أرشيفية

البحث في فرص نجاح وفشل اتفاقية ستوكهولم.. هل يصمد اتفاق الحديدة أولا؟

أعلن المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، أن هدنة وقف إطلاق النار في محافظة الحديدة بدأ سريانها اليوم الثلاثاء (18 ديسمبر/ كانون الأول). في الوقت الذي أكد فيه سكان محليون أن المدينة الساحلية شهدت اليوم هدوء غير مسبوق، لكنه ما يزال تحت وصف "الهدوء الحذر"، حيث لم تخل الهدنة من بعض الخروقات الطفيفة.
 
وانتهت مشاورات السلام بين الأطراف اليمنية في السويد الخميس الفائت بـ"اتفاق ستوكهولم" الذي شمل عدد من الملفات، كان على رأسها ملف محافظة الحديدة ومينائها الذي يعتبر المنفذ الرئيسي لإيصال المساعدات الإنسانية والاغاثية إلى اليمن. وذلك ربما كان الأهم بالنسبة للأمم المتحدة في سياق تبرير اهتمامها بهذا الملف بشكل خاص من وجهة نظر إنسانية.
 
وقضى الاتفاق، الذي توسط به المبعوث الأممي الخاص إلى اليمن مارتن غريفيث، بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين، على وقف إطلاق النار بمدينة الحديدة، والذي بدأ سريانه ابتداء من الثلاثاء، وفقا لبيان صدر اليوم عن المبعوث الأممي.
 
ومن الناحية الإنسانية والإغاثية، نص الاتفاق على تعزيز وجود الأمم المتحدة في مدينة الحديدة وموانئها، وتسهيل حرية الحركة للمدنيين والبضائع، وفتح الممرات لوصول المساعدات الإنسانية، وإيداع جميع إيرادات الموانئ في البنك المركزي-بالحديدة.
 
ومن الناحيتين العسكرية والأمنية، نص الاتفاق على إعادة الانتشار العسكري خارج المدينة والميناء، مع الالتزام بعدم استقدام أي تعزيزات عسكرية إلى المدينة من كلا الطرفين، إلى جانب إزالة جميع المظاهر العسكرية في المدينة، وتسليم الأمن فيها للسلطة المحلية والأمنية التي كانت موجودة قبل سيطرة الحوثيين عليها في 2014.
 
وأكد مبعوث الأمم المتحدة غريفيث في بيانه اليوم الثلاثاء أن "لجنة تنسيق إعادة الانتشار، وهي اللجنة المشتركة المسؤولة عن تنفيذ اتفاق الحديدة، سوف تباشر عملها في التو لتحويل الزخم الناتج عن مشاورات السويد الى واقع ملموس على الأرض".
 
وتتشكل لجنة تنسيق إعادة الانتشار من الطرفين اليمنيين بالتساوي برئاسة الأمم المتحدة، ومهمتها مراقبة عملية وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار. كما ستشرف لاحقا على عملية إزالة الألغام التي زرعها الحوثيون في مدينة الحديدة وكافة موانئها.
 
خضوع نهائي أم مناورة جديدة

ومع أن الاتفاق حظي بترحيب محلي واقليمي ودولي، إلا أنه تعرض لانتقادات بسبب عدم وضوح تفاصيله التي يعتقد البعض أنها تُركت عرضة لتأويلات كل طرف لمصلحته الخاصة. الأمر الذي جعل البعض يعتقد بصعوبة تنفيذه على أرض الواقع. 
 
وشكك رئيس مركز أبعاد للدراسات، عبد السلام محمد، من نوايا الحوثيين وراء قبولهم بالاتفاق، وبالتالي فرص التزامهم به. وقال لـ"يمن شباب نت": "بالعودة الى كل المفاوضات مع الحوثيين، فان الدافع دائما من دخولهم المفاوضات هو استعادة النفس وليس السلام".
 
ويعتقد محمد أن اتفاق الحديدة تم بفعل الضغط العسكري الكبير من قبل القوات الحكومية خلال الفترة الأخيرة، مضيفا "وافق الحوثيون اضطراريا على دخول طرف ثالث في الإشراف على الميناء، بعد أن تكبدوا خسائر فادحة، وعندما شعروا بدنو هزيمتهم عسكريا".
 
