انهيار سور شبام

انهار سورها الخارجي.. أقدم "ناطحات السحاب" في العالم مهددة بالاندثار (صور)

يمن شباب نت

ما كان يُحذَّرُ منه لسنوات، ها هو قد حصل مؤخرا، وأنهار جزء من سور مدينة شبام التاريخية المصنفة ضمن قائمة التراث العالمي، والتي وضعتها اليونسكو، منذ ثلاث سنوات، ضمن قائمة المدن التاريخية المهددة والمعرضة للخطر.  
 
تقع مدينة شبام التاريخية بوادي حضرموت، شرقي اليمن، ويبلغ عدد سكانها حوالي ثلاثة ألاف نسمة، وتمتاز ببنائها المعماري الطيني الفريد المنتظم بنموذج عمودي دقيق وجذاب، يعود بنائها إلى القرن السادس عشر.
 
ويصل عدد مبانيها إلى "470" منزلا بُنيت جميعها من مادة الطين، بأطوال تتراوح ما بين (8 – 5) طوابق (ارتفاع)، ما جعلها توصف بأول ناطحات سحاب "طينية" في العالم، كما وصفت بـ"مانهاتن الصحراء" لمبانيها البرجية المرتفعة.  
 


إهمال.. وتحذيرات سابقة

ورغم صمودها منذ "600" سنة في وجه التغيرات والظروف الطبيعة، إلا أنها عانت الكثير من الإهمال. وسُبق أن صدرت تحذيرات متكررة بأن السور المحيط بالمدينة يتآكل من جميع الجهات، وأنه قد ينهار في أي لحظه. وهو ما حصل بالفعل في الخامس من شهر فبراير الجاري، تمام الساعة 7:15 مساءً، بانهيار جزء من السور الجنوبي، تقدر مساحته بـ(9) أمتار.    
 
ويعتبر السور المحيط بالمدينة بمثابة "الدعائم" الأساسية لحمايتها والحفاظ على منازلها الطينية. وكانت تقارير سابقة قد حذرت من أن الانهيارات الأولية التي تحصل فيه ربما تجعل السور يتآكل بأكمله، ما سيؤدي بعد ذلك إلى تضرر المنازل بشكل كبير، نتيجة تلاصقها ببعضها البعض. 
 
وحذرت التقارير من الإهمال الذي تعيشه المدينة، مطالبة بسرعة التدخل لإنقاذها بوصفها إحدى المدن التاريخية العريقة، المنصفة ضمن قائمة التراث العالمي. وفي العام 2015 أدرجت منظمة اليونسكو المدينة ضمن قائمة المدن التاريخية المهددة والمعرضة للخطر.
 
وأنتقد أبناء المدينة، ومسئولون فيها، ومراقبون مهتمون بالتراث، الإهمال الواضح الذي تتعرض له المدينة التراثية من الجهات المختصة، وضعف المشاريع الحقيقية للحفاظ عليها وترميمها، على الرغم من اتفاق الجميع على مكانتها التاريخية وأهميتها السياحية.
 

موقف السلطة المحلية

بعد ساعات من إعلان تهدم جزء من السور الجنوبي لمدينة شبام التاريخية، أصدر محافظ محافظة حضرموت اللواء الركن فرج سالمين البحسني، توجيهاته إلى وكيل المحافظة لشؤون مديريات الوادي والصحراء عصام حبريش الكثيري، بتكليف مكتب وزارة الأشغال العامة والطرق بالوادي، بالنزول لتفقّد الأضرار الحاصلة في السور، وسرعة إعادة ترميمه وترميم الأجزاء الأخرى الآيلة للسقوط.
 
وتفيد المعلومات المنشورة بهذا الخصوص، أن وكيل المحافظة الكثيري وجه- بدوره- كل من مدير عام مديرية شبام، وهيئة المدن التاريخية بشبام حضرموت، إلى سرعة معالجة الضرر، وترميم سور المدينة بشكل كامل في الجهة الجنوبية، بعد انهيار جزء منه، تقدر مساحته بتسعة أمتار.
 
