أرشيفية

اليمن حصاد 2018.. الحكومة تكسب المعركة عسكريا.. والمتمردون يستثمرونها سياسيا

هد العام 2018، منذ بدايته حتى ما قبل نهايته بقليل، نقلة نوعية في خارطة السيطرة العسكرية لمصلحة القوات الحكومية على أكثر من جبهة، لينتهي- مع شهره الأخير- بنقلة سياسية، ما يزال الحكم عليها بكونها "نوعية"- هي الأخرى- مبكرا. حتى مع أنها أفضت إلى اتفاقيات وتفاهمات هامة، لكنها ما تزال تمهيدية، فضلا عن أنها ما زالت في بداية طريقها للتنفيذ: المحك الذي ستعتمد عليه جولات المفاوضات القادمة من عدمه.
 
وبشكل عام، استهل العام 2018، بتصدر الخيار العسكري، الذي أحدث تغييرا نوعيا في مسار خارطة السيطرة والنفوذ الميداني بين الحكومة الشرعية والمتمردين الحوثيين، مقارنة بالعام السابق (2017).
 
ومع اقتراب العام من نهايته، كانت قوات الجيش الوطني قد حققت تقدما عسكريا كبيرا بالزحف نحو معاقل الحوثيين في عدد من المحافظات، على رأسها وأهمها، جبهتي: الحديدة (غربا)؛ وصعدة (شمالا). وثمة إنجازات أخرى، لكنها أقل أهمية وإنجازا، شملت: البيضاء (وسط البلاد)؛ والضالع (جنوبا)؛ والجوف (شرقا). في حين استمرت مليشيات الحوثي في وضعية الدفاع عن الأراضي الخاضعة لسيطرتهم، مع تكثيف هجماتها على السعودية بالصواريخ الباليستية، لاسيما خلال الأشهر الأولى من العام، لتخفت تدريجيا مع نهايته.
 
وفيما يلي نستعرض خارطة سير التطورات العسكرية منذ بداية العام 2018، ونلقي الضوء على ما تحقق من انتصارات في مختلف جبهات البلاد، مع تعزيزها بتصريحات مسئولين عسكريين، والاستزادة بآراء محللين سياسيين وعسكريين لاستخلاص الفائدة.  
 
 
مع انطلاق العام 2018، واصلت قوات الجيش الوطني، مدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، عملياتها العسكرية في صعدة، مطلع يناير/ كانون الثاني، تحت اسم "قطع رأس الأفعى"، وتمكنت من تطهير واستعادة مواقع استراتيجية متفرقة في جبهات البقع وكتاف ورازح ومركز مديرية باقم- معقل زعيم الحوثيين.
 
وفي الشهر نفسه، أطلقت قوات الجيش عملية عسكرية في محافظة الجوف، لاستكمال تحرير ما تبقى منها تحت سيطرة مليشيات الحوثي. حيث تمكنت- مع نهاية العام- من تحرير مناطق واسعة من مديريات: خب والشعف (كبرى المديريات مساحة في اليمن) وبرط العنان، والمتون. وحاليا لم يتبقى تحت سيطرة مليشيات الحوثي سوى مديريات: برط رجوزة، والحميدات، واجزاء من المصلوب. بعد أن كانت- في السابق- تستحوذ على اجزاء واسعة من مديريات المحافظة.
 
وأكد الناطق الرسمي للجيش الوطني العقيد عبده مجلي، على أن الجيش حاليا يسيطر على 90% من محافظة الجوف، حيث "لم يتبقى من الجوف سوى ثلاث مديريات تحت سيطرة الحوثيين". حسب تصريحاته مؤخرا لـ"الشرق الأوسط" السعودية.
 
أما محافظة حجة (في الشمال الغربي)، فقد تمكنت قوات الجيش- خلال هذا العام- من إحكام السيطرة على مديرية ميدي، ومركز مديرية حيران، ومنطقة عاهم، وتحرير اجزاء واسعة من مديريتي عبس وحرض، حيث مازالت المعارك فيهما على أشدها، بين مليشيات الحوثي وقوات الجيش التي تحاول التقدم نحو مديرية مستبأ.
 
