أطفال بلا أطراف

مستقبل اليمن الكسيح.. صور مروعة لأطفال "بلا أطراف" تدق أجراس الإنسانية!

تعز – رانيا عبدالله:

اختطفت شظية قذيفة وقعت بمنطقة كلابة شرق تعز، ساق الطفل حامد رزاز ذي الـ11 عاماً، عندما كان يلعب أمام منزله، مع رفاقه الذين لاذوا بالفرار فور سماعهم القذائف تنهال على منطقتهم، بحسب والده، الذي قال لـ”المشاهد”: “نزل خبر بتر ساق ولدي علي كالصاعقة.

حاولت أن أتمالك نفسي أمامه وأمام والدته، وأن أرضى بالقدر، لكن نفسية طفلي تصيبني بالإحباط، فهو لم يتقبل وضعه الحالي، وهو دائماً عصبي وانطوائي بعد الحادث”.

وتابع بألم: “سافرت بابني إلى مدينة عدن، لتركيب طرف صناعي له، لكن لم يتقبله نتيجة ثقله وصعوبة الحركة به، ودائماً يصر أن نخلعه، ويستعين بالعكاز ليتحرك”.


معاناة الطفل يونس ذي الـ10 أعوام، أشد من حامد، بعد أن فقد ساقه وذراعه بقذيفة مماثلة وقعت في منطقة حوض الأشراف الواقعة بالجهة الشرقية لمدينة تعز، كما تقول.


يونس الذي خرج في مهمة جلب الماء لوالدته، عاد إلى منزله بكرسي متحرك، وفق والدته التي بدت حزينة وهي تسرد لـ”المشاهد” تفاصيل الحادثة التي كان يونس ضحيتها.


وسجل مركز الأطراف الصناعية والتأهيل الطبيعي بمستشفى الثورة الحكومي بتعز 54 طفل، بينهم 19 طفلة بترت أطرافهم نتيجة الحرب، من منتصف العام 2016 وحتى منتصف العام 2018، تم تركيب أطراف صناعية ل13 طفل بالمركز وفق البيانات الصادرة عنه.

صعوبة الحصول على الأطراف الصناعية

حامد طفل من تعز بترت قدمه بعد اصابته اثناء الحرب

الأطفال: ملاك ونهلة ووجدي وآلاء، يعيشون بأطراف مبتورة أيضاً، نتيجة القذائف التي انهالت على أحيائهم السكنية في مدينة تعز، ونفسية منكسرة تلازم حياته اليومية، وفق ما وثقه “المشاهد” مع ذويهم، الذين أكدوا معاناة أطفالهم في رحلة البحث عن أطراف صناعية من المركز الوحيد في مدينهم.


ويعجز مركز الأطراف الصناعية بمستشفى الثورة الحكومي بتعز، عن تقديم خدماته لمن فقدوا أطرافهم في المدينة، بحسب الدكتور يوسف أحمد الأمير، نائب مدير المركز، الذي أكد أن مركز الأطراف بحاجة شديدة إلى الدعم ليتمكن من تقديم خدماته الطبية لجميع متضرري الحرب، وخصوصاً شريحة الأطفال، مشيراً إلى أهمية وجود وحدة الدعم النفسي في المركز لمعالجة الآثار النفسية للأطفال المصابين.


ويحتاج المركز لأطراف صناعية ذاتية الحركة تتواكب مع العصر الحديث، حتى يستطيع الطفل تحديداً تقبلها، كما يقول الأمير، مستطرداً: “الأطراف التي تتوفر في المركز تعتبر بدائية، وحجمها كبير، ووزنها ثقيل، لا تتلاءم مع حجم جسم الطفل، ولا يستطيع تقبلها، أما الأطراف الحديثة المتواجدة بالخارج، والتي نأمل أن يتم دعم المركز بها، فهي تتناسب مع الأطفال من حيث حجمها ووزنها”.


ويوكد الدكتور الأمير أن كادر مركز الأطراف بتعز قادر على العمل وفق الآليات الحديثة، موضحاً بالقول: “سافرت إلى دولة الهند بصحبة مدير المركز و4 من الكوادر في المركز، للتدريب والتأهيل، لمدة 3 سنوات، وعندنا القدرة على التعامل مع الآليات الحديثة في حال تم دعمنا بها، علماً أن تكاليف السفر والتركيب لطرف صناعي لجريح واحد، تكفي لـ4 مصابين داخل المركز إذا ما تم توفير المقومات المطلوبة للمركز للعمل وفق آليات حديثة كالخارج”.

