سفينة ترسو في ميناء الحديدة على البحر الأحمر (رويترز)

كيف أحبطت واشنطن "مخططاً إماراتياً" للسيطرة على أهم موانئ اليمن؟.. ماتيس وجنرال أميركي سعيا لتهدئة الحرب التي تقودها السعودية

عندما بدأت الإمارات العربية المتحدة في وضع خطط جديدة في وقتٍ سابق من العام الماضي 2018، لإطلاق عملية محفوفة بالمخاطر في الحرب في اليمن للاستيلاء على أهم الموانئ في اليمن من أيدي المقاتلين المدعومين إيرانياً، لجأت إلى الجيش الأميركي لطلب المساعدة. بيد أنَّ الرد لم يكن كما كان القادة الإماراتيون يأملون.

وحسب صحيفة The Wall Street Journal الأميركية، فإن  المسؤولين العسكريين الإماراتيين وضَّحوا خططهم بالتفصيل لفريق الجنرال جوزيف فوتيل في القيادة المركزية الأميركية، التي تشرف على العمليات العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط، وفقاً لأشخاص مطلعين على المحادثات.

لكنَّ الجنرال فوتيل حذَّر الإماراتيين من أنَّهم سيجدون صعوبة في الاستيلاء على الميناء اليمني، وفقاً لما قاله هؤلاء الأشخاص. وقال لهم إنَّ الولايات المتحدة لن تزودهم بكاسحات الألغام والطائرات الاستطلاعية بدون طيار وكذلك المعلومات الاستخبارية التي يريدونها من أجل هجومهم للاستيلاء على ميناء الحديدة، الذي يمثل البوابة الرئيسية للبلاد لدخول المساعدات الإنسانية في الحرب في اليمن .

إحباط الهجوم الإماراتي للاستيلاء على أهم الموانئ في اليمن

وقد أدى هذا التراجع الأميركي في يونيو/حزيران دوراً أساسياً في إحباط الهجوم الإماراتي، وساعد في توفير فرصة دبلوماسية حيوية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص في 13 ديسمبر/كانون الأول للتوسط في تحقيق وقف إطلاق نار في المحادثات التي عُقِدت في السويد.

وفي خضم الانتهاكات المزعومة للهدنة من كلا الجانبين، وصل مراقبون من الأمم المتحدة إلى اليمن الأسبوع الماضي في محاولة للحفاظ على الاتفاق قبل عقد جولة جديدة من المحادثات مقررة في يناير/كانون الثاني.

كان الدور الذي أداه الجنرال فوتيل في الحرب في اليمن مدعوماً وراء الكواليس من وزير الدفاع الأميركي جيم ماتيس. إذ عملا معاً على تهدئة العمليات السعودية والإماراتية في اليمن، ووضع قيودٍ على الدعم العسكري المباشر بينما اكتفيا بتقديم المشورة الاستراتيجية للتحالف الذي تقوده السعودية، وذلك وفقاً لما ورد عن مسؤولين غربيين وشرق أوسطيين.

بيد أنَّ الجهود الرامية إلى تقييد الدعم العسكري فشلت في تهدئة مخاوف مجلس الشيوخ الأميركي، الذي رفض طلبات إدارة ترامب وصوَّت الشهر الماضي ديسمبر/كانون الأول لمصلحة قطع الدعم الأميركي للحرب.

وجديرٌ بالذكر أنَّ ماتيس وفوتيل سيغادران منصبيهما. إذ غادر ماتيس اليوم الثلاثاء 1 يناير/كانون الثاني وسط خلاف حول قرار الرئيس ترامب بسحب القوات الأميركية من سوريا. ومن المتوقع أن يتقاعد فوتيل في أوائل العام الجاري 2019، بعد أن قضى سنوات في منصب حيوي متعلق بالاستراتيجية العسكرية الأميركية في الشرق الأوسط وجنوب آسيا.

رغم العلاقات «الجيدة» لوزير الدفاع الأميركي مع القادة الإماراتيين

وكان ماتيس يتشاور بانتظامٍ مع يوسف العتيبة، السفير الإماراتي الذي يحظى بعلاقاتٍ جيدة مع واشنطن. وأجرى محادثات متكررة مع مارتن غريفيث، مبعوث الأمم المتحدة الخاص الذي توسط للتوصل إلى اتفاق السلام الأخير.

وتحدث ماتيس أيضاً مع ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد مع تسارع وتيرة المفاوضات، وفقاً لأشخاص مطلعين على الاتصال. وحرص وزير الدفاع السابق كذلك على أن يكون هناك مستشارون تابعون للجيش الأميركى فى موقع المحادثات في السويد.

بينما أدى فوتيل أيضاً دوراً رئيسياً لإيقاف الحرب في اليمن ، إذ أجرى مناقشات مع القادة العسكريين السعوديين والإماراتيين حول خططهم للقتال على الأرض، حسبما قال أشخاص مطلعون على المناقشات.

وكان تدخلهما، كما ذكرت أطراف فاعلة رئيسية في الصراع، حاسماً في تهدئة التحركات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وفي دفع حلفاء الولايات المتحدة في الخليج إلى إجراء محادثات سلام جادة.

جديرٌ بالذكر أنَّ البنتاغون والقيادة المركزية امتنعا عن التعليق على الإجراءات المحددة التي اتخذها ماتيس وفوتيل في الفترة التي سبقت وقف إطلاق النار.

بيد أنَّ أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية قال إنَّ ماتيس «شارك شخصياً في المساعدة على دفع النزاع نحو حل سلمي».