وفي محافظة البيضاء (وسط البلاد شرقا)، انتزعت قوات الجيش، من قبضة مليشيات الحوثي، مديريات نعمان، وناطع واجزاء واسعة من الملاجم. في حين تشهد مديريتي السوادية، وذي ناعم، معارك بين الطرفين، منذ عدة أشهر، بغية إحكام السيطرة عليهما.
 
وتكمن أهمية محافظة البيضاء، في أنها تربط المحافظات الجنوبية والجنوبية الشرقية مع الشمالية، وتتداخل حدودها مع ثمان محافظات في البلاد.
 
وفي محافظات: تعز (جنوب غرب)؛ وصنعاء؛ ومأرب، حققت قوات الجيش الوطني تقدما طفيفا في بعض المناطق والمديريات، لكن سرعان ما تحولت تلك الجبهات إلى وضعية الدفاع ومعارك الكر والفر بين الطرفين. خصوصا في صرواح غرب محافظة مأرب، ونهم شرق محافظة صنعاء.
 
وإضافة إلى المحافظات الواقعة شمالي البلاد، استطاعت قوات الجيش استعادة اجزاء واسعة من مديريتي جبن ودمت، التابعتين لمحافظة الضالع "جنوبا". بالإضافة إلى إحراز تقدما ميدانيا في عدة مناطق بمديريات: الراهدة جنوب تعز، والقبيطة وكرش شمال محافظة لحج.
 
وفي محافظة الحديدة، غربا، واصلت القوات الحكومية زحفها العسكري نحو المدينة، بمساعدة التحالف العربي، حتى وصلت- مع الأشهر الأخيرة من العام- إلى وسط المدينة واقتربت كثيرا من مينائها الرئيسي، الذي يعتبر هو الأكبر، ومنفذا رئيسيا لوصول المساعدات الإنسانية والاغاثية من الخارج.   
 

أسباب غيرت المشهد

 

وتعليقا على المتغيرات العسكرية للعام 2018، يرى المحلل السياسي في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، علي الذهب، أن كفة ميزان السلطة الشرعية ومن خلفها التحالف، رجحت قليلا، مقارنة بما كان عليه الوضع الميداني عام 2017.
 
ووصف الذهب، ضمن تعليقه لـ"يمن شباب نت"، تلك التحولات التي شهدها الوضع الميداني بأنه "تحول نسبي وبطيء، لمس من خلال تقدم القوات وسيطرتها على بعض المناطق في الساحل الغربي، ما بعد ميناء المخأ، وفي صعدة وحجة والبيضاء والجوف".
 
وإلى جانب ذلك، يضيف الذهب، أن "من أبرز التحولات على الصعيد العام للحرب: مقتل رئيس المجلس السياسي في سلطة الحوثيين، صالح الصماد، وتداعياته على قدراتهم التكتيكية، سياسيا وعسكريا".
 
ومن بين الأسباب التي غيرت الوضع العسكري في العام 2018، يذكر الذهب "التحولات في بنية القيادة العسكرية والمدنية للسلطة الشرعية، مثلها تعيين وزير للدفاع وتغيير رئيس الحكومة"، حيث يرى أن ذلك "مكن من حل بعض العقد التي جعلت صف الشرعية في حالة غير منسجمة جوهريا، وليس كما يبدو ظاهرها".
 

معركة الحديدة..  الحدث الأبرز في 2018
 


مثلت معركة الساحل الغربي على البحر الأحمر، الحدث الأهم في الجانب العسكري خلال العام 2018. حيث تمكنت قوات الجيش الوطني مسنودة بقوات التحالف العربي، خلال وقت قياسي، من انتزاع مناطق كانت تحت سيطرة الحوثيين طيلة الثلاثة الأعوام الماضية.
 
في منتصف أبريل أطلقت قوات الجيش عملية عسكرية واسعة ضد الحوثيين في الساحل الغربي المتاخم لمحافظة تعز. توجت هذه المعركة بالسيطرة على مديريتي الوازعية وموزع وتأمين مديريات ذوباب وباب المندب التابعتين إداريا لمحافظة تعز.
 
