دعوات لمقاطعة إسرائيل  رويترز

مسابقة غنائية أجبرت إسرائيل على الرضوخ لمطالب المقاومة في غزة

جاء الإعلان عن وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية مفاجئاً إلى حد كبير للمتابعين من الجانبين، حيث بدا أن التصعيد هو الأقرب وليس التهدئة، فما الأسباب التي دفعت تل أبيب إلى الرضوخ لمطالب «حماس» هذه المرة وبهذا الشكل السريع والمفاجئ؟

 

صحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية نشرت تقريراً الثلاثاء 7 مايو/أيار 2019، ألقت فيه الضوء على تفاصيل القصة، تحت عنوان «كيف لعبت مسابقة غنائية دولية دور البطولة في الجولة الأخيرة من الصراع بين إسرائيل وغزة؟».

يوروفيجن

المسابقة الغنائية هي «يوروفيجن»، والمفترض أن تقام في تل أبيب بالفترة من 14 إلى 18 مايو/أيار 2019، وبوجود مطربة شهيرة مثل مادونا ستغني ضمن الفعاليات، التي يُنتظر أن يشاهدها 200 مليون شخص عبر الشاشات حول العالم، تسعى إسرائيل إلى تحقيق دعاية إيجابية في مقابل الدعوات إلى مقاطعة الدولة العبرية، لكن تلك الرغبة في جذب الأضواء لها جانبها السلبي وهو إضعاف موقف تل أبيب.

وفي هذا الإطار أجمعت حركات المقاومة المسلحة بقطاع غزة «حماس» و «الجهاد»، والجيش الإسرائيلي والمحللون على أن المسابقة الغنائية كانت عنصراً أساسياً في توقيت التصعيد الأخير وكذلك في التوصل إلى اتفاق هدنة يلبي مطالب الجانب الفلسطيني.

«حماس» من جانبها، قالت إنها وجدت اللحظة سانحة للضغط على إسرائيل لتنفيذ التزاماتها، بموجب هدنة طويلة الأمد، يتم من خلالها تخفيف الحصار الاقتصادي على القطاع، الذي وصلت فيه نسبة البطالة إلى 50%.

إسرائيل على الجانب الآخر، ستكون مترددة في التصعيد، حتى لا تدخل في نزاع طويل الأمد يمكنه أن يشوش على المسابقة الغنائية، خصوصاً أن الفترة نفسها تشهد أيضاً مناسبات قومية إسرائيلية مثل ما يُعرف بِعيد الاستقلال، إضافة إلى انشغال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بمفاوضات تشكيل الحكومة الجديدة.

عبقرية التوقيت

طارق باكوني، محلل في كرايسيز غروب الدولية ومتخصص بالشؤون الفلسطينية الإسرائيلية، أكد تلك الأسباب، قائلاً: «بالتأكيد كان هناك إحساس بأن إسرائيل لن تريد التصعيد قبل يوروفيجن، حيث توجد فرصة سانحة مع انشغال نتنياهو بمناقشات التحالف الحكومي، وهذا قد يجعله أكثر مرونة، وولَّد هذا شعوراً لدى الجانب الفلسطيني بأنهم لو تمكنوا من استغلال الفرصة فربما يحققون شيئاً ما».

وهذا ربما يفسر إطلاق المقاومة أكثر 690 صاروخاً وقذيفة مدفعية، اعترضت معظمها قبة إسرائيل الحديدية وهي منظومة الدفاع الصاروخية، لكن سقط منها عدد ليس قليلاً بمناطق مأهولة وتسبب في قتل 4 إسرائيليين، وهي الخسارة الأولى منذ عام 2014، بسبب الصواريخ الفلسطينية بدائية الصنع.

باكوني عدَّد أيضاً أسباب التصعيد من جانب «حماس»، وهي نفسها التي تتكرر كل مرة، من قبيل الضغوط الاقتصادية الخانقة التي جعلت الوضع في غزة على وشك الانهيار، إضافة إلى دخول شهر رمضان المعظم، وهو ما يجعل الظروف الاقتصادية أكثر ضغطاً، ورغم وجود هدنة سابقة، من شروطها سماح إسرائيل بدخول المساعدات المالية القطرية للقطاع وكذلك وجود حلول لكارثة انقطاع الكهرباء بالقطاع وتوسيع حقوق الصيد في المياه الإقليمية لغزة- فإن أياً من تلك المطالب لم تلتزمها إسرائيل في معظم الأوقات.

حسابات دقيقة من جانب المقاومة

وبالفعل أثبتت الأحداث أن حسابات المقاومة كانت صحيحة هذه المرة، فما إن بدأ التصعيد وبدأ اطلاق الصواريخ من القطاع حتى أصبح الحديث عن المسابقة الغنائية «يوروفيجن» هو موضوع الساعة في الإعلام الإسرائيلي، وأصبح الخبراء والمحللون على الشاشات الإسرائيلية لا حديث لهم إلا عما يجب أن تفعله حكومة نتنياهو لإنقاذ المسابقة والهدف الترويجي من ورائها.

ورغم تصريحات نتنياهو بأن قصف غزة سيستمر، جاءت التقارير الإعلامية الإسرائيلية لتؤكد أن القيادة السياسية أمرت الجيش بأن يُنهي عملياته العسكرية قبل بداية مسابقة «يوروفيجن»؛ حيث إن تل أبيب التي ستغني فيها مادونا تقع ضمن مدى صواريخ «حماس» و «الجهاد».ك

وقد أكد شاؤول شاي، نائب سابق بمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، المعنى نفسه في تصريحاته لـ «واشنطن بوست»: «التوقيت بالنسبة لإسرائيل كان الأسوأ على الإطلاق، بسبب كل الحساسيات قررت القيادة الإسرائيلية أن أفضل حل الآن هو التوقف».

أليكس فيشمان، الصحفي الشهير، كتب في عموده بصحيفة «يديعوت أحرونوت» عن الموضوع نفسه، تحت عنوان «السلام من أجل عملية يوروفيجن».

متحدث باسم حركة «الجهاد الإسلامي» أعلنها صريحة: «المقاومة حريصة على ألا تعطي العدو الفرصة كي يخدع العالم عن طريق تنظيم مسابقة يوروفيجن في جو من الهدوء، ومن ثم يحاول تأليب القوى الدولية على حقوق الفلسطينيين».

من جانبها، توجهت «حماس» بالشكر لقطر إثر الإعلانعن الهدنة بعد أن قدمت الدوحة 480 مليون دولار مساعدات للفلسطينيين في الضفة وغزة، ولا بد هنا من أن نذكر أن اتفاق الهدنة الذي تم توقيعه في مارس/آذار 2019، كان ينص على وصول 30 مليون دولار مساعدات قطرية كل شهر، ولكن إسرائيل -على ما يبدو- لم تلتزم، وهو ما جعل موقف «حماس» أكثر تشدداً هذه المرة حتى وافقت إسرائيل.