صورة تعبيرية

«لديَّ 25 عائلة و35 طفلاً».. تجارة تأجير العائلة والأصدقاء في اليابان تلقى رواجاً

ترجمة: عربي بوست

يويتشي إيشي شاب ياباني نحيف، أطول بكثير من المتوسط، له مظهر هادئ ووجه متعب، وكيف لا يكون كذلك وهو يقترب من سن الـ38 ولديه أطفال أكثر من أي شخص في عمره.

لكن الذي يميز إيشي عن غيره، أن هؤلاء الأطفال هم أطفاله لأربع ساعات فقط في اليوم، ولبضع مرات في الأسبوع، وهذا يتوقف على احتياجات العميل.

قبل عشر سنوات أسس إيشي شركة «Family Romance» التي تعمل في مجال تأجير الأسرة والأصدقاء.

لدى الشركة قاعدة من 2200 موظف على استعداد ليكونوا والديك أو أمهاتك أو أبناء عمك أو أعمامك أو أجدادك أو أحباءك، وعلى الرغم من أنَّ العديد من اليابانيين لا يدركون وجود هذه الشركة، تزداد شعبية مالكها ذي الشخصية الجذابة.

يقول موقع BBC Mundo الإسباني التابع لهيئة الإذاعة البريطانية: حازت قصة إيشي على اهتمام المخرج الألماني الشهير  فيرنر هيرتسوغ الذي ذهب إلى طوكيو لتصوير فيلم بعنوان Family Romance LLC، والذي سيُعرض لأول مرة في مهرجان كان السينمائي ويؤدي فيه يويتشي إيشي دور البطولة.

في الأشهر القليلة المقبلة، سيطلق إيشي كتابه Human Rental Shop، الذي يروي فيه التجارب التي لا حصر لها والمشاعر التي سمحت له بأن يكون جزءاً من مئات العائلات ولكن دون الانتماء حقاً لأي منها.

يخبر يويتشي إيشي BBC Mundo عن تجربته، وهي مزيج لا ينضب من المشاعر والمساهمة التي يقدمها للمجتمع الياباني.

ما هي Family Romance؟

باختصار، Family Romance هي شركة تقدم خدمة لشخص لديه بعض المشكلات ويعاني من بعض أوجه القصور. يقول إيشي: «أنا مزيف، ولكن لساعات قليلة سأكون صديقك أو أحد أفراد عائلتك».

يمكن أن يكون يويتشي إيشي بمثابة فرد من الأسرة أو صديق للعميل الذي يخدمه. فـ «هناك أشخاص كُثر يطلبون هذه الخدمة، لأغراض شديدة التباين. لقد أجرنا جميع أنواع الأقارب وجميع أنواع الحالات»، بحسب ما يقوله يويتشي.

على سبيل المثال، إذا احتاج شخص ما إلى والدين زائفين لتقديمهما إلى خطيبته أو صديقته ولسبب ما لا يستطيع تقديم والديه الحقيقيين، فإنَّه يستخدم هذه الخدمة.

عندها، نبحث عن أشخاص يشبهونه؛ أي لهم الطول وحلاقة الشعر نفسهما وعمر مناسب، إلخ.

يضيف: بالنسبة لمن يعانون من صعوبة في تكوين صداقات، يمكنهم استئجار خدمتنا؛ فنحن نعمل كأصدقاء حقيقيين ونستمتع بالتسوق والمشي والحديث وما إلى ذلك، ويمكننا توفير شريك لحضور حفل زفاف، أياً كان.

هناك عجائز يستأجرون بنات أو أبناء أو أحفاداً للتمتع بما كان لديهم من قبل أو ما لم يحصلوا عليه أبداً.

يُمكن للمستخدمين استخدام موظفينا ليكونوا معهم بمفردهم أو لتقديمهم لأشخاص آخرين. مهمتنا هي أن نتحول رسمياً إلى الأشخاص الذين نمثلهم. يتضمن الهيكل العائلي لشركتنا  جميع الشخصيات، بمن في ذلك الجد، الجدة، الأبناء، الأعمام، أبناء العمومة، إلخ.

منشأ الفكرة

منذ 14 عاماً، كان إيشي في الرابعة والعشرين من عمره، وكان لديه صديقةٌ أمٌ عزباء، وأرادت إرسال ابنها إلى روضة أطفال خاصة، لكنهم طلبوا إجراء مقابلة مع والد الطفل ووالدته. 