وكانت القوات الحكومية اليمنية استعادة السيطرة على عدد من المديريات جنوب وجنوب - شرق محافظة الحديدة في عمليات عسكرية متوالية منذ شهر يونيو/ حزيران الماضي. والشهر الماضي أعلنت انه لم يتبقى بينها وبين استعادة ميناء الحديدة سوى بضعة كيلو مترات، بعد أن وصلت إلى وسط المدينة الرئيسية، عاصمة المحافظة التي ظلت بكاملها خاضعة لسيطرة مليشيات الحوثي منذ 2014.
 
ويرهن رئيس مركز أبعاد، فشل الاتفاق الأخير من نجاحه على إرادة الحوثيين أنفسهم، فيما إذا كانوا يرغبون فعلا بتفادي المزيد من الخسائر بالحديدة بشكل نهائي، أم أنهم فقط يناورون في عملية تفاوضية طويلة بهدف استعادة أنفاسهم وترتيب صفوفهم لتغيير الواقع على الأرض.
 
ويجدد محمد تأكيده على أن الحوثيين "لا يذهبون للسلام من أجل السلام، وانما من أجل الاستعداد لجولة حرب جديدة، يكونوا فيها قد استطاعوا استعادة انفاسهم وتجنيد مقاتلين جدد والحصول على سلاح".
 
سلبيات وايجابيات الاتفاق 

وتعد مشاورات السويد رابع جولة من المشاورات بين الفرقاء اليمنيين. حيث كانت الجولتان الأولى والثانية في مدينتي جنيف وبيل السويسريتين على التوالي في 2015، تلتهما الجولة الثالثة في الكويت (2016)، فيما فشلت جولة أخرى كان يفترض أن تعقد في جنيف في شهر سبتمبر/ أيلول الماضي، لكن وفد الحوثيين لم يحضرها.

ويعتقد "محمد" أن التحالف العربي والشرعية اليمنية يجدون في هذا الاتفاق "تخفيفا من حالة الضغط الدولي عليهم، ومن ناحية أخرى لتجنيب ميناء ومدينة الحديدة الدمار الكبير، إلى جانب تخفيف الملف الإنساني من خلال إطلاق سراح المختطفين وتسهيل وصول المواد الاغاثية".
 
أما بالنسبة للحوثيين، يضيف: "فالاتفاق يجنب سقوط الحديدة عسكريا من أيديهم، خاصة بعد أن وصل التحالف والجيش على مقربة من الاستيلاء على الميناء".
 
ويرى أن الانعكاس السلبي على الحكومة الشرعية يتمثل "باهتزاز بعض الثوابت لديها، وبالذات ما يتعلق بالقرارات الدولية"، مستدركا: "وأصبح بإمكان الامم المتحدة طلب استصدار قرار ملزم جديد لتطبيق اتفاق السويد بشأن الحديدة".

الأمر الذي- في نظر رئيس مركز أبعاد للدراسات: "يساوي بين الحكومة الشرعية في اليمن، مع سلطات الأمر الواقع بفعل الانقلاب".
 
ويتفق معه، أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة صنعاء، الدكتور عبد الباقي شمسان، من أن الضغط الدولي والدبلوماسي على الأطراف اليمنية "أجبرهم على الذهاب نحو مشاورات السويد".
 
وبالنسبة للحوثيين- بشكل خاص- يقول شمسان لـ"يمن شباب نت"، فقد رأوا أن هذا أفضل توقيت لهم، لتثبيت مكانتهم كطرف وحيد في جغرافية صنعاء".
 
ويضيف: "وهذا يعني أن هناك استراتيجية للحفاظ عليهم (أي الحوثيين) من قبل الدول الغربية والراعية للمفاوضات. لذا رأى الحوثيون أن في مشاركتهم في المشاورات فرصة للاعتراف بهم كطرف وحيد، وبأنهم لم ينهزموا في الحديدة أو بقية الجغرافية الخاضعة لسيطرتهم".
 
