أرشيفية

تقرير للجارديان يكشف "3 أهداف خفية" للإمارات في اليمن.. كيف استفادت من الحرب؟!

كشفت صحيفة الغارديان البريطانية الدور الخفي الذي تلعبه الإمارات في مدينة عدن (جنوب اليمن) من أجل فرض أجندتها واستراتيجيتها، وفي ظل حكومة "محمد بن زايد" المتشددة، والتي تهدف إلى ترسيخ الإمارات كقوة إقليمية.
 
وخلص الملف الصحفي المطول وترجم نصة "يمن شباب نت" أن لدى الإمارات ثلاث مهام مركزية منفصلة عن دعمها للتحالف السعودي. أولاً: سحق الإسلام السياسي بأي شكل. ثانياً: السيطرة على خط الساحل ذو القيمة الاستراتيجية للبحر الأحمر - عبر مضيق ضيق في القرن الأفريقي حيث أنشأت الإمارات بالفعل قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا. وثالثا: تطوير وتعزيز قواتها الخاصة التي تدرب وتشرف على وكلاء محليين مثل قوات الحزام الأمني.
 
ونقل الصحافي البريطاني "غيث عبد الأحد" مراسل «The Guardian» الصورة الكاملة للأوضاع في جنوب اليمن، وكشف كيف يعامل الإماراتيون السكان الرافضين للانفصال من خلال الأجهزة الأمنية التي كونتها أبو ظبي ودعمتها لأجل هذا السبب تحت ذريعة محاربة التنظيمات المتطرفة.
 
«يمن شباب نت» ترجم نص التقرير ويعيد نشر
 
قبل سنوات، كان "أيمن عسكر" في سجن جنوب اليمن قضي عقوبة السجن مدى الحياة بتهمة القتل. وهو الآن رجل ثري وبارز تقطع علاقاته الخطوط العديدة للحرب الأهلية المنقسمة التي دمرت البلاد. مؤخرا تم تعيين عسكر رئيساً للأمن في منطقة كبيرة في مدينة عدن الساحلية الجنوبية - من قبل الحكومة اليمنية، والتي تقصف بالنيابة عنها المملكة العربية السعودية، البلاد منذ ثلاث سنوات ونصف.
 
لكن عسكر أيضاً صديق وحليف لدولة الإمارات العربية المتحدة - الشريك الأكثر عدوانية في التحالف الذي تقوده السعودية والذي يقاتل من أجل استعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي، الذي أُجبر على ترك منصبه من قبل التمرد الحوثي في عام 2015.
 
لقد اجتذب السعوديون الجزء الأكبر من استياء العالم لتدخلهم الدموي في اليمن، لكن الإمارات تلعب دورًا أكثر قوة على الأرض - حيث حلفائها في الجنوب، بمن فيهم المليشيات المحلية والمقاتلين السلفيين والانفصاليين في جنوب اليمن الذين يريدون الانفصال عن حكومة هادي، ويعُرفون بالعمل ضد وكلاء السعوديين في البلاد.
 
اليوم، يتحالف "عسكر" مع حكومة اليمن والإمارات العربية المتحدة، غير أنه منذ فترة ليست بالبعيدة كان عضوا في تنظيم القاعدة التي تشكل عدواً لكلا الدولتين.
 
وبملامحه العنفوانية وبنيته الضخمة مع رأس كبير يتربع على أكتاف عريضة وقوية، شق "عسكر" طريقه نحو التسلسل الهرمي للسلطة في السجن، فقد كان يدير متجرًا في ساحة السجن وصالة ألعاب بلايستيشن في إحدى الزنازين، مكوناً صداقة مع أقوى عصابة في السجن وهم مجموعة من نزلاء القاعدة بحيث صلى معهم وحضر دروسهم وأطلق لحيته وبدأ يرتدي ملابس مثلهم، على الرغم من أن أصدقائه يقولون إنه لم ينضم أبداً إلى التنظيم بشكل فعلي لأنه انتهازي أكثر من اللازم بحيث لن يصدق ولائه لقضية واحدة.
 
عندما غزا مقاتلو الحوثي من شمال اليمن المدعومين من إيران، الجنوب وأطاحوا بالحكومة في العاصمة صنعاء - أجبروا هادي على الفرار جنوبا إلى عدن ثم إلى المملكة العربية السعودية إلى الخارج - حينها كان عسكر لا يزال في السجن. لكن في الفوضى التي أعقبت ذلك شهدت اقتحام مقاتلو القاعدة السجن وأطلاق سراح نزلاءه لينضم عسكر بعدها إلى المقاومة محارباً ضد الغزاة الحوثيين إلى جانب أصدقائه الجهاديين، حيث عرف نفسه كقائد ميداني لا يرحم وقسم وقته بالتساوي بين القتال والنهب.
 
وبعد بضعة أشهر، تم طرد الحوثيين من عدن من خلال مجموعة من الجماعات المحلية والانفصاليين الجنوبيين والقوات الحكومية والقوات الإماراتية والسعودية. وقد وسع عسكر من اهتماماته إلى ما هو أبعد من الجهاد وفرض ضرائب حماية على الميناء وابتزاز عمولة من كل شحنة تعبر.
 
وقد أصدرت الحكومة سلسلة من مذكرات الاعتقال لكنه نجا منها جميعاً. وسرعان ما صادق ً الضباط الإماراتيين الذين وصلوا كجزء من القوات التي استولت على المدينة - وقضى فترات طويلة في دبي وأبو ظبي وأقام علاقات. وقد كوفئ على صداقته بعقد نقل مربح وانتقل منذ ذلك الحين إلى ممارسة الأعمال المربحة في نهب مساحات واسعة من الأراضي الزراعية بمحيط عدن.
 

ثراء وسلطة أمراء الحرب
 

في الصيف التقيت بـ "عسكر" بينما كان في نزهة مع أصدقاء في مزرعته شمال عدن. كانت المزرعة خصبة وخضراء وهادئة وعوالم بعيدة عن الشوارع المزدحمة والخانقة في عدن، وببراءة اللصوص أطلق النكات مع قصص من رحلته الأخيرة في الخارج حينما استأجر هو وصديق له ثلاث سيارات مرسيدس مع سائقيها، لنقلهم وزوجاتهم وأطفالهم بين منتجعات شرم الشيخ في مصر ونقلهم إلى الحدائق المائية والشواطئ ومطاعم المأكولات البحرية.
 
