انجلت غبار معركة الإمارات وقطر في كأس آسيا 2019 وخلّفت وراءها شباشب انتشرت على أرض ملعب محمد بن زايد في مدينة أبو ظبي. انتصر مشهد الشباشب في النهاية. كيف ما تنقّلت في الصحف والمواقع الإلكترونية العربية والعالمية ستُطالعك عبارات الشباشب والأحذية عن المباراة. باتت هي العنوان لا نتيجة المباراة.
في الحقيقة مُعيب ومؤسِف ما حصل حتى منذ ما قبل المباراة، منذ أن تحدّد أن الإمارات ستواجه قطر في نصف النهائي. مُعيب ما فعله الإماراتيون والقطريون. الجميع لم يُقصّر. منذ اللحظة الأولى بدا واضحاً أننا لن نكون أمام مباراة كرة قدم رغم أهميّتها كونها في نصف نهائي كأس آسيا. منذ اللحظة الأولى تحوّلت المنابر الإعلامية في الصحف والمحطّات التلفزيونية إلى حربٍ شعواء وتقاذفٍ للإساءات بين الإماراتيين والقطريين ثم جاءت مواقع التواصل الاجتماعي لتصبّ الزيت على النار. ارتفع منسوب التوتّر الذي كان حاضراً في الأصل نظراً للأزمة الخليجية وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين قطر من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى، رغم محاولة المعنيين التخفيف من حدّته قبل المباراة.
هكذا، وكما كان متوقّعاً، انعكست الأزمة السياسية على المباراة. باتت، للأسف، مباراة بطابعٍ سياسي، وهذا ما لم يصبّ قبلاً في مصلحة المُشجّع المُحايد الذي تعنيه الكرة قبل كل شيء ويريد مشاهدة مباراة مهمّة في نصف نهائي كأس آسيا. سقط الجميع في الخطأ وأتى مشهد الشباشب الإماراتية ليكمل المشهد سوءاً.
القطريون لم يقصّروا بدورهم حيث أشعل مُعلّق قناة الكاس القطرية، العُماني خليل البلوشي، الأجواء عندما قال عقب تسجيل حسن الهيدوس: "الهيدوس يدوس عليهم دوس"، لتتحوّل مواقع التواصل إلى حربٍ كلاميةٍ شعواء بين الإماراتيين والقطريين لم يوفّروا فيها مختلف أنواع الشتائم والعبارات المُسيئة... كل هذا من أجل مباراة كرة!
الكرة قبل كل شيء هي أخلاق وروح رياضية. المشهد الذي نقله الإماراتيون والقطريون كان مؤسِفاً ويضرب مفهوم الكرة في الصميم. العالم كان يضحك لما اقترفه هؤلاء. على سبيل المثال عنوَنت صحيفة "ليكيب" الرياضية الفرنسية الشهيرة ساخرة: "الجماهير الإماراتية ترمي... الأحذية على اللاعبين القطريين"، وأوضحت لقرّائها أن رمي الأحذية في العالم العربي يُعتبر إهانة.
من جهته فإن الصحافي الفرنسي المعروف جورج مالبرونو غرّد على صفحته في "تويتر": "حرب خليج جديدة في مباراة العدوّتين الإمارات وقطر في الإمارات حيث كان المشجّعون القطريون غير مرغوب بهم. وأكثر رُميت الأحذية".
هكذا، كان المشهد منذ قبل المباراة بين الطرفين مُعيباً ولا يمتّ إلى الكرة وأخلاقياتها بصلة. هذه الأخلاق التي عبّر عنها، على سبيل المثال، الجمهور الياباني في مونديال روسيا عندما قام بتنظيف مدرجات الملعب (وهذا ما فعله بالمناسبة جمهور منتخب لبنان في البطولة الحالية). أما لاعبو المنتخب الياباني ورغم حسرتهم الكبيرة بعد مباراتهم أمام بلجيكا وخسارتهم الصعبة 2-3 وخروجهم من المونديال فإنّهم قاموا بتنظيف غرَف تغيير الملابس وتركوا لافتة كتبوا عليها كلمة "شكراً" باللغة الروسية. هنا المشهد حضاري، أما ما حصل أمس وقبل انطلاق المباراة فهو نقيضه تماماً.
في الخلاصة، خسر الإماراتيون والقطريون ومعهم الكرة بعد المباراة، وضحك العالم. في الخلاصة، محظوظ مَن لم يتابع مباراة أمس العابِقة برائحة شباشبها!