هل بدأ خريف برشلونة؟! سؤال ظهر على استحياء بين أنصار مشجعي العملاق الكتالوني عقب الهزيمة الثقيلة أمام ليفربول في إياب نصف نهائي دوري الأبطال قبل 3 أسابيع تقريباً، لكنه عاد مجدداً ليطل بقوة عقب خسارة نهائي كأس ملك إسبانيا أمام فالنسيا.
الحقيقة أن الأمر يتجاوز بكثير، حدود الهزيمة من ليفربول، رغم أن أحداً لا يناقش كون ما حدث في ملعب أنفيلد رود كارثة كروية للبلوغرانا بكل المقاييس، كما أنه يتجاوز خسارة لقب الكأس الذي فاز به البارسا في المواسم الأربعة الماضية على التوالي.
خلال المواسم العشرة الأخيرة سيطر برشلونة تقريباً على المسابقات المحلية في إسبانيا، ففاز بسبعة ألقاب دوري، في حين فاز الريال مرتين فقط مع مورينيو موسم 2011-2012، ثم مع زيدان في الموسم قبل الماضي، كما فاز أتلتيكو مدريد بلقب وحيد موسم 2013-2014.
كما فاز البلوغرانا بخمسة ألقاب لكأس ملك إسبانيا مقابل لقبين لريال مدريد، ولقب وحيد لكل من إشبيلية وأتلتيكو مدريد وأخيراً فالنسيا.
كل ذلك بفضل مجموعة من اللاعبين الأفذاذ، يتقدمهم بالطبع الظاهرة الكروية الخارقة الأرجنتيني ليونيل ميسي، وهُم مجموعة اللاعبين الذين بدأت مواهب أغلبهم تتفتح مع المدرب الهولندي ريكارد الذي تولى تدريب البارسا بين عامي 2003 و2008، حيث منح الفرصة لمجموعة من اللاعبين المميزين، ثم جاء الفيلسوف بيب غوارديولا ليصقلهم حتى قادوا البارسا للسيطرة على مقاليد البطولات المحلية الإسبانية عقداً كاملاً بعد سنوات من الجفاف.
مشكلة برشلونة في الوقت الحالي يمكن رصدها في عدد من النقاط كالتالي:
– كبر سن النجوم:
وقع الفريق الكتالوني في معضلة كبيرة لم تنتبه إليها الإدارة، وهي الاعتماد على مجموعة اللاعبين المميزين الذين صعدوا للفريق الأول في وقت متقارب بمنتصف العقد الأول من الألفية الحالية مثل ميسي وبوسكيتس وبيكيه وإنييستا وتشافي، وانضم إليهم لاحقاً راكيتيتش وجوردي ألبا ونيمار.
اعتزل بعض هؤلاء وتقدَّم آخرون في العمر، حتى إن أصغر واحد من الأسماء السابقة وهو بوسكيتس عمره 30 عاماً، في حين رحل نيمار بطريقة مسرحية قبل أيام من بداية الموسم قبل الماضي.
اللافت أن برشلونة لا يزال يعتمد على الأسماء القديمة، التي لم تعد تملك القدرات البدنية التي تمكنها من تقديم مستواها المعتاد طوال الموسم، ومن ثم بات من السهل تعرُّض الفريق لهزات عنيفة في بعض المباريات مثلما حدث أمام ليفربول وفالنسيا هذا الموسم، وأمام روما في الموسم الماضي، وقبله أمام ريال مدريد ويوفنتوس وباريس سان جيرمان.
مستقبل برشلونة يمكن قراءته بنظرة على قائمة اللاعبين الحاليين، خصوصاً صغار السن منهم الذين لا يوجد بينهم لاعب يعتمد عليه الفريق بشكل أساسي، أو لاعب يمكنه شغل فراغ النجوم الكبار.
– الإدارة المهتزة:
إحدى أهم مشاكل البارسا في الفترة الأخيرة إدارة النادي تحت قيادة الرئيس جوسيب بارتوميو، الذي حوَّل النادي منذ توليه منصبه في بداية عام 2014، إلى حقل تجارب لسياساته غير المحترفة، فتعاقب أكثر من مدير رياضي خلال السنوات الخمس الماضية، آخرهم إريك أبيدال الذي لا يملك أي خبرة في هذا المنصب.
نتيجة لذلك تم التفريط في لاعبين مهمين دون أن تكون لهم بدائل مثل الظهير داني ألفيش، ثم مواطنه نيمار، وعندما حاول بارتوميو علاج خطأ التفريط في نيمار دخل سوق الانتقالات بطريقة غير مدروسة، ليدفع ربع مليار يورو لجلب لاعبَين فقط: الفرنسي عثمان ديمبلي من بروسيا دورتموند والبرازيلي كوتينيو من ليفربول، لكن اللاعبَين لم يفيدا الفريق طوال موسمين، وبدا أنهما عالة على زملائهما أكثر من كونهما إضافة فنية للفريق.
كذلك اتسمت تعاقدات برشلونة طوال المواسم الماضية، بالعشوائية وضعف الاختيارات إلا من بعض الاستثناءات مثل الأورغوياني لويس سواريز وقبله نيمار والحارس تير شتيغن.
– مدربون دون المستوى:
منذ رحيل غوارديولا في نهاية موسم 2011-2012، لم يجد برشلونة مدرباً يملك نفس شخصية وطموح الفيلسوف، لكن البارسا استمر في الفوز بالبطولات المحلية بفضل التألق الاستثنائي لميسي ومعه بقية «الحرس القديم».
وتوالى على تدريب برشلونة منذ رحيل غوارديولا كل من فيلانوفا مدة موسم واحد، ثم الأرجنتيني تاتا مارتينو موسماً آخر، ثم لويس إنريكي 3 مواسم، وأخيراً فالفيردي.
مشكلة أغلب هؤلاء أنهم أقل من طموحات برشلونة وجماهيره؛ وهو ما يؤدي الى التباين الكبير بين رضا المدرب عما يحققه من نتائج وبطولات محلية، وغضب الجماهير من استمرار الإخفاق الأوروبي.
كما أن كل من جلسوا في مكان غوارديولا لم يحاولوا تطوير أسلوب الفريق بما يتناسب مع مجموعة اللاعبين المتاحين، واستمروا في تطبيق طريقة الاستحواذ على الكرة، لكن من دون فكر «التيكي تاكا» الذي يعتمد على الانطلاق السريع من الخلف إلى الأمام، فبات أسلوب البارسا محفوظاً للفرق المنافسة، وهو ما سهل إيقافه، كما اتسم أداء الفريق بالروتينية والممل في كثير من الأحيان، خصوصاً مع غياب اللاعبين المبدعين في وسط الملعب مثل إنييستا وتشافي ونيمار.
كل ما سبق مجرد رؤوس موضوعات أو عناوين لمشاكل حقيقية يعانيها برشلونة، الذي يقترب من تكرار الفترة السوداء التي اعتادها عقب سنوات الإنجازات الكبيرة، مثلما حدث بعد رحيل كرويف عن تدريب الفريق عام 1996، وقبل ذلك الفترة بين عامي 1958 و1978 حيث لم يفز الفريق خلالها إلا بـ8 ألقاب فقط، منها 3 للدوري و5 لكأس الملك.
ومن المؤكد أن البلوغرانا يحتاج خطوات جادة وسريعة لتجديد دماء فريق بعدد من النجوم صغار السن، ومحاولة العمل على إيجاد بديل مناسب للظاهرة ميسي، الذي لم يعد أمامه الكثير ليقدمه وهو في الثانية والثلاثين من عمره.