معاناة نفسية

الطفلة من مدينة تعز بترت ساقها نتيحة اصابتها اثناء الحرب

يعاني الأطفال مبتورو الأطراف من اضطرابات نفسية ونوبات اكتئاب، بحسب الدكتور جبريل عزي البريهي، أستاذ الصحة النفسية بجامعة تعز، مشيراً إلى أن الإعاقة واحدة من القضايا ذات الأبعاد النفسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية التي أصبحت محط اهتمام المجتمعات المختلفة وعنايتها، لأنها لا تشكل عبئاً على المعاق وأسرته فحسب، بل إن آثارها تمتد لتطال قطاعاً كبيراً من المجتمع، فقد اتفق كثير من العلماء على أن الإعاقة على اختلاف أنواعها، ذات تأثير واضح على سلوك الطفل وتصرفاته، فالشعور بالنقص الناشئ عن القصور العضوي، يصبح عاملاً من العوامل النفسية التي تؤدي إلى إعاقة النمو النفسي للطفل، والذي بدوره قد يؤدي إلى حدوث آثار نفسية قد ينتج عنها تغيرات كبيرة في شخصية الطفل، كما يقول.


ويضيف البريهي: “هناك العديد من الآثار النفسية التي يعانيها الطفل جراء إصابته بإعاقة نتيجة بتر أحد أطرافه أو أكثر، وحدوث بعض المشكلات النفسية لديه، كالخوف والخجل والعزلة أو الانطواء والتهيج وسرعة الغضب، وأحياناً الكذب والإحساس بالتهديد والخطر والاكتئاب والخمول وقلة النشاط، واضطراب السلوك بحيث يصبح أكثر عدوانية، وحدوث مشاكل في النطق، وكذلك التسرب من المدرسة، وشرود الذهن، وشعور الطفل بآلام نفسية وجسمية تتمثل في الصداع والآلام في المعدة، والشعور بالدونية، والشعور بالدوار والإغماء”.

الطفلة ملاك بترت يدها

ويقول الناشط الحقوقي ماهر العبسي: من خلال عملنا كراصدين حقوقيين في مجال حقوق الإنسان، نجد الكثير من الأطفال تتأزم نفسياتهم، فيرفضون الاختلاط بالآخرين أو الذهاب إلى المدارس لمواصلة تعليمهم، ويتصرفون بعدوانية، والسبب عدم الدعم النفسي للأطفال بعد إصابتهم، وعدم وجود مراكز تهتم بالجانب النفسي للطفل المصاب.


ويحتاج الطفل المصاب بإعاقة نتيجة الحرب الراهنة، بشدة، إلى دعم نفسي حتى يستطيع أن يتعايش مع وضعه الراهن، ويمارس حياته، لكن مع الأسف الشديد لا يوجد في المركز وحدة للدعم النفسي لتأهيل الأطفال، بسبب شحة الإمكانيات، وفق قول الدكتور الأمير.

تجاهل السلطة المحلية

السلطة المحلية لم تولِ أي اهتمام لهذه الشريحة الهامة من المجتمع بعد تعرضهم لإصابات، قد تدمر حياتهم للأبد ما لم يتم تدارك الأمر والاهتمام بهم أو تسفيرهم للخارج لتركيب أطراف صناعية ملائمة للأطفال، وتقديم الدعم النفسي الدائم ليتمكن الأطفال من الحياة بشكل سليم، كما يقول العبسي.


ويقول الدكتور الأمير إن السلطة المحلية تتقاعس عن أداء دورها والاهتمام بالمركز الوحيد في المحافظة لأهميته في ظل الحرب نتيجة لازدياد عدد المصابين، مضيفاً: “حتى إذا تم تسفير المصابين للخارج، فيحتاجون لمتابعة حالتهم بالمركز، حيث لا تنتهي حاجة المصاب للمركز بعد عودته من السفر وتركيب طرف صناعي”.


ويدعو العبسي أطراف الصراع إلى الكف عن استخدام المقذوفات للأحياء السكنية وزراعة الألغام التي تنتج عنها العديد من الضحايا، والقنص المباشر الذي نتج عنه الكثير من هذه الإعاقات، راجياً أن يضغط المجتمع المدني والجهات الحقوقية والمنظمات الدولية، على جهات وأطراف الصراع في مدينة تعز تحديداً، للتوقف عن استهداف المدنيين الأبرياء.

المشاهد نت