"كان أسبوعاً في الجنة " قالها عسكر للأصدقاء الذين تجمعوا حوله، مضيفاً "كان الأطفال سعداء للغاية ويمكن للمرء أن ينسى كل متاعب الحرب".
 
أيمن عسكر هو أحد الأشخاص الذين حققوا مكاسب جيدة من الحرب في اليمن - وهو نزاع وصفته الأمم المتحدة بأسوأ أزمة إنسانية في العالم حيث يقدر الآن أن 14 مليون شخص على الأقل معرضون لخطر المجاعة.
 
في الأسبوع الماضي، أثمرت محادثات السلام التي رعتها الأمم المتحدة في السويد وقفاً مؤقتا لإطلاق النار بين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة في ميناء الحديدة في البحر الأحمر، وهو بوابة مهمة للمساعدات الإنسانية إلى البلاد حيث يسيطر الحوثيون على المدينة منذ عام 2015، لكنها تعرضت للهجوم لعدة أشهر من قبل قوات التحالف الإماراتية السعودية، مما أدى إلى تحذيرات من كارثة إنسانية أسوأ.
 
إذا استمر وقف إطلاق النار الهش - وهو أمر غير مؤكد - سيُطلب من الجانبين سحب قواتهما من الميناء. حيث أن هدنة ناجحة في الحديدة يمكن أن تمهد الطريق للتقدم في الجولة القادمة من المحادثات المقرر عقدها في أواخر يناير. لكن الحرب لم تنته بعد، وفي الواقع، لم يعد هنالك حرب
 
واحدة فقط حيث بدأ الصراع بخصمين واضحين - التحالف الذي تقوده السعودية متحالفاً مع الحكومة في مواجهة ميليشيا الحوثي التي تدعمها إيران. لكن القوة والتمويل اللتان يتمتع بهما التدخل الخارجي - خصوصاً الإمارات العربية المتحدة - قد ساعدت في تجزئة الحرب إلى صراعات متعددة ومناوشات محلية لن تنتهي بالضرورة بأي اتفاق سلام ذلك لأن اليمن أصبح الان خليط من إقطاعات مدججة بالسلاح ومناطق فوضوية، حيث يزدهر القادة وتجار الحرب وآلاف ملوك النهب، مثل أيمن عسكر.
 
هناك حرب بين الشمال والجنوب - حيث كانتا دولتين منفصلتين ومتحاربة في كثير من الأحيان قبل عام 1990. وهناك صراع طائفي بين الزيديين الشيعة مثل الحوثيين، والسلفيين السنة، وإلى جانب خطوط الصدع الرئيسية هذه، هناك العديد من الصراعات الأصغر التي اشتعلت وتفاقمت بسبب المال والأسلحة التي توفرها قوى خارجية لأي طرف يُعتقد بأنه يخدم أجندتهم.
 
الحكومة اليمنية ومعها عشرات من الوزراء ونواب الوزراء - تعاني من خلل وظيفي وفاسد وتقيم منذ 2015 في الخارج في مجمع فندقي سعودي. لديها جيش قوامه أكثر من 200 ألف جندي على الرغم من أن العديد منهم لم يتم دفع رواتبهم أو موجودين كجنود وهميين - مجرد أسماء في القائمة رواتبهم يستلمها القادة.
 
التحالف الذي تقوده السعودية نفسه يعج بالنزاعات والمنافسات، حيث يتبع كل من أعضائه الرئيسيين أجندة منفصلة ويتآمرون ضد بعضهم. ففي تعز وهي مدينة وسط اليمن تتعرض للحصار والقصف من قبل الحوثيين منذ أكثر من ثلاث سنوات، انقسم المقاتلون في قوات التحالف إلى أكثر من عشرين فصيلاً عسكرياً منفصلاً - بما في ذلك ميليشيات محلية مدعومة من الإمارات العربية المتحدة، وكذلك عناصر تنظيم القاعدة وجهاديون آخرون في حين يتنقل بعض المقاتلين في شتى الفصائل وفقا ًلمن يدفع الأموال.
 
قبل عامين، عندما ذهب شيخ قبلي سني من البيضاء - على خط التماس التقليدي بين الشمال الزيدي والأراضي السنية الجنوبية - لطلب المساعدة من الإمارات في معركته ضد الحوثيين، أخبره جنرال إماراتي بأن الحوثيين "لم يعودوا أولويتنا أو أكبر عدو لنا". وقيل للشيخ إنه إذا كان يريد أسلحة من الإمارات، فإن عليه أن يقاتل تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة والإصلاح - وهو حزب سياسي إسلامي يلعب دورًا بارزاً في نفس الحكومة التي أرسلت الامارات قواتها إلى اليمن للدفاع عنها في ظاهر الامر.
 
حالياً هناك ثلاث قوى مختلفة تقاتل في أرجاء أراضي ذلك الشيخ، يناصر كل منها واحد أو حتى اثنين من الاطراف الرئيسية في التحالف وهم الإمارات العربية المتحدة والسعوديون والحكومة اليمنية. ويتلقى كل جيش في هذه المنطقة من التلال المقطعة والحجارة البركانية السوداء ملايين الدولارات من المعدات العسكرية والاطقم والرواتب للمقاتلين. وفي الوقت نفسه، لم يعد بإمكان المزارعين في هذه الأراضي نفسها شراء البنزين لجراراتهم حيث أضحوا يسعون وراء حصان واهن يدفعون المحاريث الخشبية بينما يصبح أطفالهم مقاتلين وميليشيات.
 
خطط وإستراتيجيات الإمارات 

يبدوا أن الإماراتيين هم أعضاء التحالف الوحيدون الذين لديهم استراتيجية واضحة حيث أنهم يستخدمون جيوشاً خاصة قاموا بتكوينها وتدريبها وتمويلها في محاولة للقضاء على كل من المتشددين الجهاديين والأحزاب السياسية الإسلامية مثل الإصلاح.
 
