أرشيفية

أسقطت قنابلها في عجالة وهربت من الطائرات الباكستانية.. رواية جديدة لمقتل 300 مسلم في قصف جوي هندي

قصفت الهندُ باكستان، فردَّت باكستان وأسرت طياراً هندياً.. هذه هي الحقائق المؤكدة. أما أي معلومات أخرى عن الاشتباكات التي وقعت الأسبوع الماضي بين طرفي النزاع في جنوب آسيا فهي غير مؤكدة.

صحيفة The Guardian البريطانية نشرت تقريراً حاولت أن تجيب خلاله عن هذه الأسئلةهل قصفت الهند معسكراً لتدريب المتشددين في باكستان؟ وهل اخترقت خط وقف إطلاق النار بين البلدين في إقليم كشمير المتنازع عليه بينهما؟ وكم عدد القتلى من جراء الغارات الجوية الهندية؟ وهل سقطت مقاتلة باكستانية أثناء قصف الأراضي الهندية في اليوم التالي؟

روايات متضاربة من الهند وباكستان

بعد أسبوع من وقوع الضربات الجوية الهندية على الأراضي الباكستانية التي تعد الأولى منذ خمسة عقود تقريباً، تظل الإجابات عن هذه الأسئلة وغيرها رهن ضباب التضليل الإعلامي وتضارب الروايات الرسمية من كلا الطرفين.

تقول الرواية الهندية إن نيودلهي شنَّت ضربات جوية صباح الثلاثاء الماضي 26 فبراير/شباط، استهدفت منشأة تقع على قمة تل وسط غابة كثيفة في منطقة بالاكوت، وهي منطقة تقع على بعد 10 كيلومترات داخل الأراضي الباكستانية.

وزعمت الهند أن هذه المنشأة تابعة لجماعة جيش محمد، وهي جماعة مسلحة متشددة أعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الانتحاري بسيارة مفخخة في كشمير، الذي وقع في فبراير/شباط الماضي، وأسفر عن مقتل 40 هندياً من القوات شبه العسكرية.

وقال وزير الخارجية الهندي فيجاي غوخال، في بيان، إن الضربات قتلت «عدداً كبيراً من إرهابيي جيش محمد ومدربيهم وكبار قادتهم ومجموعات من الجهاديين الذين يتدَربون على الأعمال الانتحارية».

ونقلت وسائل إعلامية هندية عن مصادر حكومية زعمها قولها إن الضربات الجوية قتلت ما بين 250 إلى 350 شخصاً. كما ذكر أميت شاه رئيس الحزب الهندي الحاكم بهاراتيا جاناتا هذه الإحصائية خلال عطلة نهاية الأسبوع أمام حشد انتخابي، إذ يخوض الحزب الانتخابات العامة في الهند المزمع إجراؤها في أبريل/نيسان المقبل.   

وتقول الرواية الباكستانية إن المقاتلات الجوية الهندية اخترقت مجالها الجوي لبضع دقائق قبل رصدها ومطاردتها، مما دفعها لإسقاط ذخيرتها في عُجالة على أرض فضاء قبل هربها.

ونشر المتحدث العسكري الباكستاني الجنرال أصيف غفور على حسابه على موقع تويتر صوراً لمنطقة مفتوحة مليئة بالأشجار، حيث أُسقطت الشحنة المتفجرة، دون ظهور أي مبانٍ متضررة.

الضربة الجوية تصيب أبواب منزل مزارع

وقال نوران شاه، وهو مزارع يعيش بالقرب من مكان سقطت فيه قنبلتان، في تصريح عبر الهاتف لصحيفة The Guardian البريطانية، إن أبواب منزله المشيد بالطوب اللبن قد نُسفت بفعل الانفجار، مضيفاً: «لم يتضرر أي شيء باستثناء أجزاء من منزلي وهناك أربع حُفر كبيرة في الأرض».

وتشير الغارديان إلى أن تحليل الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية مفتوحة المصدر يلقي بظلال الشك على المزاعم الهندية. إذ تمكن تقرير أعده مختبر الأدلة اﻟﺠﻨﺎﺋﻴﺔ اﻟﺮﻗﻤﻲ التابع للمجلس الأطلسي، وهو منظمة بحثية، من تحديد موقع الهجوم وتقديم تقييم أولي للخسائر.

فقد نَاظَر التقرير الصور الملتقطة بالأقمار الصناعية خلال الأيام السابقة واللاحقة للهجوم الهندي، واكتشف حدوث بعض التأثيرات في المناطق كثيفة الأشجار، دون إلحاق أي أضرار مرئية بالمباني القريبة. وقال مايكل شيلدون، وهو باحث مساعد في مختبر الأدلة الجنائية: «أشارت الأدلة مفتوحة المصدر إلى أن الضربات لم تكن ناجحة».