وفي منتصف مايو أعلنت الحكومة الشرعية والتحالف العربي عن عملية عسكرية كبيرة لتحرير محافظة الحديدة، الخاضعة- بمينائها الاستراتيجي- لسيطرة ونفوذ مليشيات الحوثي منذ خريف 2014.
 
وفي وقت قياسي، تمكنت القوات العسكرية المدعومة من التحالف العربي من السيطرة على مدينة الخوخة التابعة لمحافظة الحديدة وتحرير ميناء الحيمة الاستراتيجي. وتكمن أهمية هذا الميناء الفرعي، من كونه منطقة جغرافية تقابل جزر حنيش الاستراتيجية، التي لا يبعد عنها أكثر من ساعتين، باتجاه الغرب. بالإضافة إلى أنه يمثل منفذا كان يعتمد عليه الحوثيون في تهريب شحنات السلاح من الخارج.
 
واصلت قوات الجيش الزحف والتقدم نحو منطقة الفازة، وإحكام السيطرة على مديرية التحيتا وصولاً إلى مديرية الدريهمي على مشارف مدينة الحديدة.
 
ورغم أن معركة الحديدة كانت هي الاختراق الأبرز للقوات الشرعية والتحالف، منذ بداية الحرب في مارس 2015، إلا أن المعارك تجمدت بفعل الضغوطات الدولية الرافضة لمواصلة العملية العسكرية، التي كانت قد وصلت إلى مشارف مطار الحديدة الدولي في منتصف يونيو.
 
وتتذرع المنظمات الدولية، والدوال الغربية المساندة لها في هذا الضغط، بكون ميناء الحديدة يعتبر هو المنفذ الرئيسي الذي تستخدمه المنظمات الدولية لإدخال ما نسبته 90% من المساعدات الإنسانية إلى البلاد، وتدخل منه 70 % تقريبا من الشحن التجارية.
 
ونجحت تلك الضغوطات في إيقاف المعارك على مشارف مدينة الحديدة (عاصمة المحافظة). وبعد فشل انعقاد الجولة الرابعة من المشاورات، بسبب تخلف وفد الحوثيين عن الحضور إلى سويسرا، التي كان من المقرر تحتضن المشاورات في السادس من سبتمبر/ أيلول، استأنفت الحكومة والتحالف العملية العسكرية باتجاه مدينة الحديدة.
 
ومع توغل قوات الجيش في عمق المدينة، واقترابها من الميناء الاستراتيجي، تعالت مرة أخرى الأصوات الدولية المطالبة بوقف القتال في المدينة، والداعية إلى استئناف العملية السياسية. حيث نجحت هذه المرة- تحت الضغوطات العسكرية على الحوثيين، والسياسية على الحكومة والتحالف، إلى عقد مشاورات السويد في الفترة: 6 - 13 ديسمبر/ كانون الأول، برعاية الأمم المتحدة.
 

حراك دبلوماسي ونقلة سياسية
 


من الناحية السياسية، استهل العام 2018، بمساعي أممية لحل الأزمة تمثلت بتعيين الأمم المتحدة البريطاني مارتن غريفيث مبعوثا خاصا للأمين العام إلى اليمن، خلفاً للموريتاني ولد الشيخ الذي فشلت مساعيه في التوصل إلى خارطة طريق للتسوية خلال فترته التي استمرت نحو أكثر من عامين ونصف.
 
أجرى "غريفيث" عدة جولات مكوكية في عدد من دول المنطقة لاستئناف المشاورات المتعثرة منذ مفاوضات الكويت اغسطس 2016. لكنه أخفق في اختراق جدار الأزمة حتى منتصف العام.
 
وفي يوليو نجح المبعوث الأممي "مارتن غريفيث" في إقناع الحكومة الشرعية والحوثيين بعقد جولة مشاورات جديدة مطلع سبتمبر في جنيف. لكن الحوثيين خيبوا ظنه حين رفضوا الحضور، بعد وعودهم له بالمشاركة. حيث اشترطوا قبل مشاركتهم بأيام قليلة، ضمان اجلاء جرحى ومصابين من العاصمة صنعاء إلى سلطنة عمان، وإعادة عالقين من مسقط إلى صنعاء قبل حضورهم المفاوضات.
 