في الساحل الجنوبي حيث تتحالف الإمارات مع الحركة الجنوبية الانفصالية التي تعارض كلا من الحوثيين وحكومة هادي - بنا الإماراتيون سلسلة من المعسكرات والقواعد العسكرية وأسسوا ما هو في الأساس دولة موازية لها مهامها الأمنية الخاصة التي لا تخضع للمساءلة أمام الحكومة اليمنية.
 
وقد كشفت منظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش عن وجود شبكة سجون سرية تديرها الإمارات وقواتها بالوكالة، تتهم باختفاء وتعذيب أعضاء الإصلاح ومقاتلين مناوئين للحوثيين ينتمون لفصائل متناحرة وحتى النشطاء ونقاد التحالف السعودي الإماراتي. وأشار وزراء يمنيون إلى الإماراتيين على أنهم "قوة احتلال".
 
لقد شملت الاستراتيجية العسكرية السعودية المتعثرة بشكل كبير قصف المدنيين كما دفع حصارهم لموانئ اليمن ملايين الناس إلى حافة المجاعة. وفي السنتين الأخيرتين تم تقليص دورها في لعب دور صانع سلام بين حليفيها، الإمارات والحكومة اليمنية.
 
وقد تحدث الي قيادي يمني في عدن خلال الصيف الماضي بالقول "كنا نأمل أن يتدخل السعوديون لوقف حماقة الإماراتيين، لكنهم متخبطون"، مضيفاً "الحرب لا تسير على ما يرام بالنسبة لهم ولا يمكن أن يزعجهم ما يحدث في الجنوب ولذلك قاموا بتسليم هذا الملف إلى الإماراتيين".
 
إن ما قام به الإماراتيون في اليمن من إنشاء جيوش خاصة ودعم الانفصاليين في الجنوب والتخطيط لتدمير النظام السياسي مع السيطرة على الممرات المائية الاستراتيجية في البحر العربي والاحمر- يظهر كيف أن دولة صغيرة وطموحة للغاية تساهم في مد نفوذها في المنطقة والعالم.
 
لقد كانت الحرب الأهلية المدمرة التي بدأت في عام 2015 منذ سنوات في طور الإعداد لكن  الشرارة الكبرى انطلقت في عام 2011، وسط ضجيج الربيع العربي  عندما دفعت حركة احتجاج شعبية الرئيس السابق علي عبد الله صالح للتخلي عن  السلطة حيث كان صالح قد حكم من خلال نظام معقد من الفساد ورعايته لمدة ثلاثة عقود، ولكنه وخلافا لغيره من الطغاة العرب المخلوعين ،لم يذهب إلى السجن أو يفر من البلاد، فبدلاً من ذلك ، سمحت له تسوية متفاوض عليها بدقة توسطت فيها الأمم المتحدة وجيران اليمن في الخليج، بالتنحي وتجنب الملاحقة القضائية في حين تولى هادي نائبه منصب الرئيس.
 
 لكن في الوقت الذي كان يناقش فيه ممثلو مختلف الفصائل في البلاد عملية انتقال سياسي في العاصمة وفي الشمال والجنوب، كانت بعض هذه القبائل والأحزاب نفسها تحارب من أجل فرض إرادتها على الأرض، وتمزيق البلاد عن بعضها البعض ودفعها نحو حرب أهلية أخرى.
 
من بين هذه القوى المتناحرة الكثيرة، كان الحوثيون، هم الأكثر تنظيماً وإيديولوجية حيث كانوا يعتقدون أن لديهم مهمة إلهية. وكان حسين بدر الدين الحوثي، مؤسس الحركة، زعيماً دينياً زيدياً هاجم فساد نظام صالح وأعلن عن خليط من الأيديولوجية المعادية للغرب وإحياء للإسلام. (حيث يمثل الطائفة الزيدية، وهي طائفة شيعية تتواجد إلى حد كبير في اليمن وتشكل نحو ثلث سكان البلد، لكن مذهبهم الشيعي يختلف اختلافاً كبيراً عن تلك التي تمارس في إيران والعراق).
 
سيطرة الحوثيون على صنعاء

في أواخر عام 2014، خرج الحوثيون من الشمال واستولوا على العاصمة، صنعاء - بمساعدة وحدات الجيش التي كانت ما تزال موالية للرئيس صالح. وبعد فرار هادي جنوبًا إلى عدن في بداية عام 2015، اقتحم الحوثيون المدينة ودفعوه للفرار إلى الخارج. وبعد يوم واحد من ظهوره في الرياض، بدء تحالف بقيادة السعودية يضم قوات من دولة الإمارات وقطر والبحرين والسودان ومصر، بدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا، بقصف صنعاء نيابة عن الحكومة اليمنية في الخارج.
 
أجبر الحوثيون هادي على الخروج، لكنهم لم يتمكنوا من احتلال عدن بالكامل. وبين ليلة وضحاها تقريبا ً، كانت المدينة مليئة بالرجال المحليين الذين كانوا يستخدمون البنادق مع "قادتهم" - الذين تجمعوا في المدارس والمباني الحكومية والساحات.
 
 لم يكن هناك بنية منظمة حيث تجمع الأصدقاء أو النشطاء أو الجيران أو الأقارب حول زعيم محلي كارزمي أو ممول، بعضهم كانوا من السلفيين أو الانفصاليين الجنوبيين وبعضهم أعضاء القاعدة فيما كان بعض اخر مجرد شباب العاطلين عن العمل. وفي كثير من الأحيان لم تكن هناك خطوط واضحة تفصل بين هذه المجموعات إذ كان يمكن للقائد أن يكون انفصاليًا جنوبيًا وسلفيًا على حد سواء، خصوصاً وأن الكثير من الشباب الذين انضموا إلى الجماعات الجهادية لم يفعلوا ذلك بدافع الإيديولوجية، لكنهم كانوا يكرهون الحوثيين ويعجبون بتأثير الجهاديين والإمدادات الوفيرة من الأسلحة. وقد تناسوا ألاف الخلافات واتحدوا حول شيء واحد: وهو محاربة الحوثيين.
 

