الرئيس ابراهيم الحمدي

قصة اغتيال "الرئيس الحمدي" إلى الواجهة مجدداً.. مالذي تريد "الجزيرة" إظهاره ضمن صراعها مع الجيران؟!

بينما بدأت قناة الجزيرة القطرية منذ أيام بث إعلان عن موعد بث برنامج وثائقي عن مقتل الرئيس الحمدي بعنوان "الغداء الأخير"، نشر نشطاء وإعلاميون يمنيون إعلاناً يحمل شعار الفضائية اليمنية الرسمية لوثائقي مماثل عن ذات الموضوع من المفترض أن يتم بثه مساء اليوم الجمعة.


الرئيس الحمدي ثالث رئيس للجمهورية العربية اليمنية (المسمى القديم لشمال اليمن ما قبل الوحدة) حكم خلال الفترة من 13 يونيو 1974 حتى 11 أكتوبر 1977. 
المفاجئ أن إعلاناً عن وثائقي مماثل حول ذات القضية تداوله نشطاء وإعلاميون على وسائل التواصل بعنوان "من قتل الرئيس؟" وعليه شعار الفضائية اليمنية الحكومية التي تبث من العاصمة السعودية الرياض، إلا أن الإعلان ذاته اختفى قبل أن يبث في الفضائية، وهو ما يشير إلى احتمال التراجع عن بثه لأسباب غير معروفة.

 

تعيش اليمن حرباً طاحنة منذ سنوات وتعج هذه الحرب وما رافقها من انتهاكات وانتكاسات بألغاز ونقاط غامضة تحتاج إلى إجلاء فما الذي يجعل قضية الحمدي تعود إلى الواجهة في هذا الوقت دون مناسبة.
تقول الوقائع إن الخليجيين لم يكونوا يحبون الرئيس الحمدي الذي اتسمت أواخر فترة حكمه بتوتر مع المحيط الإقليمي الذي رأى في وجوده نزوع نحو الخروج من عباءة وصاية الأشقاء الكبار.



ما يبدو من التفاصيل يتضح أن إثارة القضية لا علاقة له بالحب ولا بالبغض إنما الأرجح توظيف دم الرجل ضمن حمى الصراع الخليجي المحتدم منذ أكثر من عامين، وتسجيل إدانات أكثر من محاولة إجلاء الحقيقة.


رغم الإخفاقات التي رافقت الحكم في اليمن منذ ثورة سبتمبر 62 فقد خلدت فترة الرئيس الحمدي في الوعي الشعبي لدى شريحة واسعة من اليمنيين الذين رأوا فيه أملاً ليمن يحلمون به.ولأن المتورطين في تنفيذ اغتيال الرئيس الحمدي هم الذين أمسكوا دفة الحكم بعده فقد ظلت قصة اغتياله مجرد روايات متعددة وناقصة ومتناقضة يتناقلها محبو الرجل وأقاربه وخصومه دون أن تكشف الأوراق الحقيقية لتلك الفترة، إذا أن الكشف عن الحقائق بقي مستحيلاً في ظل أن الذين صوبوا سلاحهم نحو الرجل وضغطوا الزناد هم ذاتهم من أمسكوا بزمام السلطة وأهالوا التراب على التفاصيل وطمسوا كل ما يترك أثراً على الجريمة بل وعلى فترة حكم الرجل بكل ما لها وما عليها.


كانت اليمن الفقيرة ولا تزال هي الحديقة الخلفية للخليج الغني وكل محاولات الخروج من هذا المربع باءت بالفشل، يقول محبو الرئيس ابراهيم الحمدي إن فترة حكمه كانت ضمن تلك المحاولات القليلة التي أجهضت في وقت مبكر ويذهبون إلى تحميل دول الإقليم مسؤولية التخطيط لاغتياله وإن تم ذلك بسلاح رفاقه المقربين وزملائه النافذين في قيادة الجيش.الوثائقي الذي من المقرر أن تبثه فضائية الجزيرة القطرية غداً السبت دون مناسبة يقول جمال المليكي، منتج وثائقيات لقناة الجزيرة إنه ليس من الضروري أن تكون هناك مناسبة للبث، ويضيف المليكي في حديث لـ"المصدر أونلاين" "اشتغل على الفيلم منذ حوالي عام وكنت أسعى لإنجازه وبثه في ذكرى اغتيال الحمدي في 13 اكتوبر من العام الماضي لكن لم أتمكن من إنجازه، والآن بعد الإنتهاء من الفيلم قررنا بثه".


تبدلت التحالفات والتكتلات وتغير الأعداء أيضاً في خارطة الصراع في المنطقة إلا أن الملفات القديمة يبدو أنها لا تزال صالحة للتوظيف ضمن صراعات الإخوة الأعداء، وفي تعليقه للمصدر أونلاين يذهب الكاتب والباحث محمد صلاح إلى أن إجلاء الحقيقة ليس ضمن أجندة المشتغلين على هذه القضية وتحديداً في هذا الوقت، ويضيف: "كلهم في الوقت الراهن سوف يستخدمون نصف الحقيقة لتوظيفها في ظل الصراع الراهن".


ينفي المليكي هذه التهمة ويستدرك "أي عمل تبثه الجزيرة في هذا الظرف سنسمع عنه توصيفات لها علاقة بالتوظيف في الصراع"، ويؤكد أن الفيلم تضمن وثائق جيدة من أكثر من إرشيف حول العالم، ويضيف "سيبث الفيلم ويمكن للمشاهدين والنقاد أن يقيموه من خلال مضمونه وإلى أي مدى التزم بالمعايير المهنية"، وأكد أنه لا هدف له سوى محاولة إيضاح الغموض الذي ظل يلف القضية منذ عقود.


وستبقى ملفات الصراع والتصفيات الدموية التي شهدتها اليمن، كما هو حال قضية اغتيال الرئيس الحمدي ومن بعده ومن قبله زعماء وقادة يمنيون، محل بحث وتقصي حتى يتم إجلاؤها في ظروف أكثر قابلية لتقديم الحقائق دون وجل ودون توظيف.