وقال آخرون إنَّ دوريهما كانا شديدي الأهمية. إذ قال مسؤول غربي: «ما فعلاه لا يُصدَّق. لقد كانا هناك دائماً، وبذلا جهوداً حثيثة. لقد أوضحا لكل الأطراف أنَّ الحل السياسي هو السبيل الوحيد للخروج من هذه الحرب المأساوية الحمقاء».

جديرٌ بالذكر أنَّ الحرب في اليمن أثبتت أنَّها مشكلة كبيرة بالنسبة لإدارة ترامب، التي زودت السعودية والإمارات بالأسلحة المتقدمة والمعلومات الاستخباراتية والتدريب العسكري والتزود بالوقود جواً.

لكن مقتل المدنيين في الحرب في اليمن أحبط ماتيس وفوتيل

بيد أنَّ هذا الدعم لم يُجدِ كثيراً في معالجة المشكلات النظامية للعملية العسكرية التي تقودها السعودية. إذ أعرب ماتيس وفوتيل مراراً عن إحباطهم حيال عجز التحالف الذي تقوده السعودية عن تقليص عدد المدنيين الذين يلقون حتفهم من جرَّاء غاراته الجوية في الحرب في اليمن .

ففي شهر أغسطس/آب، استهدفت طائرة تابعة لقوات التحالف السعودي حافلةً مدرسية بالخطأ في اليمن، مما أسفر عن مقتل 40 طفلاً.

وعندما دافعت السعودية عن هذا الهجوم، حذَّر ماتيس والجنرال فوتيل السعودية من قطع الدعم الأميركي لها إذا لم تتخذ خطواتٍ جادة نحو عدم استهداف المدنيين، وفقاً لأشخاص مطلعين على هذه المناقشات.

وفي النهاية، اعترفت السعودية بأنَّها ارتكبت خطأً وتعهَّدت باتخاذ خطوات لمنع أي غارات جوية أخرى خاطئة.

كما أنهما رفضا أي سحب للدعم العسكري الأميركي للتحالف العربي

وعلى الصعيد العلني، أكَّد ماتيس والجنرال فوتيل مراراً وتكراراً بأنَّ سحب الدعم العسكري الأميركي لن يؤدي إلَّا إلى تفاقم المشاكل.

غير أنَّ المعارضة السياسية في الكونغرس تزايدت، إذ يخيم السخط على المشرعين الأميركيين من كلا الحزبين بسبب مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في 2 أكتوبر/تشرين الأول داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

وخلُصَ مسؤولو الاستخبارات الأميركية إلى أنَّ عملية القتل تمت على الأرجح بأمرٍ من محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي. بيد أنَّ ترامب دافع عن الأمير محمد ووصفه بالحليف المهم لأميركا.

ومع نمو معارضة الكونغرس للسعودية و الحرب في اليمن ، سعى ماتيس في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني لتقليص الدعم العسكري الأميركي، مما أدى إلى قطع الولايات المتحدة تزويد الطائرات الحربية السعودية والإماراتية بالوقود جواً.

ولم يكن هذا كافياً لتهدئة المخاوف بين أعضاء مجلس الشيوخ الذين طالبوا بقطع التمويل، ثم وافقوا بالإجماع على قرار يلقي باللائمة على الأمير محمد في مقتل خاشقجي. وساعدت الرياح السياسية المتغيرة على تغيير حسابات الولايات المتحدة وحلفائها.

إذ قال العتيبة، السفير الإماراتي في الولايات المتحدة: «كان هناك إجماع طوال عدة أشهر حول الحاجة إلى التوصُّل إلى حل سياسي لإنهاء النزاع في اليمن. وهذه المناقشات أدَّت دوراً مهماً في الوصول إلى هذه النقطة».

وبدأ ماتيس في تخصيص المزيد من وقته لليمن في الأشهر الأخيرة

 إذ سعى إلى إيجاد طرق جديدة لإنهاء النزاع. وقد التقى مراراً بغريفيث، المبعوث الخاص للأمم المتحدة. إذ قال ماتيس للصحافيين في أواخر نوفمبر/تشرين الثاني: «ربما أتحدث معه في المتوسط ​​مرة كل أسبوعين، سواء وجهاً لوجه أو عبر الهاتف، وأحياناً نتحدث عدة مرات في الأسبوع».

وبخصوص ميناء الحديدة، طلب المسؤولون الإماراتيون من الولايات المتحدة دعماً عسكرياً مباشراً، لكنَّ فوتيل وضباط القيادة المركزية حذَّروا من أنَّ أي هجوم برمائي سيكون محفوفاً بالمخاطر، وفقاً لأشخاص على دراية بالمناقشات.

وقال خبراء إنَّ الحصار الشامل من المحتمل أن يتسبَّب في انتشار المجاعة والكوليرا والوفيات.

وفي الوقت الحالي، يواصل الميناء العمل بقدراتٍ أقل، مواصلاً العمل بمثابة بوابة دخول للمساعدات الإنسانية لحوالي ثلاثة أرباع سكان البلاد البالغ عددهم 28 مليون نسمة، وفقاً لما ذكره مسؤولون في الأمم المتحدة.

ومن المنتظر أن يخلُف ماتيس في منصبه اليوم الثلاثاء، باتريك شاناهان، نائب وزير الدفاع، وهو مسؤول تنفيذي سابق في شركة بوينغ الأميركية لصناعة الطائرات، ولا يتمتع بخبرة كبيرة في السياسة الخارجية أو الشؤون العسكرية، وسوف يتولى شاناهان مهامه قائماً بأعمال وزير الدفاع إلى أن يُعيِّن ترامب بديلاً له.

ويبقى أن نرى ما إذا كان شاناهان سيُكرِّس نفس الوقت والجهد اللذين استخدمهما ماتيس في محاولته لتسوية الحرب في اليمن.