وبشأن التزام الأطراف بالاتفاق، يعتقد شمسان، كما هو حال رئيس مركز أبعاد للدراسات، ومثلهما الكثير من المراقبين، أن "الحوثيين لن يلتزمون بالاتفاقيات، سواء في تسليم الأسرى أو الانسحاب من الحديدة"
 
حيث يرى شمسان أنهم (الحوثيون) "حققوا الهدف فقط". وبالتالي- يضيف: "سندخل في مناورات حول تفاصيل صغيرة وجزئية تتمثل بانسحاب الطرفين، والتعامل بنديه مع التحالف والسلطة الشرعية...".
 
ويعتقد أنه في حال جرى انسحاب الطرفين من الحديدة "فذلك سيعني أن ايجاد تسوية وسلام، لن يكون في المتناول خلال الايام القريبة".
 
ويتوقع شمسان أن قرار مجلس الامن المرتقب وتوجهات الغرب "تسعى الى القطع مع المرجعيات الثلاث، وايجاد تسوية جديدة، وادخال مجموعة جديدة من أطراف النزاع، تتمثل بالحراك الجنوبي والحوثيين، كطرف رئيس. وسيتوجب على السلطة الشرعية- كطرف- أن تسلم السلطة الى حكومة وحدة وطنية".
 
وعليه، يرجح أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة صنعاء، أنه في هذه الحالة "لن تقبل جميع المكونات بما تم الاتفاق عليه، وسندخل في مرحلة من الّلاسلم  والّلاحرب".
 
صراع دولي واقليمي

ولاتزال الأطراف اليمنية في محل خلاف بشأن عملية إدارة المحافظة من الناحية الأمنية والإشراف على موانئ الحديدة. حيث يقول الحوثيون إن السلطات الحالية- الموالية لهم- ستكون المسؤولة عن إدارة الموانئ والمدينة الاستراتيجية. فيما تقول الحكومة إنها السلطات الرسمية التي كانت تدير المحافظة عام 2014 (كما ينص الاتفاق)، وليس السلطات الحالية المستحدثة.
 
وخلال إحاطته المقدمة إلى مجلس الأمن الدولي الجمعة الماضية، طالب المبعوث الأممي إلى اليمن من المجلس بإنشاء "نظام مراقبة" لمراقبة تطبيق اتفاق الحديدة بين طرفي النزاع.
 
وأوضح غريفيث، ضمن احاطته، أن الجنرال الهولندي باتريك كامارت، الذي سبق وأن قاد بعثات للأمم المتحدة، وافق على ترؤس آلية المراقبة هذه، مضيفا أنه من المرتقب وصوله "منتصف الأسبوع المقبل الى المنطقة".
 
وفي تعليقه على ذلك، يرى الدكتور عبد الباقي شمسان، أن دخول متغير المجتمع الدولي الى الحديدة "يعني أن اليمن ستكون بلا سلطة مركزية ولا وحدة وطنية، بل يعني وجود دولي، وهناك مرحلة اللاسلم واللاحرب لفترة قد تمتد الى عقد" حسب توقعه.
 
وأضاف: نحن أمام مرحلة ما يسمى بالمرحلة الصومالية هدفها الاستنزاف"، إلى جانب أن الغرب- كما يقول "يريد استنزاف السعودية وبقائها في قلق دائم. وبالتالي لا اعتقد أن المعركة ستنتهي".
 
ويشير إلى أن تدخل الدول الراعية للمشاورات بشكل سريع كطرف دولي الى ميناء الحديدة "سيكون هدفها المستقبلي هو الممرات البحرية، لأنها تدرك أن اليمن سيكون لعقد في وضعية غير مستقرة ".
 
ويخلص إلى أن المسألة اليمنية "لم تعد محلية بحتة، بل هناك صراع دولي واقليمي. وهناك ترتيب لليمن وفقاً لخارطة الشرق الأوسط، وأن تبقى محل استنزاف للمملكة العربية السعودية، وتمهد لإيجاد عدو يتمثل في إيران. وهذا العدو ينبغي ان يكون له أذرع والمتمثل بالحوثيين".