لم تكن كل فصائل المقاومة بلا تنظيم فقد كان السلفيون الذين أسسوا قاعدتهم في ملعب لكرة القدم متفانين ومتحمسين ومنضبطين وسرعان ما برزوا كأقوى عنصر في المقاومة ضد الحوثيين، وقد أخبرني شيخ سلفي كان على رأس قواته قبل بضعة أشهر "كان السلفيون قد اتخذوا قرارًا بمحاربة الحوثيين حتى قبل دخولهم إلى عدن" مضيفاً "بالنسبة لنا كانت الحرب دفاعاً عن طبيعة المجتمع السني. لقد حاربنا الحوثيين كقوة دينية. وخاض الجميع الحرب تحت قيادتنا. سوآء الفصائل الدينية أو الجنوبيون وشبان الشوارع أو حتى القاعدة. وفي بعض الأحيان سيتوقف الشبان عن القتال إذا لم يكن لديهم إنترنت أولم يتمكنوا من التحقق من مواقعهم على الفيسبوك".
 
وأضاف "ولأسباب طائفية وأيديولوجية، أصبح السلفيون قناة للأسلحة والأموال التي يرسلها التحالف العربي، مما مكنهم أكثر وأكثر".
 
وقد جمعت الحرب بين النزعة الانفصالية لاستقلال جنوب اليمن والسلفية والطائفية المناهضة للشيعة بحيث شكلت خليطًا متفجرًا اجتاح المدينة في حين كان أي شخص من الشماليين مشتبهاً به وتم القبض على المئات واحتجازهم في الاستاد الرياضي بتهمة أنهم عملاء حوثيين. وفي ديسمبر 2015، تم حفر مقبرتين جماعيتين في مكان قريب.
 
احتلال الحوثي لعدن استمر لمدة أربعة أشهر فقط. وبعد طردهم، كان لدى الانفصاليين في الحراك الجنوبي آمال كبيرة، فلأول مرة منذ عام 1994 – عندما هزم الشمال الجيش الجنوبي بسهولة لإنهاء محاولة الانفصال - أصبحت المدينة خالية من أي سيطرة شمالية. وباتت جميع قوات الأمن في أيدي الجنوبيين وكان لديهم أسلحة وحليف قوي هو الإمارات العربية المتحدة التي سيطرت على الجبهة الجنوبية.
 
ومع اعتقادهم بأن الإماراتيين من داعميهم، اعتقد سكان عدن أن مدينتهم سوف تصبح دبي الجديدة مزودة بالكهرباء والمياه والوظائف. وقد أخبرني المحافظ المتحمّس، وهو جنرال سابق عاد من لندن للمساعدة في إعادة بناء المدينة، أن الشركات ستدخل المدينة لتستعيد عدن مجدها السابق، أما ميناءها الذي كان راكدا ًقبل الحرب، فسيستعيد مكانته. وسيتم إعادة فتح السفارات.
 
وفي الأشهر التي تلت رحيل الحوثيين في عام 2015، تم الاحتفال بالإماراتيين كمحررين، وصارت أعلامهم تباع على أكشاك في الاسواق فيما زينت صور حكام الامارات زوايا الشوارع، وعلى الأسلحة ايضاً.
 
في الشوارع كانت الحقيقة مختلفة فقد كانت "عدن المحررة" تشبه المدن الأخرى التي دمرتها الحروب الأهلية التي أعقبت الربيع العربي، بمنظر الدبابات المحترقة والصدئة والمركبات المدرعة التي تطفو على التلال، وتطل على مدينة من الشوارع المليئة بالشوائب والمباني المدمرة الملقاة فوق بعضها البعض والخرسانة المهترئة، والفقراء الذين تركوا بلا مأوى وتحولوا إلى نازحين في مدينتهم.
 
وحلت محل ميليشيا الحوثي المهزومة عشرات من غيرهم في مدينة من دون مياه أو كهرباء أو شبكة صرف صحي. وأصبحت الحرب هي رب العمل الرئيسي، والشوارع مليئة بالمقاتلين الذين يركبون في مؤخرة شاحنات صغيرة محملة ببنادق رشاشة ثقيلة فيما كان قادة من جماعات المقاومة المتفرقة يطالبون بنصيبهم من الغنائم من مدينة مدمرة وفقيرة.
 
وقد قام أقوى هؤلاء القادة مثل "أيمن عسكر" بتأمين السيطرة على الموانئ والمصانع وأي مؤسسة مدرة للدخل، وفرض جبايات عن حمايتها في حين اكتفى القادة الأصغر حجماً بنهب الممتلكات العامة والخاصة، خاصة إذا كانت هذه الأخيرة ملكاً لأصحابها الشماليين.
 
وقد قال لي الشيخ السلفي: "لقد انتهت المعركة [بالنسبة لعدن] وتم تركنا في فوضى" واضاف "تم تقسيم المدينة إلى قطاعات، وكانت كل قوة أو ميليشيا تسيطر على جزء مختلف وتتصادم مع الآخرين".

شيخ إنفصالي في أبو ظبي

وبحلول نهاية عام 2015، أصبحت الحرب ضد الحوثيين فوضوية بسبب التنافس بين أعضاء التحالف وانتشار المليشيات التي تسيطر على مناطق البلاد وتوسع القاعدة في الجنوب. أما أحلام أهل عدن بأن مدينتهم الفقيرة سوف تزدهر بمساعدة إخوانهم الإماراتيين الأغنياء فقد خفتت متحولة إلى مشاعر استياء وإحباط. ولقد كان الشيخ السلفي مقتنعاً بأنه يجب القيام بشيء ما.
 
ومثل العديد من القادة اليمنيين، أصبح الشيخ زائرًا منتظمًا لدولة الإمارات العربية المتحدة وبات يتمتع بكرم ضيافة رعاته الجدد ويستريح من الوضع المتدهور في عدن. وخلال إحدى زياراته إلى أبو ظبي، قال إنه التقى بأستاذ مسن ومستشار لمحمد بن زايد، ولي العهد الإماراتي وقائد قواتها المسلحة حيث كان الأستاذ قد صاغ عبارة جديدة، "تخليج أو خلجنه العرب" والتي أصبحت مشهورة بين النخبة الحاكمة في أبو ظبي.
 