كما أوضح تحليل منفصل اعتمد على صور الأقمار الصناعية أيضاً نشره معهد السياسة الاستراتيجية الأسترالي أنه لا توجد أدلة على إلحاق أي أضرار بالمنشأة الواقعة على قمة التل التي زعمت الهند أنها دمرتها.   

وكان المارشال بيرندر سينغ دهانوا، وهو قائد القوات الجوية الهندية، قد صرَّح أمس الإثنين 4 مارس/آذار بأن الضربات الجوية حققت أهدافها، ولكنهم لم يقدروا حصيلة القتلى. مضيفاً: «لم نتمكن من إحصاء القتلى. فهذا يعتمد على عدد الأشخاص الذين كانوا موجودين في المكان».

وتتمثل نقطة الخلاف الرئيسية الثانية في زعم الهند أنها أسقطت مقاتلة باكستانية أثناء مشاركتها في قصف جوي على الأراضي التي تسيطر عليها الهند صباح يوم الأربعاء 27 فبراير/شباط، وأن المقاتلة التي أسقطتها من طراز إف-16.

الهند تنشر صوراً لحطام طائرة باكستانية قامت بتدميرها.. ومقاطع الفيديو تكشف أنها هندية

ونشرت وكالة الأنباء الهندية الرسمية (ANI)، الأسبوع الماضي، صوراً لحطام طائرة حربية في الشطر الذي تسيطر عليه باكستان من إقليم كشمير الحدودي مع الهند، كدليل على إسقاط مقاتلة إف-16.

وفحص موقع «بيلنجكات» الاستقصائي الصور ومقاطع الفيديو الخاصة بالحطام، وخلُص إلى أنها تابعة للطيران الحربي الهندي، وهي من طراز «ميغ- 21» التي أُسقطت في المعركة الجوية يوم الأربعاء الماضي 27 فبراير/شباط 2019، ما أدى إلى أسر قائدها أبهيناندان فارتهامان.

وعرض مسؤولون بالجيش الهندي حطام صاروخ من طراز «إيه آي إم-120 أمرام»، قائلين إن إحدى الطائرات الحربية الباكستانية أطلقته، والتي لا بد أن تكون من طراز إف-16، لأنها الوحيدة التي تُطلق هذا النوع من الصواريخ، حسب قولهم.

وكانت باكستان قد استخدمت طائرات ضخمة: فقد اشترت مقاتلات إف-16 من الولايات المتحدة وفق اتفاق صريح باستخدامها في عمليات مكافحة الإرهاب وليس في الهجوم على الهند.     

وقال الجيش الباكستاني إنه استخدم مقاتلات صينية الصنع من طراز جيه إف-17 في الهجوم، لكنه لم يقدم أي دليل على إطلاق هذا النوع من الصواريخ الذي تقول الهند إنه قد استُخدم.

في عصر مواقع التواصل الاجتماعي الجميع يدعي النصر

وقال مايكل شيلدون، وهو باحث بالمجلس الأطلسي، إن الغموض الذي يعتري الحقائق الأساسية ليس غريباً خلال النزاعات أو الكوارث الكبرى، لاسيما في عصر مواقع التواصل الاجتماعي.

وأضاف: «إن إسقاط طائرة الركاب من طراز بوينغ ذات الرحلة رقم MH17 التابعة للخطوط الجوية الماليزية في أوكرانيا على يد انفصاليين موالين لروسيا كان دراسة حالة نموذجية للتضليل الإعلامي الذي تكرسه الدول. فالروايات غير المركزية لهذا التوجه (تجربة أي رواية لانتقاء ما يمكن الالتزام به) تنتشر في البيئة الواسعة لمواقع التواصل الاجتماعي».

وقال فيبين نارانغ، وهو أستاذ مشارك في العلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا: «في هذه المرحلة يكون من مصلحة الطرفين إبقاء الرواية قابلة للتغيير. إن ميزة ضباب الحرب، وخاصة في أعقاب شيء من هذا القبيل مباشرة أنه يمكنك تقديم روايات متناقضة بالفعل».

وأضاف نارانغ أن هذا يفسح المجال أمام كلتا الدولتين لادعاء الانتصار، وإنكار ضربات الطرف الآخر. وتابع: يمكن لهذا النوع من الغموض أن يؤدي إلى خفض التصعيد في اللحظة الراهنة. ويمكننا تقصي الحقائق فور عودة الهدوء».

 

ترجمة: عربي بوست