإيقاف حجب المواقع الاخبارية وإعادة مقرات الصحف والقنوات والإذاعات التي تمت مصادرتها عقب الانقلاب.

لكن الإتفاق مضى دون الإلتفات الى هذه المطالب والضمانات.

 

ويقول الرئيس التنفيذي لمنظمة سام للحقوق والحريات، إن عدم أخذ ضمانات في ملف الأسرى والمعتقلين "إشكالية كبرى"، مشدداً على ضرورة إتمام عملية التبادل وفق حزمة متكاملة تضمن عدم تكرار مثل هذه الاعتقالات.

 

ويقول المحامي الحميدي، "لابد من ضمانات تضمن عدم اعتقال من تم الافراج عنهم وتضمن عدم اعتقال المدنيين مستقبلاً والا ماذا استفدنا".

 

ويضيف: إذا كانت جماعة الحوثي ستطلق 8 ألف أو حتى 20 ألف مقابل 7 ألف مقاتل ثم تستمر هذه الحرب وعندما تجد أن لديها أسرى كُثر تقوم باعتقال عدد مماثل ثم تسعى بعدها إلى تبادل أسرى مقاتلين بمدنيين.

 

ويرى المحامي المقيم في جنيف أن تكرار ذات السيناريو في ملف الأسرى والمعتقلين "سنظل ندور في حلقة مفرغة ونستهلك الكثير من الجهود وبالتالي يجب على الحكومة الشرعية والمنظمات الحقوقية والأمم المتحدة وضع ضمانات صارمة وحازمة".

 

بحسب الإتفاق فإن قائمة الأسرى والمعتقلين ستظل مفتوحة وسيتم تحديثها أولاً، بأول، وفقاً للبلاغات، والأرجح أن عبدالكريم الإرياني سيكون واحداً من الأسماء التي ستضاف الى قائمة المختطفين المطلوب مبادلتهم بمقاتلين حوثيين بينما حبرالصفقة التي توصف بالسوداء لم يجف بعد.