وبالنسبة لبقية العالم العربي لكي ينجح ذلك، وفقا للبروفيسور، فإنهم يحتاجون إلى اتباع نموذج الممالك الخليجية - بمعنى التخلي عن الديمقراطية والتمثيل الشعبي في مقابل توفير الرخاء والأمن المالي ولقد كان الشيخ السلفي متحولًا فورياً لذلك النموذج.
 
ففي إحدى الليالي في أبو ظبي، بعد وقت قصير من مقابلة الأستاذ، جلس الشيخ في غرفته الفخمة في الفندق وبدأ في كتابة رسالة طويلة لحلفائه الإماراتيين وهي خارطة طريق لإنقاذ جنوب اليمن والتدخل الذي تقوده السعودية. بعد حمد الله بدأ الجنود الإماراتيون الشجعان وقائدهم الحكيم محمد بن زايد في سرد المشاكل التي تهدد المغامرة الإماراتية في اليمن.
 
وفي بيان من 16 نقطة بعنوان "خارطة الطريق لإنقاذ عدن" دعا إلى تشكيل قوة أمنية جديدة تتألف من مقاتلين ينتمون للمقاومة وإنشاء جهاز استخبارات جديد، والشروع بتنفيذ "الخلجنة" عن طريق حظر الأحزاب السياسية ومن الناحية المثالية، حظر الانتخابات، موضحاً "كان علينا هزيمة القاعدة واستخدام الجنوب كمثال على كيفية تنفيذ الاستراتيجيات الجديدة للخليج".
 
وقد حذر من أن النزعات الانفصالية تكتسح عدن واقترح على الإمارات أن تستفيد من هذه اللحظة من خلال رعاية فصيل مخلص من الانفصاليين - وذلك جزئياً لمنع قوة أخرى مثل قطر أو إيران، من الانخراط وجذب الحركة الجنوبية.
 
وقال لي: "أنظر أنا أعمل من أجل الإماراتيين كمستشار وأريدهم أن ينجحوا" مضيفاً "مصائرنا متشابكة بحيث إذا فشلت وقررت الرحيل ستكون كارثة ستدمر عدن. أعلم أنني أحتاج إلى الإماراتيين وأنا معتمد عليهم - وفي الوقت نفسه، لست ساذجاً. وأعلم أن لديهم مشروعهم الخاص وأهدافهم ومهمتهم الخاصة، لكن لا بأس في التعاون معهم".
 
وبعد عودته إلى عدن، عمل الشيخ مع جنرال إماراتي لتكوين وتدريب قوة أمنية جديدة موالية له وقادرة على مواجهة التهديد الجهادي المتزايد. وبينما كان الجميع يطالبون علناً بمساعدة مؤسسات الحكومة اليمنية وإعادة بناء جيش حديث، كان الواقع هو أن الإماراتيين أرادوا تقوية عملائهم بحيث يستطيعون السيطرة دون تدخل من الرئيس هادي، الذين رأوا أنه عقبة - خاصة وأنه نفسه تحالف مع الإصلاح، خصم الامارات.
 
وقال الشيخ "لقد كان الجيش والشرطة اليمنيان الحاليان مؤسسات فاسدة وفاشلة ولقد أراد الإماراتيون انشاء قوة جديدة". موضحاً "كانت الخطة تنطوي على تدريب وتجهيز قوة من 3000 رجل، لكن انتهى بنا المطاف بقوة قوامها 13000 ولذلك قمنا بتقسيمهم إلى أربع كتائب". القائد العام للقوة الجديدة - والتي أطلق عليها اسم "الحزام الأمني" - وكان جميع قادة الكتائب جنوبيين وسلفيين، وكذلك بعض المقاتلين فيما أصبح الشيخ أحد كبار القادة.
 
ومع مرور الوقت، شكل الإماراتيون عدد من الجيوش المنتشرة عبر عدن وجنوب اليمن ويعمل قادتها كأمراء حرب مستقلين بامتلاكهم الدبابات والسجون والقوة الموالية لهم شخصيا بحيث لا توجد قيادة مركزية تربط كل هذه القوى، ولا تفرض الحكومة اليمنية سيطرتها عليها.
 
وبدلاً من ذلك فهم يعملون مباشرة تحت قيادة القائد العام الإماراتي، الذي يعيّن ويرفض حسب رغبته، ويوزع مكافآته وفقاً لتعاونهم وفعاليتهم. وعلى عكس وحدات الجيش الحكومي اليمني بأعدادها الضخمة وعدم اجور جنودها، يحصل المقاتلون في القوات التي تسيطر عليها الإمارات على أجورهم بانتظام وهم يرتدون ملابس أفضل ومجهزة، مع حيازتهم لأقنعة مشابهة لأقنعة التزلج السوداء والوحشية المتطرفة، إنهم يحتجزون ويذبحون ويقتلون مع الإفلات من العقاب.
 
التقيت أحد قادة الحزام الأمني في معسكره شمال عدن بالقرب من نقطة تفتيش كبيرة تفصل المدينة عن محافظة لحج المجاورة، حيث كان للجهاديين وجود قوي للغاية. وقال إنه مباشرة عندما وصل كان مقاتلو القاعدة قد سيطروا على مواقع تبعد عنه أقل من 200 متر وتمت السيطرة على المنطقة بأكملها من قبلهم.
 
وأوضح القائد كيف انتصرت قواته وقال "لقد كانت معركة صعبة". مضيفاً "على مدى أسابيع، نمنا ما يزيد قليلاً على ساعتين أو ثلاث ساعات فقط يومياً وقمنا بدوريات في الشوارع واخذنا المشتبه بهم من القاعدة كانت معادلة بسيطة القادة والأشرار قتلناهم واولئك الذين اعتبرناهم ضعيفي المخاطرة وقابلين للإصلاح - وهم المتعاونين أو أصحاب المتاجر الذين تعاملوا معهم - تعرضوا للتعذيب والسجن، لكننا أطلقنا سراحهم بعد ستة أشهر بعدما وقعوا تعهدًا. أما بقية السكان فنعرف بهم من خلال المخبرين".
 
