سفينة ترسو في ميناء الحديدة على البحر الأحمر (رويترز)

لماذا كل هذا الاهتمام الدولي بمدينة «الحُديْدة» اليمنية، وهل ينجح اتفاق السلام في طيِّ سنوات من الحرب؟

تمخَّضت جهود دبلوماسية مكثَّفة من جانب الأمم المتحدة على مدى أسابيع، إلى جانب الضغوط الغربية، عن انفراجة في جهود إحلال السلام في اليمن، عندما اتَّفق طرفا الصراع، الأسبوع الماضي، على وقف القتال في مدينة الحديدة الساحلية، وسحب القوات.

ويكمن التحدي في تأمين انسحاب منتظم للقوات والجماعات المسلحة من الحديدة، وسط غياب عميق للثقة بين الطرفين. ويشكل ميناء الحديدة شريان حياة لملايين من اليمنيين، الذين يواجهون بالفعل خطر المجاعة.

 

وفي الوقت ذاته يتعيَّن على الأمم المتحدة التحضير لمناقشات مهمة تستهدف التوصل لهدنة أوسع نطاقاً، وإطار عمل لإجراء مفاوضات سياسية لإنهاء الصراع.

وتخوض الحرب المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات، التي أودت بحياة عشرات الآلاف، حركة الحوثي المتحالفة مع إيران، في مواجهة قوات يمنية تقاتل بدعم من التحالف بقيادة السعودية، لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، المعترف بها دولياً إلى السلطة.

ومن المقرر أن يبدأ طرفا الصراع في تنفيذ وقف إطلاق النار في الحديدة، اعتباراً من يوم الثلاثاء المقبل، بعد أن كان الحوثيون قد طردوا حكومة هادي من العاصمة صنعاء في 2014.

 

وتتعرَّض السعودية والإمارات، اللتان تقودان التحالف، لضغوط من حلفاء غربيين، من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا، لإنهاء الحرب في اليمن. كما تعرَّضت الرياض لمزيد من الضغوط منذ قتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول. وتقدم واشنطن ولندن أسلحة ومعلومات مخابراتية للتحالف.

لماذا «الحديدة» مهمة إلى هذا الحد؟

يعتبر ميناء الحديدة، الميناء الرئيسي المستخدم في دخول أغلب إمدادات الغذاء لسكان اليمن، البالغ عددهم 30 مليون نسمة، وهي المنطقة التي تركَّزت فيها المعارك هذا العام، مما أثار مخاوف عالمية من أن هجوماً شاملاً قد يتسبَّب في قطع خطوط الإمداد، بما يؤدي إلى مجاعة.

حيث يعاني نحو 15.9 مليون نسمة في اليمن بالفعل من جوع حاد، بسبب الحرب والانهيار الاقتصادي الذي نجم عنها.

 

ويسيطر الحوثيون حالياً على المدينة، وتحتشد قوات يمنية يدعمها التحالف على مشارفها بهدف السيطرة على الميناء. في الوقت الذي تسعى فيه تلك القوات لإضعاف حركة الحوثي، من خلال قطع طريق الإمداد الرئيسي لها.

ويريد التحالف، الذي يعاني من حالة جمود عسكري في الميدان، تأمين الساحل المطل على البحر الأحمر، وهو أحد أهم طرق التجارة في العالم لناقلات النفط.

وسيطر التحالف على ميناء عدن جنوبي البلاد، في 2015، إضافة إلى سلسلة من الموانئ على الساحل الغربي، لكن الحوثيين يسيطرون على أغلب المدن والبلدات اليمنية المأهولة بالكثير من السكان، بما يشمل الحديدة وصنعاء.

 

ويقول محللون إن تنفيذ الاتفاق مهم، لأن أي تباطؤ في الزخم الحالي قد يستغله التحالف ذريعة لاستئناف الهجوم على الحديدة.

إذاً إلى أين وصلت الأمور الآن؟

المبعوث الدولي الخاص باليمن مارتن جريفيث، قال وقت إعلان الاتفاق، يوم الخميس الماضي، إن الوحدات العسكرية ستبدأ في الانسحاب من الميناء «خلال أيام»، ثم من المدينة في وقت لاحق. وسيجري نشر مراقبين دوليين، وستنهي الوحدات المسلحة انسحابها الكامل خلال 21 يوماً.

وحشدت الإمارات آلافاً من القوات اليمنية على مشارف الحديدة، وتتألف تلك القوات من انفصاليين جنوبيين، ووحدات محلية من السهول الساحلية المطلة على البحر الأحمر، وكتيبة يقودها أحد أقرباء الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.

وستُشرف لجنة ترأسها الأمم المتحدة، وتضم أعضاء من الطرفين، على عملية انسحاب الوحدات المسلحة. وقالت الأمم المتحدة إنها ستلعب دوراً رئيسياً في الميناء، لكن الاتفاق لم يحدد مَن سيتولى إدارة المدينة.

وفي تعليقات تشير إلى احتمال نشوب القتال في الحديدة مجدداً، قال كل من الطرفين إنه سيدير المدينة في النهاية.

 

وطلب جريفيث من مجلس الأمن الدولي الإسراع في إصدار قرار يؤيد نشر بعثة مراقبة قوية، يرأسها الميجور جنرال الهولندي المتقاعد باتريك كامييرت.ويعمل المبعوث أيضاً على تنفيذ خطوات أخرى لبناء الثقة، من خلال حلّ قضايا لا تزال عالقة من الجولة الماضية من محادثات السلام، ومنها إعادة فتح مطار صنعاء ودعم البنك المركزي.

ما الخطوة التالية نحو السلام؟

ومن المقرر عقد جولة محادثات ثانية، في يناير/كانون الثاني، بهدف إعداد إطار عمل للمفاوضات وهيئة حاكمة انتقالية.

ويقول محللون إن الحوثيين الذين ليست لهم شعبية في الجنوب، يريدون دوراً قوياً في الحكومة اليمنية، وإعادة بناء محافظة صعدة، معقلهم في شمالي البلاد.

ويقول المحللون إن السعودية بوسعها قبول دور سياسي للحوثيين إذا ألقوا السلاح، وتقول الرياض إنها لا تريد قرب حدودها حركة مسلحة مثل جماعة حزب الله اللبنانية المتحالفة مع إيران.

وقال آدم بارون، المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية: «سيكون من المهم حين نتقدم إلى الأمام أن يتم ضمّ الفصائل الرئيسية التي لا تزال مستبعدة من العملية حتى الآن».

 

إلى ذلك، أجبرت الثورة الشبابية اليمنية في عام 2011 صالح على التنحي، بعدما انقلب عليه بعض من حلفائه السابقين، ووقع انشقاق في الجيش. وانتخب نائبه هادي لفترة انتقالية لمدة عامين، للإشراف على انتقال ديمقراطي، لكن العملية انهارت.

وفي عام 2014، سيطر الحوثيون على صنعاء بمساعدة موالين لصالح، وأجبروا هادي على تقاسم السلطة. وعندما طرح دستور اتحادي رفضه الحوثيون، وألقوا القبض على هادي في عام 2015، لكنه تمكَّن من الهرب إلى عدن، ثم دخل التحالف الحرب لنصرة هادي وحكومته.