تصاعد الجدل في ألمانيا إزاء أحداث "تحرُّش رأس السنة"

تصاعد الجدل في ألمانيا بشأن تناول الاعتداءات الجنسية الجماعية التي ارتكبتها مجموعات من الشباب الذكور خلال احتفالات ليلة رأس السنة في مدينة كولونيا، حيت تتجه أصابع الاتهام للشرطة ووسائل الإعلام بتبنيهم سياسة التعتيم، بسبب مخاوف من تأجيج المشاعر المعادية للأجانب في ظل أزمة المهاجرين.

فقد تلقت الشرطة حتى الآن نحو 100 بلاغ بالتعدّي، وتضمّنَ ثلثا البلاغات اتهامات بالاعتداءات الجنسية، فضلاً عن بلاغين بالاغتصاب.

بحسب قوات الشرطة وشهود العيان، ينتمي مُرتكبو الاعتداءات إلى جنسيات عربية وشمال أفريقية؛ رغم أنه لم يتم نشر أي معلومات بشأن هوياتهم أو أصولهم حتى الآن، وفق تقرير نشرته صحيفة الغارديان البريطانية، الخميس 7 يناير/كانون الثاني 2016.


جدل بشأن سياسة "الباب المفتوح"

سلطت تلك الحوادث الضوء على التوترات المُحتدمة في المجتمع الألماني، في أعقاب سياسة "الباب المفتوح، المُثيرة للجدل، والتي انتهجتها المُستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، تجاه اللاجئين.

وقد بلغت أعداد اللاجئين الذين وصلوا ألمانيا أكثر من مليون شخص خلال 12 شهراً الماضية، فضلاً عن آلاف يتوافدون كل يوم.


دعوات لوضع حد للهجرة

كما جددت تلك الحوادث نداءات الجناح اليميني السياسي الشعبوي، مثل حزب البديل من أجل ألمانيا AFD، وكذلك حركة بيغيدا المعادية للإسلام، بالدعوة لوضع حد للهجرة الجماعية لألمانيا.

ولم تقتصر تداعيات الحادث على الأحزاب والحركات السياسية، حيث احتشدت مجموعة من النساء في الميدان الواقع خارج محطة السكك الحديدية الرئيسة بمدينة كولونيا، داعية الحكومة إلى بذل المزيد من الجهد للتصدي للعنف الذكوري.

واحتدم الغضب أكثر فأكثر إثر إقرار الشرطة بأنه من غير المرجح أن يتمكنوا من إدانة أي من الجناة.

ولكن في وقت لاحق أمس الأربعاء 6 يناير/كانون الثاني 2016، أعلنت الشرطة الألمانية أنها تمكنت من تحديد هويات 3 من المُشتبه بهم ذوي الصلة بالاعتداءات؛ رغم أنها لم تقم بأي عمليات احتجاز حتى الآن.


حوادث مماثلة

ولم تكن كولونيا الموقع الوحيد الذي شهد مثل تلك الاعتداءات، فقد وقعت حوادت مماثلة ولكن على نطاق أضيق.

حيث أوردت الشرطة في هامبورغ وشتوتغارت وفرانكفورت ودوسلدورف بلاغات تورّط نحو 500 إلى 1000 رجل في الهجمات المتفرقة التي لحقت بالمحتفلين خارج الكاتدرائية القوطية في المدينة، بينما كانوا يشهدون بداية العام الجديد.

وبحسب شهود عيان فإن ذكوراً تتراوح أعمارهم بين 15 و35 عاماً، حاصروا بإحكام مجموعات من النساء تتراوح أعدادهن بين 30 و40، قبل أن يبدأوا في الاعتداء الجنسي عليهن، وتم إلقاء العديد من الألعاب النارية وسط الحشود بالإضافة إلى الفوضى التي تلت ذلك، مما اضطر الشرطة إلى إخلاء الميدان.

الشرطة من جانبها قالت إن المُعتدين يبدون منظمين، على غرار العصابات الإجرامية التي تعمل لسنوات عديدة في المنطقة التي حوّلوها لوجهة يتجنبها سكان كولونيا بعد حلول الظلام.

فالمجموعات الإجرامية المعروفة محلياً باسم "والتزرز" تتشكل من رجال يُسقطون ضحاياهم، عادة عبر إلحاق التواء بسيقانهم بطريقة مُراوغة، مما يُفقدهم توازنهم وحينها يُتسنى للجناة سرقة حافظات نقودهم أو هواتفهم المحمولة من جيوب ملابسهم أو حقائبهم.

خلفت أحداث كولونيا كذلك تصريحات أثارت جدلاً. عمدة بلدية كولونيا، هنريت ريكر، وجهت نداءات للنساء بحماية أنفسهن من مثل تلك الهجمات في المُستقبل بترك مساحة بطول ذراع تفصل بينهن وبين الغرباء.

وفي إشارة إلى احتفالات الكرنفال المقرر انطلاقها خلال الشهر المقبل، حثّت ريكر النساء على "البقاء سوياً على شكل مجموعات".

تصريحات ريكر لاقت نقداً عبر الشبكات الاجتماعية، مما دفعها للاعتذار عنها لاحقاً، وقالت إنها لم يتم تداولها في سياقها الكامل.

أثارت تصريحات ريكر أيضاً انتقادات مانويلا شفيسيغ، الوزيرة الألمانية الاتحادية لشؤون المرأة، والتي قالت "إن الوقت الذي لم يكن من المفترض فيه للنساء أن يرتدين تنانير قصيرة قد مضى".


لا دليل على تورط اللاجئين

أما تصريحات الحكومة الألمانية والسياسيين المحليين فتتجه للإشارة إلى أنه لا دليل على تورط اللاجئين في تلك الهجمات.

فريكر قالت أيضاً إن أي ترجيحات بأن الجُناة قد يكونون لاجئين "غير جائزة على الإطلاق".

ولكن الكثير من المنتسبين لليمين المتطرف على الساحة الألمانية كانوا حريصين على التأكيد أنه لا يوجد دليل لإثبات عكس ذلك.

فكل من اليمين واليسار على وعي بماهية الاحتدام السياسي الذي سينشب حال وجود مؤشرات بأن استعداد ورغبة الألمان للترحيب باللاجئين قد تمت الإساءة إليها على هذا النحو.


إمكانية الترحيل

من جانبه، قال وزير العدل الألماني، هيكو ماس، إن طالبي اللجوء من الممكن ترحيلهم حال ثبوت مشاركتهم في الاعتداءات، كما أن القانون يسمح بترحيلهم أثناء طلب اللجوء حال صدور حكم عليهم بالسجن سنة أو أكثر.

وأضاف إن المحاكم تقرر مستوى الأحكام الصادرة، ولكن من حيث المبدأ فمن الممكن أن تقع الأحكام ضمن إطار الجرائم الجنسية.


اتهامات للإعلام

وسائل الإعلام الألمانية هي الأخرى نالها وابل من الانتقادات من متابعي الشبكات الاجتماعية بشأن التغطية الإعلامية للأحداث.

وقد اضطرت هيئة الإذاعة الألمانية العامة ZDF للاعتذار جراء عدم تقديمها أي تقرير عن الحادث حتى يوم الثلاثاء، أي بعد أربعة أيام من وقوع الهجمات.

أندرياس شوير، من حزب الاتحاد الاجتماعي المسيحي، الحزب الشقيق لحزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي الذي تنتمي إليه المستشارة الألمانية، اتهم وسائل الإعلام الألمانية بتبني سياسة إعلامية أكثر حذراً في تغطية الاعتداءات