ودعا الكثيري، وفقا للأخبار المنشورة، سكان مدينة شبام إلى التعاون والحفاظ على المدينة، والإبلاغ مسبقاً عن أي مشاكل قد تؤدي إلى تضرر المدينة، وخصوصا تسرب المياه وانسداد مجاري تصريفها.
 
وأوضح مدير عام مدينة شبام ورئيس المجلس المحلي عبد الوهاب عبدالله جابر، أنهم تلقوا بلاغا وتحذيرا من قبل الأهالي الساكنين جوار السوار، في نفس اللحظة التي انهار فيها السور ليلاً.
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت": "وعلى إثر ذلك قمنا في الحال بزيارة الموقع ومناشدة سلطة الوادي والساحل عبر الاذاعة والمواقع الإلكترونية الإخبارية للمساعدة بشكل سريع. كما وجهنا أيضا نداءً إلى المنظمات المحلية والدولية باعتبار أن "مدينة شبام" معلم تاريخي عالمي.
 
وأوضح أن الجزء المتهدم من السور يبلغ طوله من "9 – 12" متر، الأمر الذي تسبب في تضرر بعض المواقع، هي "سوق اللحم الملاصق بالسور، وأحد المنازل المجاورة، وكذا بعض المحال التجارية أسفل السور بـ7 أمتار إلى الجنوب".    
 


من يتحمل المسئولية؟ 

تعد العوامل الطبيعية من أمطار وسيول، إلى جانب التدخلات البشرية، من أهم الأسباب المباشرة التي ساعدت على تفاقم هذه المشكلة. إلا أن إهمال الجهات المختصة والمعنية وعدم قيامها بدورها الفعلي بالحفاظ على هذا المعلم التاريخي على النحو المطلوب منها طوال الفترات الماضية، يعد من الأسباب غير المباشرة التي أوصلت المدينة إلى هذا الحال المزري. بما في ذلك تدهور السياحة بشكل كبير.
  
وحمّلَ مدير عام المدينة "بن جابر"، المسؤولية الأولى في انهيار السور على السلطة المحلية بالمديرية وسلطة المحافظة.
 
وأضاف لـ"يمن شباب نت"، أن الهيئة العامة لحماية المدن التاريخية، تقع أيضاً على عاتقها جزءً كبيرا من المسؤولية، فمنذ البداية أثناء عملية إعادة ترميم المنازل والأسوار كانت تولي اهتمامها بالشكل فقط، ولم تكن المعالجة هدفها، بالإضافة إلى أن الهيئة لم تتخذ قرارات قوية تجبر الأهالي على إزالة أحواش الأغنام والمباني العشوائية على أطراف السور العلوي بجانب حافة السور، ما أدى إلى تراكم مخلفات الأغنام وعدم مراقبة نزول المياه.
 
ولم يستبعد بن جابر المنظمات المانحة من تحمل جزء من المسئولية "بسبب توقفها عن الدعم، وعدم استمرارها في الصيانة"، في الوقت الذي وجه فيه اللوم أيضا إلى سكان المدينة الذين أعتبرهم جزء من الأسباب، موضحا "فقد صمدت المدينة لسنوات، رغم عدم وجود تلك المنظمات، إلا أنهم كانوا يهتمون بمنازلهم، كلٌ حسب المساحة التي بجواره، أما الآن فغالبية سكان المدينة ليسوا من السكان الأصليين". كما يقول.
 
وخلص بن جابر إلى "أن عدم إدراك أهمية المدينة بمعناها التاريخي والثقافي، سواء من سكان المدينة، أم من الجهات الرسمية والسلطة بالمديرية والمحافظة، سبب رئيسي في انهيار السور".
 

تهديدات وأسباب أخرى 

ويتحدث مدير عام الهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في شبام ووادي حضرموت، حسن عيديد، عن أسباب وتهديدات أخرى أثرت سلبا على مباني وسور مدينة شبام، أبرزها وأهمها "تلك الانفجارات المتكررة والاشتباكات المسلحة".
 
