القيرعي ينظم للشرعية

هل سيحظى بالحفاوة أم تلاحقه لعنة التمييز.. «القيرعي» ينتقل إلى مركب الشرعية بعد مشوار بائس مع الحوثيين!

المصدر أونلاين- معاذ أحمد

نجح العضو الثاني عشر في اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين، محمد القيرعي، في الوصول إلى العاصمة المؤقتة عدن، ملتحقاً بالكثير من القيادات الحزبية والمجتمعية، التي خدمت الحوثيين وشاركت في ارتكابهم الجرائم ضد الشعب اليمني طيلة السنوات الأربع، محاولاً الانضمام للشرعية المدعومة من التحالف العربي والمعترف بها دولياً.

قال القيرعي، رئيس ما يوصف بتيار «الأحرار السود» (المهمشين وفق مسودة الحوار الوطني): إنه نجح في الخروج من الإقامة الجبرية التي فرضها الحوثيون عليه منذ عام ونصف، بسبب مواقفه الناقدة لسياستهم «عبر إيهامهم بأني عدت لبيت الطاعة الهاشمية، وقمت مؤخراً بزيارة لدمت في رحلة استجمام في حماماتها الطبيعية والتقيت بالقيادات الميدانية والعسكرية كوني عضو اللجنة الثورية العليا، وبعد أن تأكدت أن الطريق سالكة عبرت أنا وأسرتي إلى قعطبة، ومنها إلى الضالع ثم عدن».

قال القيرعي في أولى تصريحاته إنه انخدع بالحوثيين وشعاراتهم الزائفة، مؤكداً أن السنوات التي قضاها معهم كانت كافية لإقناعه بنظرتهم الدونية للمجتمع اليمني، ونهجهم البربري والسلالي، وأن ثورتهم لم تأتِ للمساواة بين الشعب واستعادة حقوقه، بقدر ما كانت سطواً مسلحاً على مؤسسات الدولة وتفريغها من مضمونها، مشيراً إلى استخدام الحوثيين لشخصيته كممثل لحركة «أحرار بلال» المهمشين، كديكور لتحسين صورتهم أمام العالم وأنهم يمثلون مختلف مكونات المجتمع.

وقدم القيرعي اعتذاره للشعب اليمني، لتحالفه المخزي مع الحوثيين، كاشفاً في اتصال هاتفي مع قناة «اليمن اليوم» أن الشرعية لم تتعامل معه كما ينبغي، كونه منشق عن الحوثيين، وتعرضه للسجن في مباحث عدن 13 يوماً، آملاً بمقابلة رئيس الوزراء معين عبدالملك، بعد أن قابل نائب وزير حقوق الإنسان عقب خروجه من السجن، يوم الخميس 17 يناير/ كانون الثاني الماضي.

من هو؟

محمد القيرعي، تاريخ طويل من التناقضات والهجرات بين التنظيمات السياسية والأيدولوجيات والعقائد المتضادة غالباً، ليس أولاها انشقاقه عن الانقلابيين ذوي الطابع الأيدلوجي الطائفي، ومحاولته الالتحاق بالشرعية التي ظل يناصبها العداء حتى وقت قريب، وربما ليست الأخيرة.

بداياته اشتراكي مناهض للتمييز

بداية الألفية الثانية، سطع نجم محمد القيرعي، كعضو في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي اليمني، وظهر كواحد من أبرز المنتقدين والمهاجمين لنظام علي عبدالله صالح وحزبه الحاكم لليمن في ذلك الحين.

كان يرأس منظمة مدنية «الأحرار السود» إضافة لكونه عضواً في اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، ومن بين أبرز الاتهامات والانتقادات التي كان يوجها لنظام صالح، "تاريخه القمعي وتكريس جرائم التمييز والاضطهاد العنصري للفئات المهمشة وانتهاك القوانين والمواثيق الدولية".