لم ينجح الأمر كما توقعت إيشي، إذ عَجَز هو والطفل عن التصرف كأسرة، لكنه اعتقد أن هناك شيئاً مثيراً للاهتمام في مشكلة الاحتياج لوجود الأسرة تلك.

هناك العديد من الأسر ذات العائل الواحد في اليابان ويبلغ عدد المطلقين حوالي 200 ألف في العام.

ومثله مثل غيره من المجتمعات، ففي المجتمع الياباني تُعتبر الأسرة ذات العائل الواحد نموذجاً معيباً، لذلك اعتقد إيشي أنَّه إذا أنشأتُ خدمة لاستئجار فرد يؤدي دور أحد أعضاء الأسرة، فيمكن استخدامها لإكمال المجتمع، وكانت تلك شارة البداية.

سميت الشركة Family Romance على غرار فرضية فرويد The Neurotic’s Family Romance. إنَّها تتحدث عن خيال الأطفال حول الأسرة المثالية، وفي حالتنا اعتقدتُ أنَّ هذه الفرضية كانت مشابهة للغاية للخدمة التي أردنا تقديمها.

الأب هو الدور الأكثر طلباً

إنَّ إيجار الأب هو الأكثر طلباً. فالأب مهم للطفل؛ فهو شخص يجب أن يكون قدوة في الحياة.

تحاول العديد من العائلات تعويض عدم وجود الأب عن طريق استئجار من يقوم بدوره.
عندما يقوم إيشي  بسؤال العميل عن الأسباب، ولماذا يرغب العميل في استئجاره، ثم التفكير في تلك المشكلة الخاصة بالتعامل مع تلك الشخصية.

وعندما يقوم موظفو Family Romance بمواءمة شخصياتهم وفقاً للحالة الخاصة للعميل.

على سبيل المثال، إذا كان العميل مطلقاً وكان الطفل صغيراً، فيجب اختلاق قصة عن سبب عدم زيارته له حتى الآن. شيء من هذا القبيل (أنا آسف، بعد الطلاق تزوجت ولم أستطع زيارتك طوال هذا الوقت). وهكذا، يجري مواءمة التعديلات حسب تاريخ كل أسرة، فلا يوجد نموذج مناسب لجميع الحالات.

إذا كان هناك أحد يبحث عن أب لطيف، أو قوي، أو أنيق، فيمكن للشركة توفير ما يُطلب فعله.

بالنسبة للأب الصارم، على سبيل المثال، فإنَّ لهجة كانساي جيّدة (والتي تبدو أكثر حدة من اليابانية العادية).

بعد معرفة طلبات العميل، تبحث الشركة عن الشخصية التي تنطبق عليها. إنَّه دور مهم لا يمكن استبداله، لذلك، يمكن اختيار أفراد متشابهين واختبارهم حتى يقرر العميل الأنسب.

أنا أب في 25 أسرة

هناك بعض القواعد في Family Romance؛ منها أنَّه لا يمكن أن يكون هناك سوى 5 أسر للشخص الواحد أي الممثل. ومع ذلك، نظراً لأن إيشي بدأ منذ فترة أطول بكثير وأصبح أكثر خبرة، بمرور الوقت وجد نفسه أباً لـ25 أسرة.

في كثير من الأحيان، يحتاج يويتشي إلى مراجعة دفتر ملاحظات ليتذكر تفاصيل الشخصية الخاصة التي يؤديها.

ويقول: «هناك 35 طفلاً يعتبرونني أباً حقيقياً، لكن في المجمل هناك حوالي 69 علاقة مزيفة أقوم بأداء شخصيات فيها، كصديق، وحفيد، وحبيب، إلخ».

وأضاف: «يجب أن أتأكد من مراجعة معلومات الأسرة كل يوم قبل أن أصل للمنزل. لديّ دفتر ملاحظات يحتوي على كل الأسماء والتفاصيل التي أحتاج إليها».

وتابع: «أصل أحياناً إلى أحد المنازل وأنا أعرف الأسماء، لكني أنسى بعض الألقاب، حينها أذهب إلى الحمام وأفتح دفتر الملاحظات وأراجع تلك التفاصيل».

عندما يكون هناك عدد كبير للغاية من أفراد الأسرة، فمن الوارد حدوث الأخطاء.