وفي هذا السياق، أشار عيديد في حديثه لـ"يمن شباب نت"، إلى ما حدث في المدينة من "تفجير إرهابي يوم 15 نوفمبر 2015، والذي أثر بشكل كبير على مباني المدينة، مما وضع المدينة ضمن قائمة التراث المهدد بالخطر".
 
لكن عيديد، أيضا، لم يستثني الحكومة من انتقاداته، مضيفا "ومن تلك المخاطر، تهرب الحكومة من تحمل المسؤولية تجاه هذه المدينة التاريخية، بعدم توفير واعتماد مشاريع الحفاظ والترميم، وضعف دور السلطات المحلية بالمحافظة في تبني مشاريع للمحافظة على المدينة وترميمها".
 
ومع أنه أكد على أن كل ذلك "أدى إلى ضعف تنفيذ القوانين والتشريعات"، أستدرك "ولكن ظلت المدينة محافظة على مبانيها من التشوهات والمخالفات المعمارية".
 
ومن المعروف لدى الجميع أن مباني مدينة شبام بنيت من مادة "الطين"، لذلك فهي بحاجة إلى صيانة سنوية لمنع أي أضرار كبيرة قد تطال تلك المباني.
 
ويؤكد عيديد لـ"يمن شباب نت" على عدم قدرة المواطن من تحمل تكاليف أعمال الترميم، بسبب الحالة الاقتصادية التي يعيشها اليمنيون وسكان مدينة شبام. إلا أنهم في نظره يتحملون جزءً من المسئولية، بسبب تركهم الأغنام في أجزاء السور، الأمر الذي أدى إلى تشبعه بالرطوبة، دون رقابة.
 
وأشار بن جابر- مدير عام شبام- إلى أن "الإنسان نفسه، أكتوى بالتغيرات التي طرأت في السنوات الأخيرة، فما بالنا بسور المدينة وهو جماد"، مضيفا "فالأزمة السياسية والحرب الدائرة في البلاد أثرت ذلك سلباً في كل شيء، بما في ذلك توقف كل الموارد، وتخوف المنظمات الدولية من التحرك وعدم اهتمامها بهذه المدينة التاريخية، شبام".
 


دعوات للإنقاذ

وعليه، ناشد عبد الوهاب عبدالله جابر- مدير عام مدينة شبام- عبر "يمن شباب نت"، محافظ محافظة حضرموت اللواء البحسني ووكيل المحافظة عصام الكثيري، بأن يخصصوا ولو جُزءً بسيطاً من حصة النفط لأعمال الصيانة والطوارئ لهذه المدينة.
 
وأضاف "نحن كسلطة محلية في المدينة ندرك حرصهم ووطنيتهم ومعرفتهم بأهمية الحفاظ على هذا المعلم التاريخي، لذلك سيتوجب عليهم ضرورة أن يضعوا شبام نصب أعينهم، فهي رمز لحضرموت بشكل خاص وللوطن بشكل عام، وهي لا تقل أهمية عن أي مشروع استراتيجي يمكن أن يخدم المواطنين، فعمر شبام تجاوز مئات السنين"، داعيا في الوقت نفسه "جميع الأهالي بحماية مدينتهم، وأن يكونوا عامل من عوامل إطالة عمر المدينة والحفاظ عليها".
 
ومثله، وجه حسن عيديد عبر "يمن شباب نت" نداءً إلى الحكومة اليمنية بتحمل مسؤوليتها تجاه هذا التراث العالمي، قبل أن ينهار بشكلٍ كلي، داعيا في الوقت عينه، المنظمات الدولية إلى سرعة التدخل في ترميم مباني المدينة، كما طالب المجتمع المحلي بشبام الالتزام بالحفاظ على تراث وتاريخ المدينة.
 
وقال "نحن في هيئة الحفاظ على المدن التاريخية، سنظل نتابع بجهود حثيثة كافة المنظمات والمانحين، إذ حصلنا على تمويل لحصر وتقييم الأضرار في المدينة، بتمويل من UNDP، ومنظمة اليونسكو، والصندوق الاجتماعي للتنمية".