صياغة الحلي في اليمن

العقيق اليماني ومصْوُغات الفضة في زمن الحرب.. تعرف على قصة الشاب محمد جحوش "صائغ الحلي"!

يستيقظ الحرفي اليمنيّ الشاب محمد جحوش باكراً في منزله الواقع في الطرف الغربي لصنعاء ليذهب إلى دكانه في أحد أطراف (سوق الملح) في صنعاء القديمة/ وسط، حيث يعمل يوميًا بدأب في صوغ وبيع المصوغات الفضية المزدانة بالعقيق اليماني؛ وهي حرفة يمنيّة أصيلة استعادت بعض بريقها خلال سنوات الحرب المستعرة منذ أكثر من أربع سنوات.

ساعد كساد الحرب في عودة بعض الحرفيين للعمل في حرفهم التقليدية كمصدر آمن للدخل، بعد أن أوقفت الحرب كثيراً من مصادر الدخل في مجالات الخدمة العامة، كما استعادت بعض الحرف التقليدية بريقها نتيجة تزايد الطلب على منتجاتها خلال الحرب، ربما، مع ارتفاع منسوب الوعي الوطني وخاصة الحرفي باعتباره مرتبطا بهوية يمنيّة.

وتُعدّ حرفة المصوغات الفضية المزدانة بأحجار العقيق اليماني من أشهر الحرف التقليدية المحلية، التي عرفت بها أسواق صنعاء التقليدية بشكل خاص على مر التاريخ.

ينتمي مُحمّد لعائلة هي من أشهر من يعمل في صنعاء على مدى عقود طويلة في هذه الحرفة، حيث تعلّمها مثل أشقائه من والده “تعلمنا من والدي أصول الحرفة وأهمية المحافظة على تقاليدها اليمنيّة المرتبطة بالتراث الأصيل، حيث ما زال والدي يرفض حتى اليوم الاشتغال بعيداً عن التقاليد في تنفيذ المشغولات الفضية المزدانة بالعقيق” يقول محمد لـ”القدس العربي”.

وأنت تتنقل في أزقة صنعاء القديمة يمكنك تأمل أيدي الرجال والنساء أيضاً؛ حيث تجد كثرة منهم صاروا يحرصون على أن يزدان أحد الأصابع بخاتم تقليدي من الفضة يتوسطه فص عقيق، كتقليد اتسع كثيراً في الفترة الأخيرة وتطورت حرفته واستخدامه عما كان قبل الحرب؛ ونتيجة لذلك صار السوق يعج بخواتم ومشغولات ليست يمنيّة سواء في الفضة أو العقيق وخاصة المستقدم من الصين في منافسة للمحلي مع تزايد الطلب عليه.

ويقول محمد “يمتلئ السوق بمنتجات صينية وغيرها، سواء في الفضة أو العقيق، وهي ليست فضة خالصة والعقيق الذي بعضه ليس حقيقيا بل هو منتج مصنوع من البلاستيك، لكنه يشبه العقيق في الشكل؛ إلا أن الزبون الحاذق يمكنه أن يكتشف الفرق بسرعة، كما أنه خلال فترة من لبسه يتغير لونه ويتضح الغش فيه سواء فيما يقال إنها فضة خالصة أو إنه عقيق خالص” ويضيف “بالتأكيد أن المستورد يؤثر كثيراً على المنتج التقليدي المحلي، لاسيما وأن سعره ليس رخيصا كما قد يعتقد البعض بينما المنتج المحلي التقليدي يتطلب من الجهد والوقت والمهارة والخامات الكثير حتى يصبح جاهزاً، فيأتي تحفة فنية بينما المستورد سلعة تجارية مغشوشة بلا روح وبلا هُوية. وعلى الرغم من المنافسة الشرسة ما نجده في السوق إلا أننا ما زلنا محافظون على تقاليد الحرفة. كما صار الزبون في معظم الأحوال يعرف خصوصية المنتج الحرفي المحلي، ويحرص على أن يشتري منتجا يحمل هويته كيمنيّ لأنه سيبقى معه مدى العمر، ولن يتغير فيه شيء”.

تطورت هذه الحرفة، ولم تعد تقتصر على الخواتم؛ بل صارت تشمل مصوغات زينة نسائية كالأقراط والأساور والخلاخيل والقلائد وغيرها مما كانت تعتمد عليه اليمنيات قديماً، والتي يتم إنتاجها في صور فنية غاية في الجمال تمزج بين القديم والحديث، مزدانة بفصوص عقيق ذات ألوان وأشكال مدهشة.