ويقول: «باعتباري أباً، ففي بعض الأحيان يجب أن أذهب في الصباح إلى اجتماع ما بالمدرسة، وفي فترة ما بعد الظهر، أذهب إلى حدث رياضي، ثم إلى العشاء. إنه عمل شاق يتطلب جهداً كبيراً».

ويشير إلى أنه بتكرار ذلك مرات ومرات، بدأ يحتاج مساحة لنفسه فقط، إذ أراد أن يكون بمفرده.

ويقول: «ليس لديَّ إجازات، لكنني قررت أنَّ وقتي الشخصي هو بين منتصف الليل والساعة الثالثة صباحاً، بغض النظر عن مدى شعوري بالتعب. أشاهد الأفلام وأرسم… هذه هي إجازتي. أنام نحو ثلاث ساعات في اليوم».

العمل المستمر لا يسمح لك بالنوم سوى ثلاث ساعات في اليوم.

ويضيف: «هناك لحظات في حياتي الخاصة، حيث أشعر بأن الطريقة التي أضحك بها تخصُّ الشخصية التي جسدتها في اليوم السابق، وهذا يُشعرني ببعض الخوف. من أكون حقاً؟ ربما هناك شيء يتعيّن عليَّ فعله».

ويتابع: «ما زلت أعزب ووالديَّ على قيد الحياة. في بعض الأحيان، عندما أقابل أسرتي وأتناول الطعام معهم، يمكنني العودة إلى نفسي للحظة».

الزواج بين الواقع والخيال

يقول يويتشي إنَّ هناك سببين لعدم رغبته في الزواج بالوقت الحالي: الأول هو أن لديه 25 أسرة غير حقيقية، لكنها أُسر في النهاية، لذا إذا تزوج، فسيفكر في وجوه كل فرد منهم كيف سيكون شعورهم، مضيفاً: «أسألُ نفسي هذا السؤال دائماً».

السبب الثاني هو أنَّه حتى لو تزوج وأنجب أطفالاً حقيقيين، فإنه يخاف عندما يفكر في أنه قد يشعر بأنه مجرد دَور مزيف آخر، وأن يختلط كل شيء في النهاية.

العمل مقدَّم على المشاعر

يقول يويتشي: «عندما أكون في منتصف النهار، وأشارك وقتي مع أسرة وأطفال، فإن سلوكي معهم نابع عن الحب العميق من القلب. ومع ذلك، فإن تغيير المشاعر مهم جداً؛ إذ يجب أن أتوقف عندما يحين الوقت لذلك».

عندما يحين الوقت ينبغي له اختلاق بعض الأعذار لتوديعهم، مثلاً: «يجب أن أذهب للعمل» أو «يجب أن أعود إلى المنزل»، في حالة الوالدين المنفصلين.

ويشير إلى أنه ليس من السهل إقناع الأطفال، لأنَّهم يفكرون: «لماذا عليك أن تذهب إلى المنزل؟»، مضيفاً: «أشعر بالحزن الشديد عندما أرى أحدهم يبكي. تلك اللحظة هي الأصعب».

ويوضح أن دوره يتمثل في تقديم عائلة مثالية للعميل، مستدركاً: «لكنني لا أستطيع أن أزيف شعور الحب»، إذ عليك أن تعرف متى تفصل الواقع عن الخيال.

ويتابع: «بعض العملاء يثقون بتلك المشاعر؛ إذ إن مشاعري الحقيقية هي الغالبة. لكنني لا أستطيع التجاوب معهم، ويجب أن يكون لديَّ الشجاعة لأخبرهم».

في الوقت نفسه، أُوضح أن هذا عمل تجاري ويكلف مالاً؛ إذ يدفع العميل 20 ألف ين لكل أربع ساعات (180 دولاراً أمريكياً)، بالإضافة إلى التنقلات والوجبات. إنها خدمة مكلّفة للأم العزباء.

إذا كان هذا الأمر مرتين أو ثلاث مرات أو أكثر، يصبح مكلفاً، حتى إنَّ بعض العملاء مَدينون للشركة، وهناك أيضاً أشخاص يتبعون الممثل عندما يغادر، وهذا يمثِّل مشكلة حقيقية.

في البداية، يقول يويتشي إنَّه لم تكن لديه أي خبرة، وكانت هناك أوقات لم يكن يعرف فيها كيف يفصل مشاعره، لكن الآن لم تعد لديه هذه المشكلة.