أواخر 2008، أعلن القيرعي هجرته من الحزب الاشتراكي، وانتقاله إلى حزب السلطة (المؤتمر)، مبرراً انقلابه على الحزب بأن القيادات الجديدة التي صعدت بعد المؤتمر العام الخامس للاشتراكي «ضاقت بنا، بقيادة ياسين، وباذيب».

وأشار القيرعي يومها إلى معارضته لسياسة باذيب، والدكتور ياسين سعيد نعمان، وما تعرض له من مضايقة وقطع للإعانة الشهرية ومنع من دخول الأمانة العامة للحزب، وبحسب تأكيده في لقاء مع صحيفة الديار في ذلك التاريخ، زعم القيرعي أن استقالته من الحزب الاشتراكي ليست ناتجة عن مشكلة في الحزب نفسه، وإنما بسبب الإدارة العبثية والسيئة التي يدار بها الحزب منذ المؤتمر الخامس.

وفيما اعتبر القيرعي، أن هجرته إلى المؤتمر كانت بهدف تحقيق مكاسب للفئة التي يمثلها (المهمشين) فقد ظل يؤكد ماركسيته.

وفي تصريحاته في ذلك الحين، كان القيرعي يؤكد أنه لا يحمل أي أشكال الخصومة السياسية والأيدلوجية مع أي طرف من أطراف المنظومة السياسية الحزبية في البلاد، لينفي ما سبق أن زعمه، من أنه أحد حملة لواء الماركسية، وهي النظرة التي يعتبر الصراع الطبقي عمودها الفقري.

الماركسي الوحيد في المؤتمر

عين القيرعي بعد انضمامه للمؤتمر عام 2008، عضواً في اللجنة الدائمة للحزب، وقال، في تصريحاته: إنه اشترط قبيل انضمامه أن يحافظ على منهجه الماركسي وموقفه الوطني السياسي.

وزعم القيرعي حينها، أن قوى محلية وسياسية توظف قضايا المهمشين لتصفية حسابات سياسية مع النظام الحاكم، وليس من أجل إنجاز أهداف إنسانية سامية.

وأكد القيرعي في تصريح لـملحق «الديمقراطية» في صحيفة الجمهورية، نشرها المؤتمر نت في 15 أغسطس2008، عدم وجود صفقة سياسية محددة مقابل انتقاله إلى المؤتمر الشعبي العام، مؤكداً أن انضمامه كان ناتجاً عن دراسة عميقة لطبيعة وظروف المهمشين الإنسانية، وفي ظل انقسامية موجودة على امتداد المشهد الوطني.

تزامن انتقال القيرعي إلى حزب المؤتمر مع حديث في الأوساط السياسية عن تخصيص مقاعد في البرلمان لفئة المهمشين، وكوتا نسائية، وقائمة نسبية وهي المطالب التي تقدمت بها أحزاب اللقاء المشترك. وكما يبدو أن القيرعي استقال من الاشتراكي بعد تلقيه وعوداً بمقعد في البرلمان. وأعلن القيرعي ترشحه للإنتخابات البرلمانية التي كان من المقرر إجراؤها في 2009.

ظل القيرعي قيادياً في حزب المؤتمر، واستخدمه الحزب في مهاجمة خصومة، وتركز دوره بعد الثورة التي أطاحت بنظام صالح في 2011, على مهاجمة الرئيس هادي وحكومة الوفاق الوطني والأحزاب السياسية المشاركة في الحكومة.

المبشر الثوري

في مطلع يناير/ كانون الثاني 2015م، أعلن القيرعي انضمام مليون مواطن من فئة المهمشين، إلى جماعة الحوثي الانقلابية، كان ذلك في مؤتمر قبلي واجتماعي دعا له زعيم المليشيات الحوثية عبدالملك بدر الدين، في العاصمة صنعاء.