تعذيب في سجون موالين للإمارات

في اليمن ووفقا لتقرير الأمم المتحدة الذي نشر هذا العام، كانت جميع الأطراف تحتجز المشتبه بهم دون محاكمة وتعذب السجناء. وكان الحوثيون يخطفون الكتاب والصحفيين ونشطاء حقوق الإنسان حتى قبل بدء الحرب.
 
لكن لا أحد يستطيع مجاراة حجم الاعتقالات والتعذيب والاختفاء القسري التي تمارسها القوات التي ترعاها الإمارات. حيث اعقبت تشكيل هذه القوات في عام 2016حملة ترهيب لا نظير لها. في الليل اختطف رجال مقنعين أقوياء أشخاص من بيوتهم ولا أحد يعلن مسؤوليته عن عمليات الاختطاف هذه. على الرغم من أن العملية تم إطلاقها ظاهريًا لمحاربة القاعدة، إلا أن الأهداف توسعت لتشمل أي شخص تجرأ على معارضة الوجود الإماراتي في اليمن.
 
قابلت في الصيف محامية حقوق إنسان تعمل مع وزارة العدل اليمنية وتجمع قوائم بالمحتجزين وتجمع الشهادات منهم وعائلاتهم حيث تقول "بعد معركة عدن، توقعنا أن يشكل الإماراتيون جيشًا واحدًا من المقاومة الا انهم وبدلاً من ذلك قاموا بإنشاء عشرات من القوات وهم يحتجزون أي شخص يعارضهم".
 
وقالت "أصبح تنظيم القاعدة ذريعة - وأي شخص يعارضهم يتم احتجازه، ويتم تعذيب جميع المعتقلين تقريباً وغالباً ما يتم تعليقهم من السقف، والعديد منهم يتعرضون للإيذاء الجنسي. الشيء المحزن هو أن الجنوبيين الآن يعذبون الجنوبيين بمباركة الإماراتيين بينما تقف الحكومة اليمنية عاجزة تتفرج".
 
وقد وضعت كومة من الملفات أمامي - حيث يعتقد أن هناك ما لا يقل عن 5000 حالة. وقالت "ليس لدينا سلطة كل مرة نطالب بزيارة السجون لكنهم لا يجيبون". واردفت "حتى لو كانوا حقا من القاعدة، فلا يمكن أن يتعرضوا لتعذيب من هذا القبيل. إنهم يخلقون قنبلة موقوتة لكل هؤلاء الناس الذين تعرضوا للتعذيب - وهي وضع الأبرياء مع الجهاديين والأطفال مع كبار السن في غرف مكتظة.
 
وقالت "إن عدن يخيم عليها الرعب والخوف وكانت الحياة أسهل أثناء الحرب - لقد تجنبت الخطوط الأمامية وبقيت في الداخل. لقد غلينا البطاطا وأكلناها مع خبز، لكننا كنا نشعر بالأمان. اما الآن فنحن نعيش في خوف".
 
بعض السجناء لا يعرفون سبب احتجازهم حيث كان شاب جامعي يرتدي نظارة طبية يحب قراءة كتب التاريخ ومناقشتها مع أصدقائه في مقهى للشيشة قد تعرض للاختطاف العام الماضي من قبل رجال ملثمين ووضع في مؤخرة شاحنة صغيرة ودفع رأسه إلى الأرض واقتيد إلى غرفة بلا نوافذ حيث احتجز لمدة ثلاثة أسابيع. وقد تم استجوابه عدة مرات، ولكن غالبًا ما تم تركه بمفرده. وفي بعض الأحيان كان يعتقد أن سجانيه قد نسوه. وقبل إطلاق سراحه، أخبره المحقق أنه من الأفضل عدم الحديث عن "هذه الكتب التي تقرأها" علنًا، وتم إرساله إلى المنزل.
 
وتم اعتقال العديد من الأشخاص للضغط على أفراد العائلة فقط. وفي مقهى مضيئ بشكل لامع بجوار مركز تسوق مزدحم - مليء بالعائلات هناك شابات بعباءات سوداء طويلة، وصبية ببنطلونات جينز ضيقة وقصات شعر جريئة يشربون المانجو وعصير الليمون ويأكلون البرجر والدجاج المقلي - وقد قابلت عبد الله، طالب جامعي شاب والذي شرب عصير الليمون الخاص به بصمت، وانكشفت لي بشرة مشوهة على جانب ذراعه كلما رفع الكأس ليشرب.
 
وسرد "عبد الله" قصته قائلاً: في منتصف الليل قبل عام، قام رجال ملثمون بطرق باب منزله، وأخبروه أنه مطلوب للاستجواب، وأكدوا لوالدته أنه سيعود في الصباح. وقاموا بتعصيب عينيه ووضعوه في شاحنة صغيرة. وعندما أخرج من الشاحنة، أدرك أنه كان في المعسكر الشهير لقائد قوات الحزام الأمني في عدن، أبو اليمامة - وهو ضابط مخضرم فيما يتعلق بالكفاح الطويل من أجل استقلال الجنوب وقد أصبح وكيلًا إماراتيًا قويًا.
 
نقل عبد الله إلى زنزانة صغيرة وترك لوحده لبضع ساعات. و"قبل الفجر، دخل أربعة رجال إلى الزنزانة وبدأوا في ضربي وطلبوا مني الاعتراف بأن أخي كان يعمل مع الجهاديين. أقسمت أنه لم يكن كذلك. كان لديه محل صغير لإصلاح الهواتف النقالة وأجهزة الكمبيوتر. لم يكن يصلّي حتى".
 
بعدها أخذوا زجاجة ماء صغيرة من الطاولة ومال بهل قليلاً حيث سقطت بضع قطرات على طاولة بلاستيكية بيضاء. ثم "أحضر أحدهم زجاجة وبدأ يرش [شيء ما] على ظهري". "شممت رائحة البنزين [فقط] قبل أن يشعلوا النار في. ركضتُ حول الغرفة واصطدمت بالجدران وصرخت بصوت عالٍ حتى جاء الحراس جاءوا وأطفئوا النار".
 