ويضيف: «عندما أعمل، أبذل قصارى جهدي. لكن عندما يحين الوقت، بطريقة ما، ودون أن أتخلى عن أداء شخصيتي، أغادر في الوقت المحدد».

من دون علاقات جنسية

تتضمن قواعد الشركة عدم السماح بالتقبيل أو ممارسة الجنس، وكل ما يمكن فعله هو تشابك الأيدي.

ويقول إنه يوجد نحو 30 نوعاً من الخدمات تقدمها الشركة، لكل منها كُتيّبات إرشادية، لذلك تجري مراجعة هذا الدليل يومياً بحيث يشعر العميل بأنَّ دور الشخص الذي يستأجره تمت تأديته على أكمل وجه.

ويضيق: «بالطبع نحن بشر، ويمكن أن تتغير مشاعرنا. في إحدى المرّات أردت تقبيل زوجة، لكنني لم أفعل ذلك. لديَّ ما يكفي من ضبط النفس، لأنَّ هناك عديداً من القواعد، وهي واضحة منذ البداية، حتّى لو أصرّ العميل».

متى تُكشَف الحقيقة؟

هل يجب أن نخبر الأطفال بالحقيقة عندما يصبحون بالغين أو أفراداً في المجتمع؟

يعتقد يويتشي ذلك، إذ يقول: «إحدى بناتي، التي قابلتها عندما كانت في الصف الرابع، تبلغ الآن 20 عاماً، ومن أعماق قلبها ما زالت تعتقد أنني والدها. أفكر في ذلك منذ 10 سنوات».

ويضيف: «إنه أمر صعب، لأنه في مرحلة ما يجب على العملاء أن يقولوا لأطفالهم الحقيقة، لكن لا يمكنني أن أقرر ذلك. أريد أن أقدم السعادة في مقابل عملي، ولهذا السبب قمت بإنشاء هذه الشركة، لكن إذا ظلت الحقيقة مخفية فترة طويلة، فسوف يؤثر ذلك فيَّ بطريقة ما».

مع مرور الوقت تكبر القصة ويصعب إيقافها.

الوحدة في المجتمع الياباني

يقول يويتشي إن هناك حاجة لوجود رفقاء في المجتمع الياباني.

يتمتع اليابانيون بحسن الضيافة وهي ثقافة تحترم وتقدر الآخر، المشكلة هي أنهم قلقون للغاية بشأن الرادع الأخلاقي أو ما يقوله الآخرون. ويقول يويتشي: «من الصعب علينا أن نكون كما نريد، أو أن نعبر عن أنفسنا بالطريقة التي نريدها. ولهذا، أشعر بأن خدمة شركتنا أمر ضروري».

في الماضي، كانت الأسرة اليابانية كبيرة. أما الآن، ومع معدل المواليد الآخذ في الانخفاض، بالإضافة إلى تغيُّر طرق التواصل، كانت النتيجة تناقص عدد المحادثات الأسرية.

ويقول يويتشي: «لا شك في أنَّه سيكون من الأفضل لو لم يحتجْ مجتمعنا إلى مثل هذه الخدمة، لكن الأمر ليس كذلك الآن. نحن نعيش زمناً أصبح  فيه الإيجار ضرورياً لإكمال المجتمع».

ويضيف: «بالطبع، تعود جذوري إلى عائلتي الحقيقية، ولا أحد يولد بمفرده. ومع ذلك، أعتقد أن روابط الدم ليست كل شيء؛ إذ يمكننا أن نؤدي حقاً دور الأب في الأسرة دون رابطة دم حقيقية. شعارنا هو (السعادة الحقيقية)».

أشعر بالرضا

عندما تستأجر شخصاً، فذلك لأنك، بطريقة أو بأخرى، تعجز عن الحصول على هذه العلاقة بنفسك.

يقول يويتشي: «بالطبع سنواجه عدة انتقادات بأن الأمر مجرد خدعة أو أننا لا نقول الحقيقة، إلخ. مع ذلك، بغض النظر عما يقوله الآخرون، كلما وجدت شخصاً يحتاجني، سأواصل القيام بذلك».

ويضيف: «عندما أتمكن من تلبية احتياجات العملاء، أشعر بالرضا من أعماق قلبي. أعتقد أنَّه من الجيد أننا موجودون وأنني أنشأتُ هذه الشركة».