ورغم فشل مفاوضات جنيف، الا أن دول كبرى- على رأسهم بريطانيا وأمريكا- ضغطت على الطرفين (الحكومة الشرعية والحوثيين) للذهاب نحو جولة مشاورات جديدة قبل انتهاء العام 2018. ونجحت تلك المساعي في نهاية المطاف إلى عقد مشاورات السويد التي انطلقت مطلع ديسمبر.
 
ويعتقد، على نطاق واسع، أن الحوثيين رضخوا للمشاركة السياسية، لتجنب المزيد من الخسائر العسكرية، بينما رضخت الحكومة الشرعية والتحالف العربي، تحت وقع الضغوطات الدبلوماسية الغربية، والتي زادت/ وحققت نجاحها، عقب حادثة مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بتركيا.
 
وأفضت مشاورات السويد، التي استمرت ثمانية أيام (6 – 13 ديسمبر)، إلى توقيع اتفاقية، عرفت باسم "اتفاقية ستوكهولم"، تقضي بوقف الحرب والانسحاب من الحديدة، والإفراج عن الأسرى والمعتقلين، كما توصلت إلى تفاهمات بشأن معضلة مدينة تعز الإنسانية. في حين اخفقت المشاورات في التوصل إلى أي اتفاقات بشأن ملفي الاقتصاد والبنك المركزي وفتح مطار صنعاء. وأرجأتها إلى الجولة القادمة المقررة في نهاية شهر يناير/ كانون الثاني، القادم (2019).  
 

مستقبل غامض
 


وتعول الأمم المتحدة والدول الضاغطة على هذا الاختراق السياسي لإنجاح مساعيها في إنهاء الحرب. لذلك، سعت إلى تعزيز الاتفاق وضمان تنفيذه بإصدار قرار مجلس الأمن الدولي رقم (2451) لسنة 2018، الصادر بالإجماع في 21 ديسمبر.
 
وبالنظر إلى هذا التطور السياسي، يرى المحلل السياسي "علي الذهب"، أن هنالك مصالح متعارضة تؤجل من الحسم العسكري والحل السياسي، لكن على الصعيد الداخلي، لا أتصور أن هنالك من يريد إطالة الحرب، وأقصد هنا تحديدا طرفي الحرب الرئيسيين في الداخل؛ لأنها أرهقت الجميع، رغم أن كل طرف يشيع أنه سيواصل القتال إلى ما لا نهاية.
 
وعلى أية حال، يرى الخبير في الشئون الاستراتيجية والعسكرية، الذهب، أن مستقبل الأزمة في اليمن "مرهون بموقف الدول الداعمة لكل طرف، سواء السعودية والإمارات تجاه الشرعية، أم إيران وحزب الله تجاه الحوثيين".
 
وفي حين تتواصل المساعي والضغوطات الدولية لتحقيق المزيد من خفض التصعيد في اليمن، تشير ملامح العام القادم إلى أن الحراك السياسي سيتصدر الواجهة، خصوصا بعد اتفاق السويد، الذي ترتبط معظم إجراءاته التنفيذية بالعام الجديد.
 
ومع ذلك، ما زال من الصعوبة بمكان التنبؤ بمآلاته، على الأقل حتى الأن، خصوصا مع ظهور بوادر خلافات على التطبيق، نظرا لازدواجية التفسيرات، التي يتمسك بها كل طرف، لنصوص الاتفاق.
 
في نهاية المطاف، يمكن إيلاء العام 2018، نظرة استثنائية لما آلت إليه الأحداث في اليمن، بشكل خاص. من حيث أنه كسر القاعدة السياسية السائدة: "المزيد من الانتصارات العسكرية في الميدان، تمنحك القوة لفرض شروطك على طاولة الحوار".
 
فربما ما حدث في اليمن، خلال العام 2018، هو العكس تماما. أو على الأقل حتى الأن.