مرحلتان

يعتمد الحرفي في إنتاج هذه المصوغات على مرحلتين: الأولى، هي تجهيز المصوغ الفضي وفق المقاس والشكل والتصميم المطلوب بما يتناسب وحجم فص العقيق، وهذا يعتمد في المعمل على استقدام خام الفضة، وغالبا – وفق حرفيين – ما يكون من عيار 999.9 ثم يتم تعديل الخام إلى عيار 925 باعتباره العيار المعمول به والأشهر في السوق وفق أحد الحرفيين المهرة.

ويتكون معمل صوغ الفضيات من عددٍ من الآلات مثل: ماكينة السحب (التسطيح) وماكينة الدبكي، وهي مكبس قص القطع والمنمنمات، وماكينة تشكيل أسلاك الفضة ومنظومة اللحام بالغاز وغيرها من الأدوات التي يستخدمها الحرفي في تنفيذ القطعة الفضية كالخاتم مثلاً، والذي يتكون أحياناً من عشرات القطع الفضية الصغيرة؛ فبعض الخواتم الفضية تتكون من أكثر من مئة قطعة ومنمنمة فضية حسب الحرفي محمد، أما تشكيل القطعة فيعتمد فيه الحرفي على مهاراته اليدوية في إنجاز التصميم النهائي.

ويتم إنجاز تصميم القطعة الفضية وفق مقاس وشكل حسب رغبة من طلب القطعة أو وفق مقاسات وأشكال تكون في الغالب هي المطلوبة، وهذا فيما يتعلق بالأعمال الجاهزة، أما كثير من الأعمال فيتم تنفيذها بناءً على طلب مسبق من الزبون، والذين يكونون غالبا من الجنسين.

عقب إنجاز القطعة يجري الانتقال إلى المرحلة الثانية، حيث يتم وضع فص أو فصوص العقيق اليماني على القطعة الفضية الفنية؛ ولفصوص العقيق قصة طويلة تبدأ من استخراج أحجارها من الجبال وصولاً إلى تجهيزها فصوصاً أو فصاً خاصا بمصوغ زينة. وبعد تثبيت العقيق على المشغول الفضي يتبقى تلميعه وتجهيزه بشكله النهائي قبل عرضه أو تسليمه للزبون.

ويتميز بعض الحرفيين بالالتزام بالحفاظ على الطابع اليمنيّ في المشغولات الفضية في موازاة حرصهم على مجاراة العصر في التصميم؛ وهو ما ينتج عنه أعمال فنية بديعة.

العقيق اليماني

ويتميز العقيق اليماني على غيره بكونه أكثر صفاءً وبريقاً وجمالاً في ألوانه، ويتم استخراجه من جبال مختلفة في البلاد، وأشهر مناطق استخراجه هي جبال منطقة آنس في محافظة ذمار/ وسط البلاد.

يمرّ العقيق بعددٍ من المراحل حتى يصبح جاهزاً لاستخدامه في المصوغات؛ فبعد استخراجه من الجبال يتم قطع الأحجار وصولاً إلى الجلخ ومن ثم الصقل والتلميع حتى يصبح فصوصاً في أحجام وأشكال مختلفة يتم تكييفها وفق حاجة الصائغ والقطعة الفضية.

وانتشر تقليد في الأسواق اليمنية، هو عرض فصوص عقيق مختلفة الأنواع والألوان والأحجام والأشكال، وعلى الزبون شراء الفص الذي يريد ليتم تفصيل الخاتم أو المصوغ الفضي المطلوب، وتختلف أشكال فصوص العقيق بين: القُبي (يشبه في الشكل القُبة) البيضاوي، المسطّح، المربع، المدور…ألخ وأفضل الأشكال وأكثرها تفضيلاً يكون القبي.

كما يختلف نوع خام العقيق، حسب صفاء لونه، ومن أنواعه اليمانية: الكبدي، وهو أشهر الأنواع وأكثرها تفضيلاً، والبُني وهو يلي الكبدي من حيث الطلب ويشبهه، ومن ثم يأتي الرُماني، وهو يشبه اللون الأحمر الفاتح، والعقيق الزهري…وغيرها من أنواع وألوان العقيق.

أساطير

ارتبط العقيق لدى كثير من الشعوب بعدد من الأساطير يعتقد فيها بعض مستخدميه؛ فمنهم من يطلبه للشفاء ومن يطلبه للجاه أو لدرء السحر، وغيرها من المعتقدات التي يؤكد الحرفيون أنها ليست سوى أساطير لا صحة لها مطلقاً، منوهين بارتباط العقيق بالجمال لا أكثر.

 

 

 

تقرير احمد الاغبري- القدس العربي