وبداية فبراير/ شباط من العام ذاته، عين الحوثيون القيرعي عضواً في اللجنة الثورية العليا، أعلى سلطة انقلابية حاكمة وفق الإعلان الدستوري الذي حل بموجبه الحوثيون البرلمان، وسيطروا على باقي مؤسسات الدولة وهيئاتها الرسمية.

وجاء تعيين القيرعي، كمحاولة من المليشيات لتصوير ثورتها، (انقلاب21سبتمبر/أيلول 2014)، أنها تمثل شريحة واسعة من أطياف المجتمع اليمني، بما فيها فئة المهمشين.

بعد أسبوعين، زار محمد القيرعي بصفته الثورية، صعده والتقى عبدالملك الحوثي وصافحه، ويومها تداولت القيادات ووسائل الإعلام الحوثية صورة توثق لحظة المصافحة، كدليل أن زعيم الجماعة، الذي يزعم انتماؤه لسلالة النبي، متواضع ويقبل أن يصافح شخصاً ينتمي لفئة المهمشين. قال القيرعي، حينها: إن عبدالملك سيد وقائد ملهم وزعيم سياسي لا مثيل له بين الزعامات السياسية الحالية.

محافظاً لتعز

في يونيو/ حزيران 2015، تناولت وسائل الإعلام أنباء عن صدور قرار من سلطات الحوثيين، بتعيين محمد القيرعي، محافظاً لتعز، خلفاً للمحافظ المستقيل شوقي هائل سعيد.

أثار تسريب القرار موجة من ردود الأفعال، ساخرة ومشيدة ومباركة، إلا أن الحوثيين حينها سارعوا إلى نفي خبر تعيينه واستمر دور القيرعي، كعضو للثورية الحوثية، بشكل أقل حضوراً، لكنه كان أشد انتقاداً وهجوماً على أفكاره وأيديولوجياته السابقة، وانتماءاته التي تنقل عبرها طوال مسيرة حياته، وتوج إخلاصه للجماعة بالدفع بنجله عدنان محمد القيرعي، للقتال في صفوف الجماعة حتى قتل منتصف شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017.

في حوار مع موقع «المشاهد» وصحيفة «لا» التابعتين للحوثيين في صنعاء، أكد القيرعي مراراً «أنا عقائدي ولا يمكن أن أتخلى عن معتقداتي كمبشر ثوري بعلم الاجتماع السياسي الاقتصادي، ولينين لم يكن قائداً فقط، بل كان بالنسبة لي القائد والمعلم والملهم الذي يجب أن أستقي من أفكاره وتجاربه الثورية في طريقي؛ لمحاولات الارتقاء بي وبفئتي في المعترك السياسي اليمني».

كان القيرعي أحد المهاجمين الأشد تطرفاً للأحزاب اليسارية الموالية الشرعية والتحالف، وأعلن أنه لم يعد هناك يسار بالمفهوم التقليدي باليمن «اليسار في بلادنا عبارة عن كذبة كبيرة، هؤلاء طائفيون ومناطقيون ومرتزقة ولا يستحقون حتى صفة اليسار بداخل كل واحد من هؤلاء اليساريين وهابياً متطرفاً. اليوم الناصريين الذين حملوا مشاعل التحرر القومي العربي من فكر القائد المعلم جمال عبدالناصر، اليوم تحولوا مع مصر ذاتها إلى تابعين ذليلين مع مهرجي الخليج الذين يفتقرون لأبسط سمات الرجولة فأين اليسار من هؤلاء؟».

تمسك القيرعي -حسب زعمه-بالماركسية، واشترط على الحوثيين أنه سيظل ماركسي وثوري يساري، وذهب في تصريحاته المدافعة عن الحوثيين وطائفيتهم، إلى المقارنة بين مظلوميتهم ومظلومية المهمشين.