ما لم يكن يعرفه بعد ذلك هو أنه تم تصويره وأن شقيقه قد تم اعتقاله بالفعل لكنه رفض الاعتراف. "وعندما عرضوا الفيلم على أخي وقع اعترافًا على الفور". نقل عبد الله إلى عيادة، وبعد تدخل من قبيلته القوية بعد ستة أشهر، خرج من السجن. ورفع حافة قميصه ليُظهر لي ظهره، حيث كان الجسد مشوَهاً ومجُروح. ولم يتم بعد اتهام شقيقه أو إطلاق سراحه.
 
وعندما سألت الشيخ السلفي عن هذه التجاوزات، نظر امامه لبرهة وقال إنها ارتكبت من قبل الشركاء المحليين في الإمارات. وقال "إن سياسة استهداف واحتجاز المشتبه بهم من القاعدة مقبولة دوليًا، والإماراتيون شركاء مع الولايات المتحدة في ذلك". "لاستهداف مشتبهين في القاعدة - وهذا جيد. لكن وضع رجل في السجن لمدة عام وتعذيبه لمجرد أن ابنه متهم بالانضمام إلى القاعدة، فهذه مشكلة".
 
أبو اليمامة 

"أبو اليمامة" هو اسم يجعل الرجال يرتجفون في عدن. إنه فخور جداً بوحدات النخبة - التي تدربها القوات الخاصة الإماراتية - الذين يرتبطون أكثر من أي شخص آخر بأسوأ الأعمال الوحشية. جلست بجانبه صباح أحد الأيام في معسكره بينما كان يشاهد قواته تتدرب على الهجوم حيث مجموعة منهم، يرتدون ملابس سوداء، اقتحموا غرفة فارغة وجروا أحد مقاتليهم، دفعوه بقوة على الأرضية الإسمنتية قبل القائه على الجزء الخلفي لشاحنة صغيرة سرعان ما تحركت بعيدا. كرروا نفس التمرين عدة مرات.
 
في وقت لاحق، في مكتبه نفى ابو اليمامة صحة جميع مزاعم الاحتجاز التعسفي والتعذيب باعتبارها مكيدة من جماعة الإخوان المسلمين للإضرار بسمعة قواته. وتساءل "ماذا يتوقعون مني أن أفعل للناس الذين يتجولون في الشوارع بأحزمة ناسفة؟" هل "أرسل لهم بعض الورود وأدعوهم بأدب لزيارتي؟".
 
 في الجنوب حيث الحلم القديم للاستقلال لم يمت. ومثل كل سكان المدن التي حلت عليها لعنة الفرق الشاسع بين التاريخ المجيد والحاضر البائس، فإن شعب عدن محكوم عليه بالتوق إلى ماضٍ متخيل. هذا التوق هو شكل من أشكال المخدر وغالبا ما يكون غير ضار، لحين اندماجه مع الأساطير القومية أو الطائفية، وذلك عندما يصبح الخليط متقلبًا ومتفجرًا.
 
في السنوات التي تلت الوحدة، رأى الجنوبيون دولتهم الاشتراكية العلمانية التي ضمها الشمال الأقوى. رأوا مصانعهم مفككة وتم تسريح ضباطهم من المراكز الحكومية وتم الاستيلاء على أراضيهم وانهار نظامهم التعليمي والصحي. وقد تم استبدال دولتهم الفقيرة التي كانت في يوم من الأيام فقيرة الا انها كانت تؤدي وظيفتها، بنظام قبلي فاسد، وما كان من المفترض أن يكون شراكة مع الشمال بات مجرد استيلاء.
 
وقد أخبرني باعتزاز أحد قادة المجلس الانتقالي الجنوبي قائلاً "الآن صار لدينا جيش، ونحن نسيطر على الجنوب، ولدينا حليف إقليمي يقف إلى جانبنا" - حيث يعد المجلس الهيئة المنظمة الانفصالية الابرز والأكثر قوة في الجنوب، بدعم قوي من دولة الإمارات العربية المتحدة. (كان إنشاءه واحداً من 16 نقطة في "خارطة الطريق" التي حددها الشيخ السلفي، وهو أحد أعضائه).
 
وقال زعيم المجلس الانتقالي "لم نكن يوماً بهذا القدر من القوة في الجنوب". وأردف "يقول الناس أننا تحت سيطرة الإماراتيين، كما لو أنهم يستطيعون التحكم بنا بواسطة جهاز تحكم عن بعد. لكن طيران الإمارات ليست جمعية خيرية. بالطبع لديهم مصالح - تأمين الساحل والتخلص من القاعدة وإقامة دولة صديقة هنا في جنوب اليمن. كان الإماراتيون بحاجة إلى شريك وعندما رأوا فشل حكومة هادي اضطروا إلى اتخاذ إجراء ما".
 
لكن حلم استقلال الجنوب لا يزال محاطًا بالأساطير. ففي نقاشهم حول الجنوب القديم، ينسى العديد من الانفصاليين الحديث عن الجوع والقمع في تلك السنوات، ويتجاهلون بسهولة تاريخ الصراع والانقسام متذكرين أبطال الاستقلال، الذين طردوا البريطانيين في الستينيات - ثم ألغوا النظام القبلي وحرروا النساء، وقضوا على الأمية، ووسعوا امتداد البيروقراطية إلى ما وراء حدود عدن البريطانية وإلى أبعد قرية في الصحراء - حيث انتهى الأمر بهم خصوماً مثل كل الثوار.
 
وأصبحت خلافاتهم حول النظرية الاشتراكية وشكل الدولة حتمية وعنيفة وبلغت ذروتها في الحرب الأهلية التي استمرت عشرة أيام في الجنوب في عام 1986 - والتي كان المنفيون، وهادي من بينهم، قد نُفوا إلى الشمال قبل أن يعودوا منتصرين عندما هزم الشمال بسهولة الجيش الجنوبي في عام 1994. حالياً أولئك الذين خسروا في عام 1994 يقفون مع الإماراتيين بينما هادي وحلفاؤه ضدهم.
 
بطبيعة الحال التاريخ ليس ببعيد - ولكن تماماً مثلما هيئا الأميركيون بجهل شديد، المسرح لحرب أهلية وحشية في العراق بتحالفهم مع طرف واحد، يخلق الإماراتيون الظروف لاستئناف النزاع والحرب اهلية.
 
