معاناة اليمنيين

"أستطيع حمل كيس القمح.. ولا أقدر على حمل ثمنه"

صنعاء – ماجد بن صالح :

“ما زلت أقدر على حمل كيس القمح، لكني لا أقدر على حمل ثمنه”، بهذه العبارة لخص الستيني أبو أحمد، واقع الملايين من اليمنيين في ظل الارتفاعات السعرية الحادة، فهذا الرجل الذي يشتهر بلقب الأحدب، يعمل حمالاً لأكياس القمح وكافة السلع الغذائية من المتجر الذي يجلس أمامه منذ 22 عاماً، ينتظر الزبائن الذين يحمل لهم أمتعتهم مقابل ما تجود به أيديهم من المال.
لا تختلف معاناة حسين السلامي عن معاناة الحاج أبو أحمد، حيث يضع السلامي يده على خده بعد أن جلس على الرصيف المجاور لمتجر لبيع المواد الغذائية بصنعاء، وعندما اقتربنا منه وسألناه عن سبب الهم الذي يسكن صدره ويرتسم على ملامح وجهه، رد لـ”المشاهد” قائلاً: “يقتلنا الدولار والتُّجار”.


في إشارة منه إلى ارتفاع الأسعار التي يربطها التّجار بالدولار، إلا أن هذه المرة يبدو الأمر مختلفاً، فالدولار سجل تراجعاً من حدود 800 ريال للدولار الواحد إلى 450 ريالاً، وفق آخر التعاملات، دون أن تشهد أسعار السلع انخفاضاً موازياً، الأمر الذي يُلزم التجار بخفض الأسعار وفق انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني.

الدولار يهبط وأسعار السلع ترتفع

يدخل الريال اليمني شهره الثاني من تعافيه المستمر أمام الدولار والعملات الأجنبية، وعلى الرغم من أن هذا التعافي غير منطقي، ولا يستند على العوامل الفعلية لتحقيق هذا التحسن، خاصة في ظل غياب مصادر النقد الأجنبي، إلا أن المواطن اليمني يحلم بأن يجد أسعار السلع، وبالأخص الغذائية والدوائية، قد انخفضت، وبما يتناسب مع هبوط سعر صرف الدولار، وإن كان هذا الانخفاض مؤقتاً، ليتمكنوا من خلاله من تأمين قوتهم الضروري الذي بات أغلبهم لا يقدرون على تأمينه بصورة منتظمة.


لم تشهد السوق اليمنية أي انخفاضات توازي انخفاض سعر صرف الدولار مقابل الريال اليمني الذي شهد تراجعاً من عتبة 800 ريال للدولار الواحد إلى 450 ريالاً وفق السعر الرسمي الذي حددته الحكومة مؤخراً، في حين يشهد تراجعاً في السوق الموازية في بعض الأوقات إلى ما دون 400 ريال للدولار الواحد، ويُعاود الارتفاع تارة أخرى إلى ما بين 450 و480 ريالاً، ووفقاً للمواطنين فإن بعضاً من السلع الغذائية تراجعت أسعارها بنسب منخفضة جداً لا تتعدى 5% من أسعارها عندما كان سعر صرف الدولار الواحد ما بين 750 و800 ريال، ومن المفترض أن تتراجع هذه الأسعار على أقل تقدير بما نسبته 40% من أسعارها الحالية، في ظل تراجع صرف الدولار.

رقابة غائبة

يرى السكان أن السوق بحاجة إلى رقابة من قبل السلطات المعنية، إلا أنهم يؤكدون أن ثمة خللاً في العملية الرقابية، حيث شهدت العاصمة صنعاء، خلال الأيام الأخيرة، وفي ظل تحسن قيمة الريال اليمني، حملات رقابية على العديد من المراكز التجارية المتعلقة بالمواد الغذائية، وكذلك صيدليات بيع الدواء، وتم إغلاق العديد منها، إلا أن هذا الإغلاق لم يستمر طويلاً، وعاودت هذه المراكز والصيدليات أنشطتها وكأن شيئاً لم يكن، والأسعار ما تزال مرتفعة، وإن وجد تراجع في بعض أسعار السلع، إلا أن هذا التراجع طفيف جداً، ولا يوازي تراجع سعر صرف الدولار.


ويوجه السكان بصنعاء أصابع الاتهام صوب جماعة الحوثي التي تسيطر على العاصمة صنعاء منذ نهاية سبتمبر 2014، ويتهمونها بأنها تجبي الأموال من التجار مقابل البيع بالأسعار التي تناسبهم، دون إلزامهم بالتقيد بأسعار صرف الدولار، الأمر الذي يجعل المواطن يكتوي بنيران الأسعار والحرب وغياب الدولة.

تحديات اقتصادية

تبرز أزمة تقلبات سوق الصرف في اليمن، بأنها من أخطر التحديات الاقتصادية التي تواجه بلداً يستورد معظم احتياجاته الأساسية من الخارج، بما في ذلك الغذاء والدواء والكساء والوقود، مما يجعل الأسعار المحلية والظروف المعيشية للمواطنين رهينة للتغيرات في الأسعار الدولية وصدمات سعر الصرف المتتالية.


ووفقاً للمعلومات الصادرة عن وزارة التخطيط والتعاون الدولي، وبدعم من منظمة اليونيسف، حصل “المشاهد” على نسخة منها، فإن صدمة سعر الصرف الأخيرة أدت إلى ارتفاع أسعار البترول بنسبة 66%، والديزل بنسبة48.1%، ودقيق القمح بنسبة 20.2%، وزيت الطبخ بنسبة 19.7%، والسكر بنسبة 17%، وذلك في الأسبوع الرابع من سبتمبر 2018، مقارنة بمتوسط أسعار شهر أغسطس 2018. ورغم أهمية الإجراءات الرسمية المتخذة للتعاطي مع أزمة العملة، إلا أنها تفتقر للاستدامة، وتأثيرها محدود، خاصة أن أدوات السياسة الاقتصادية الكلية تخص اقتصاداً واحداً وعملة واحدة، لكهنا باتت إما معطلة أو متعارضة.


بدوره، البرنامج الإنمائي للأمم المتحدة يقول في تقديراته الأولية إن معدل تضخم أسعار المستهلك في اليمن يرتفع إلى 35% خلال العام الجاري 2018، خاصة في ما يتعلق بأسعار الوقود والسلع الغذائية الأساسية اللذين يكونان أكثر عرضة وتأثراً بتقلبات الأسعار الدولية للوقود، وسعر الصرف باعتبارهما الأكثر تأثيراً على معدل التضخم العام والظروف الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية للسكان.

المشاهد نت