وبحسب تلك التصريحات، فإن المهمشين والحوثيين يشتركون في أقدمية المظلومية والإقصاء الذي تعرضوا له، والتهميش منذ ما يزيد على 1400عام، أي منذ العصر الأول للإسلام؛ حيث يرى المهمشون أنهم كانوا إلى ما قبل ذلك حكاماً لليمن كأحباش، قبل أن تنتهي دولتهم في حادثة الفيل، فيما يرى الحوثيون أنهم من سلالة آل البيت، وأنه تم إقصاؤهم من حكم الأمة الإسلامية من قبل الخلفاء الراشدين الثلاثة، ومن الدولة الأموية والدويلات الإسلامية التي توالت على حكم اليمن والمنطقة.

اتهامه بالسكر

في الفترة الأخيرة تم تهميش القيرعي وتجاهله من قيادات المليشيات الحوثية، والتي رأت أنه أصبح عبئاً عليها، خصوصاً والكثير من المهمشين رفضوا المشاركة في القتال مع الجماعة ضد قوات الشرعية والتحالف، وتعمدت الجماعة تسريب مقطع يظهر فيه القيرعي وهو في حالة سكر وقد تم اقتياده إلى أحد أقسام الشرطة.

بعد وصوله إلى عدن أشار القيرعي في تصريحه إلى أن المليشيات فرضت عليه الإقامة الجبرية في منزله بعد احتجازه أكثر من 75 يوماً، على خلفية حديثه في إحدى القنوات الإيرانية عن فشل "الثورية العليا" في تحقيق ما نشده اليمنيون، وعجزها عن دفع المرتبات ومكافحة الفساد، وبحسب اتصاله مع قناة «اليمن اليوم» أكد القيرعي، أنه حاول طلب اللجوء لدى منظمة دولية، قبل أن يتدخل رئيس المجلس السياسي المشاط ويثنيه عن ذلك وأقنعه بالبقاء في منزله، واستلام مخصصاته المالية إلى منزله.

وأشار الناشط الحوثي منذر الأصبحي -في منشور له تعليقاً على وصول القيرعي إلى عدن-إلى ما تعرض له الرجل من تهميش وتمييز وحتى التجويع رغم تقديمه نجله قتيلاً مع المليشيات.

وتحدث عن مشاهد رآها خلال اجتماعات الثورية العليا في القصر الجمهوري بصنعاء، من لهث القيرعي بعد إيجار "التكسي" الذي أوصله للاجتماع، فيما كان قادة المليشيات يصلون على متن سيارات فاخرة.

اعتاد القيرعي على الهجرة بين التنظيمات السياسية والأيدولوجيات العقائدية، تارة للبحث عن تحسين وضع المهمشين الذين يزعم أنه قائدهم، وتارة أخرى لاكتشافه استغلال الجماعات والأحزاب التي هاجر منها لشخصيته والمهمشين وقضيتهم لتحقيق مكاسب سياسية وإعلامية، وفي كل مرة يهاجر الرجل من حزب أو جماعة تثار ضده الكثير من الاتهامات بالارتزاق.

تنقل القيرعي بين اليسار كاشتراكي ماركسي، وصولاً إلى المؤتمر حزب الدولة في عهد صالح، وارتمائه الأخير في أحضان جماعة الحوثيين، والانشقاق عنها مهاجرا نحو الشرعية اليمنية والحكومة المعترف بها دولياً، والتي كانت حتى الأمس القريب حكومة ارتزاق واحتلال من وجهة نظره، ولا يعرف أين ستكون محطته القادمة.

ومع تزايد المهاجرين من قيادات الحوثيين في الفترة الأخيرة، يرى متابعون أن وجهة تلك القيادات كلها إلى رحاب أوسع من نطاق الشرعية وهو التحالف العربي بقيادة السعودية والإمارات.

ويبقى السؤال، هل سيحظى القيرعي بالحفاوة من الشرعية والتحالف التي حظيت بها قيادات حوثية منشقة؟ أم أن لعنة التمييز ستظل تطارده؟