"أنا لا أريد الجنوب [المستقل] بعد الآن"، هكذا أخبرني أحد الناشطين الشباب. وأردف "لسنوات عديدة حلمت أنا وأصدقائي بالجنوب لكن إذا كانوا منقسمين الآن، فماذا سيحدث عندما يصبحون دولة؟ سوف يقتلون بعضهم البعض في الشارع كما كانوا يفعلون من قبل".
 
خلال الصيف في عدن، علقت لوحات ضخمة على الشوارع تحوي صور لولي العهد الإماراتي، محمد بن زايد، إلى جانب هادي وحفنة من القادة الأقل رتبة - بعضهم أحياء وبعضهم قد مات. وعلى الجدران كانت هناك رسومات كتابية مؤيدة للإمارات العربية المتحدة وملصقات مزخرفة بأعلامها. لكن خلال الصيف بدأت شعارات تقول "يسقط الاحتلال الإماراتي" تظهر.
 
إن انتفاضات الربيع العربي والفوضى العنيفة التي أعقبت ذلك قد خلقت تحولا في ديناميكيات النفوذ والسلطة في العالم العربي حيث لم تعلن ممالك الخليج بصوت عالٍ فقط عن رموز جديدة للاستقرار في منطقة مزقتها الحرب الأهلية، بل استغلت أيضاً الفرصة لعرض قوتها الجديدة من خلال التدخل في صراعات جيرانها وتمويل وتسليح الميليشيات في سوريا وليبيا واليمن ودعم انقلاب عسكري في مصر.
 
ثلاث اهداف خفية لـ "أبوظبي"

وفي ظل حكومة زايد المتشددة، احتضنت الإمارات سياسة خارجية أكثر حزماً تهدف إلى ترسيخ الإمارات كقوة إقليمية. في اليمن، لدى الإمارات ثلاث مهام مركزية منفصلة عن دعمها للتحالف السعودي. أولاً: سحق الإسلام السياسي بأي شكل. ثانياً: السيطرة على خط الساحل ذو القيمة الاستراتيجية للبحر الأحمر - عبر مضيق ضيق في القرن الأفريقي حيث أنشأت الإمارات بالفعل قواعد عسكرية في جيبوتي وإريتريا. وثالثا: تطوير وتعزيز قواتها الخاصة التي تدرب وتشرف على وكلاء محليين مثل قوات الحزام الأمني.
 
إن السعي المتزايد لهذه الضرورات الجيوسياسية لم يثر بالضرورة حلفاءهم الظاهرين في اليمن. في عدن هذا الصيف انتشرت معارضة وانتقاد الإمارات العربية المتحدة، لا سيما بين الفقراء الذين ظنوا أن وجود جيرانهم الاثرياء جداً من شأنه أن يجعل حياتهم أفضل. وبدلاً من ذلك ازدادت إمدادات الكهرباء سوءاً وانتشرت الأمراض التي يمكن الوقاية منه فيما انهار الريال اليمني جاعلاً فقرهم أكثر.
 
في سبتمبر، اندلعت مظاهرات في عدن وبقية الجنوب جراء تدهور الاقتصاد. وحتى الآن، تلاشى كل أمل في حصول تطور جديد، وتلاشت الحماسة مع المجلس الانتقالي الانفصالي لتتحول الى الاقتتال والتناحر. حتى بين أقوى الحلفاء الإماراتيين وهم السلفيين كان هناك استياء متزايد لاستخدامهم كوقود في حرب طرف آخر.
 
وكما أخبرني أحد قادة المقاومة السلفيين الذي أوقف القتال إلى جانب الإماراتيين بغضب "لماذا نرسل أفضل رجالنا للموت في الجبهة - وقصف المدنيين المحاصرين بيننا وبين الحوثيين - لمجرد أنهم يريدون السيطرة على الساحل؟ "
 
وفي غرفة فندق صغيرة في أحد الأجزاء الفقيرة من عدن، جلست مع ثلاثة من قادة الحركة الجنوبية، الذين شاركوا جميعًا مع المقاومة وكانوا جميعًا يعتبرون أنفسهم أصدقاء الإماراتيين وتلقوا منهم السلاح والمال والمركبات. لكن جميعهم قالوا إنهم في العام الماضي استُهدفوا باعتقالهم أو محاولات اغتيالهم من قبل قوات الحزام الأمني. وقال أحدهم: "الحرب معهم ليست سوى مسألة وقت".
 
وقد انضم الثلاثة الآن إلى معسكر هادي. سألت أحد الرجال - الذي قضى سنوات في حملة من أجل استقلال الجنوب - لماذا صار يخطط فجأة ضد الإماراتيين والمجلس الانتقالي؟ فأجاب "أردنا الجنوب على أساس وجود مؤسسات الدولة وليس الميليشيات" مضيفاً "ما لدينا الآن هو حالة من الفوضى حيث يقتل المسلحون المقنعون ويحتجزون كما يحلو لهم. هذا ليس الجنوب الذي قمت بحملات من أجله. فإما أن يأخذ الإماراتيون الجنوب ويعلنون مستعمرتهم، أو يجب عليهم احترام الشعب والرئيس".
 
وفي زيارتي الأخيرة للشيخ السلفي في عدن، وجدته يائساً. وقال: "الجنوب كان يحكمه الجنوبيون على مدى السنوات الثلاث الماضية، ومع ذلك فقد كان فاشلاً". وأصر على أن الإماراتيين يجب أن يظلوا لأنهم إذا غادروا يمكن أن تسقط عدن بسهولة مرة أخرى، وستقاتل كل هذه الوحدات بعضها البعض. نحتاجهم للبقاء. وفي الوقت نفسه، أشعر بالإحباط من الأخطاء التي يرتكبونها وأفهم أنهم ما زالوا يتعلمون لأنهم لا يملكون الخبرة كدولة إمبريالية لكنهم يتصرفون بعد ذلك بغطرسة دولة إمبراطورية.
 
وختم قائلاً: "أعلم أن عامين ليست مدة طويلة في حياة أمة تحاول بناء إمبراطورية، ولكنه زمن قصير جدًا لتحويل أصدقائك ليصبحوا أعدائك".