كان التفوق في لعب كرة السلة في ضاحية سيبوليا بأثينا تسلية مرّحبا بها ليانيس أنتيتوكونمبو
وكان كسب المال صعبا، وفي بعض الأحيان كان يضطر هو وأخوه ثاناسيس إلى ارتداء نفس الحذاء أثناء اللعب.
اليوم، يمتلك أنتيتوكونمبو حذاء كرة سلة ماركة نايك يحمل اسمه.
"الوحش اليوناني"، الأثيني المولد لمهاجرَين بلا أوراق موثقة، أصبح نجم دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين (إن بي أيه).
بداية صعبة
يتقاضى أنتيتوكونمبو سابع أعلى أجر حصل عليه لاعب في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين الشهير (إن بي أيه) للرجال، أكثر الألعاب الرياضية من حيث المشاهدة.
وأصبح اللاعب الفارع الطول (2.11 متر) البالغ من العمر 24 عاما قاب قوسين أو أدنى من الفوز بجائزة أفضل لاعب، وهي إحدى الجوائز المرموقة عالميا.
لا يمكن لهذا الحاضر أن يكون أكثر تناقضا مع تلك الأيام التي كان فيها أنتيتوكونمبو وأخوه يطوفان شوارع أثينا يبيعان اكسسوارات مُقلدّة التصميم (غير أصلية).
كانت تلك إحدى الوسائل التي يساعدان بها والديهما في تدبير نفقات المعيشةـ ذلك أن وضعية الوالدين تشارلز وفيرونيكا أنتيتوكونمبو كمهاجرَين حدّت من فرصهما الوظيفية.
قال يانيس لبرنامج تلفزيوني أمريكي: "اعتدنا على بيع نظارات وساعات يدّ، ثم بعد ذلك أقدمنا على بيع اسطوانات مدمجة وأقراص فيديو رقمية. كنت أفضل بائع متجول. وكان معنى أن نبيع شيئا في يوم ما هو أننا سنؤّمن طعاما في ذلك اليوم".
وعلى الرغم من مولده في اليونان، لم يكن أنتيتوكونمبو يحق له الحصول على الجنسية. وظل حتى عامه الثامن عشر بلا هوية، ذلك أنه لم يكن يحمل أيضا أوراقا نيجيرية.
ومن أجل تحسين عملية دمج ولديه في المجتمع اليوناني، سمّاهما تشارلز بأسماء يونانية (يانيس وثاناسيس) وشجعهما على لعب كرة السلة كهواية وحرفة محتملة، وشب الولدان عن الطوق بسرعة يلعبان لعبة تحظى بشعبية كبيرة في اليونان.
وبدأ يانيس اللعب عام 2007، ولم تكد تمضي أربعة عوام حتى اكتشفه مكتشفو المواهب في دوري كرة السلة الأمريكي وانتشلوه من نادي يوناني درجة ثانية لم تكن صالة ألعابه الرياضية تحتوي على تدفئة مركزية ولا مياه ساخنة.
ووقع أنتيتوكونمبو على عقد اللعب مع نادي ميلووكي باكس عام 2013.
وشارك اللاعب في حفل "إن بي أيه درافت السنوي" - في تجربة تشبه عروض تلفزيون الواقع، حيث تظهر فيه الفِرَق بحيث يتسنى اكتشاف لاعبين جدد. وبُثّ الحفل على التلفزيون حول العالم.
كان أنتيتوكونمبو لا يزال جديدا. حينها قال خبراء إن هذا اللاعب قد يُعار مرة أخرى إلى فريق يوناني لاكتساب خبرة أكثر قبل الانضمام لصفوف ميلووكي باكس.
بعض هؤلاء الخبراء الآن يتغنون بأمجاد "الوحش اليوناني" ويتحدثون عن طول باعِه (المسافة ما بين كفي الذراعين الممدودتين يمينا ويسارا).
ويثمّن دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين اللاعبين ذوي الباع الطويل، لقدرتهم الفائقة على عمل هجمات مرتدة واعتراض تصويبات وسرقة تمريرات والتصويب من فوق المدافعين.
ويبلغ طول باع "الأسطورة اليونانية" 2.21 متر، ليكون بذلك بين 20 لاعبا هم الأطول باعا بين نحو 500 لاعب في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين يشاركون في موسم 2018/2019.
ولم يقبل أنتيتوكونمبو عرض نادي ميلووكي باكس إلا بعد الحصول على ضمانات بأن عائلته ستتمكن من اللحاق به في الولايات المتحدة.
وكانت رحلته إلى أمريكا هي الأولى له خارج اليونان على الإطلاق.
يتذكر أنتيتوكونمبو قائلا: "ثاناسيس وأنا أجهشنا بالبكاء عندما أُعلن اسمي (في الحفل)؛ إذ علمنا أن حياتنا قد تغيرت في تلك اللحظة. ومنذ الآن فصاعدا، ينتظر عائلتَنا مستقبلٌ أفضل".
ازدهار
ومما يجعل نجاح أنتيتوكونمبو أكثر إثارة للإعجاب أن فريق ميلووكي باكس ليس بين الفرق الكبرى في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين.
وكانت البطولة الوحيدة التي أحرزها النادي في عام 1971، بينما كانت أمريكا لا تزال في حرب مع فيتنام.
ويطلق المعلقون على النوادي الشبيهة بميلووكي باكس بمقره في ولاية ويسكونسن، اسم "فِرَق السوق الصغيرة" - حيث تكافح هذه النوادي لملء مقاعد المتفرجين في المدرجات.
وكانت تلك حال نادي ميلووكي باكس حتى وصل أنتيتوكونمبو. أما الآن فلم يعد يشغر مقعد واحد بين 17 ألف مقعد في المدرجّات.
والسبب الرئيسي بسيط: هو أن المشجعين يرغبون في رؤية "الوحش اليوناني".
وفي ظل وجود أنتيتوكونمبو بات ميلووكي باكس أفضل فريق في دوري كرة السلة الأمريكي للمحترفين لهذا الموسم؛ إذ حقق الفريق الفوز في 75 في المئة من مبارياته.
أنتيتوكونمبو هو في طليعة هدافي الفريق كما يقود الوحش اليوناني ميلووكي باكس في التمريرات الحاسمة والهجمات المرتدة في كل مباراة.
تصويبة من فوق السلة (دانك)
يقول جون هنسون، زميل أنتيتوكونمبو في فريق ميلووكي باكس: "قبل أن يأتي يانيس لم يكن يحضر لنا في المدرجات سوى القليل من المشجعين، حتى لقد كان بإمكاننا أن نسمع حديث عائلاتنا ونحن نلعب. وكان يمكن للأم أن تسدي نصيحة لابنها اللاعب في المباراة".
ويُظهر بثّ المباريات حول العالم مدى الضآلة التي يبدو عليها خصوم أنتيتوكونمبو في مواجهته. ولكن إحدى المباريات شهدت تصويبة من فوق السلة "دانك" - وهي تلك التي يضع فيها اللاعب الكرة داخل الحلقة بيده بدلا من تصويبها من بعيد.
وهي لعبة شائعة -يصنعها لاعبو دوري كرة السلة الأمريكي أكثر من مرة في المباراة- ولكن في هذه التصويبة، أذهل يانيس المشجعين والنقاد على السواء بالطريقة التي قفز بها فوق خصمه تيم هارداواي جونيور الذي يبلغ طوله 1.98 متر ، في فبراير/شباط من العام الماضي.
وهذا هو العام الثالث من أصل أربعة أعوام هي مدة تعاقد أنتيتوكونمبو البالغ قيمته 100 مليون دولار، لكن العقد المقبل سيكون أعلى قيمة بالتأكيد، لا سيما إن أحرز الوحش اليوناني جائزة أفضل لاعب.
سياسات كريهة
حال حصول أنتيتوكونمبو على الجائزة، سيكون رابع لاعب غير أمريكي يحصل عليها منذ تدشينها عام 1955.
لكن بخلاف لاعبي كرة سلة كثيرين، لا يحب "الوحش اليوناني" المظاهر.
فحتى العام المنصرم، كان أنتيتوكونمبو يعيش في شقة مؤجرة عبارة عن غرفتين مع أمه وصديقته وأخيه.
ولم تقف السنوات الصعبة في اليونان مانعا بين أنتيتوكونمبو وتمثيل بلده في المنافسات الدولية، حيث يلعب إلى جوار أخيه ثاناسيس. لكن لكل منهما حذاؤه الخاص الآن.
ولم يكن لأحد أن يلوم على أنتيتوكونمبو إذا هو سلك سلوكا مغايرا على صعيد تمثيل اليونان في المنافسات الدولية، ذلك أنه لم يحصل على الجنسية اليونانية إلا عام 2013، في عملية هيمنت عليها البيروقراطية التي كاد يتعذر عليه في ظلها السفر إلى الولايات المتحدة لإتمام انتقاله إلى فريق ميلووكي باكس.
كما أن السياسي اليوناني، نيكولاس مايكلوليالوس، زعيم حزب "الفجر الذهبي" اليميني المتطرف، هاجم الحكومة اليونانية على قرارها منح يانيس وأخيه ثاناسيس الجنسية، واصفا يانيس بأنه "شِمبانزي".
لكن رئيس الحكومة اليوناني آنذاك، أنتونيس ساماراس، رد اعتبار يانيس قائلا إن "انتماءه لليونان يفوق انتماء المتحدثين عنه بسوء".
في ذلك الوقت، لم تمر مسألة معاملة يانيس وثاناسيس معاملة خاصة مقارنة بأبناء مهاجرين آخرين أقل شهرة وُلدوا في اليونان- لم تمر مرور الكرام؛ فقد أثارت انتقادات من جماعات حقوقية.
يقول يانيس: "مرت عليّ أوقات كثيرة عندما كنت في اليونان، كان الناس يقولون لي: 'أنت لست يونانيا، إنما أنت نيجيري لأنك أسود'. لكن سرعان ما تبدلت الأحوال وكثيرا ما بتُّ أسمع مَن يقولون: 'أنت لست أفريقيا. أنت يوناني'. لكنني لا أعير ذلك اهتماما. وفي أعماق ذاتي أعلم مَن أكون ومن أين أنا. وهذا هو كل ما يهمني".