مخيم الميل مأرب

"فاطمة" من حلم العودة إلى منزلها إلى الحلم بمخيم بديل يحتويها.. التغريبة اليمنية!

المصدر أونلاين:

على عجل حملّت فاطمة محمد "أم ابراهيم" أطفالها الستة، ما يقدرون على حمله من الملابس ومتاع البيت، لتلف بعد ذلك عدداً من الفرش والبطانيات، وتحمل طفلتها الصغرى (معاقة) وتغادر مسرعة الخيمة المهترئة، وغرفة الطين الملاصقة لها والتي باتت أيله للسقوط، إثر مقذوف سقط بقربها، وهو واحد من عدة مقذوفات صاروخية أطلقتها الحوثيون على مخيم الخانق بمديرية نهم، شرق صنعاء خلال الأيام القلية الماضية.

مسافة طويلة قطعتها الأم مع أطفالها، وأطفال عشرات الأسر التي أُجبرت على مغادرة المخيم، في رحلة نزوح ومعاناة جديدة، قد لا تكون الأخيرة في ظل تصاعد العنف بين أطراف الصراع الرئيسية وتلاشي فرص السلام التي سوقتها الأمم المتحدة على مدى عام كامل، دون إحراز أي تقدم يذكر في معظم مناطق اليمن.

 

وفي مخيم "الميل" غرب مأرب، كانت أسرة أم إبراهيم أوفر حظاً بالمشاركة مع أسرة أخرى في خيمة صغيرة، في حين ظلت المئات من الأسر تبحث عن بقايا خيمة مهجورة أو زقاق بين خيمتين، تقضي فيه ساعات الليل الباردة والطويلة على أمل أن تحصل اليوم الاثنين، على خيمة قد تتشاركها مع أسرة أخرى، وذلك في حال استجابة المنظمات الإنسانية للدعوة والمناشدة التي أطلقتها الحكومة اليمنية الليلة الماضية.

 

نداء عاجل

 

وكانت السلطة المحلية التابعة للحكومة (المعترف بها) في صنعاء، وجهت نداءً إلى المنظمات الإنسانية من أجل التدخل السريع لإغاثة النازحين شرقي المحافظة والذين فروا جراء تفجر المواجهات بين قوات الجيش الوطني ومسلحي جماعة الحوثيين المدعومين من إيران في مديرية نهم.

 

وقالت وكالة الأنباء الحكومية "سبأ”، إن السلطة المحلية لمحافظة صنعاء، "وجهت نداءً إنسانياً لكافة المنظمات الإنسانية الدولية والإقليمية والمحلية للتدخل السريع للاستجابة الإنسانية السريعة للنازحين من المناطق القريبة من الاشتباكات إلى محافظة مأرب، والنازحين من مخيم الخانق الذي استهدفته مليشيا الحوثي بالقذائف رغم أنه يبعد عن مناطق الاشتباكات بأكثر من 50 كيلو مترا”. 

 

وتشهد جبهات القتال شرق صنعاء منذ الأسبوع الماضي مواجهات عنيفة، امتدت خلال اليومين الماضيين، لتصل نيرانها إلى مديرية مجزر في أطراف مأرب والمتون بمحافظة الجوف، بعد تمكن الحوثيين من التقدم، وتراجع قوات الجيش في ظروف غامضة، وصفتها وزارة الدفاع أنها "انسحابات تكتيكية"، ما مكن الجماعة من السيطرة المؤقتة على مواقع ومعسكر المثلث الاستراتيجي الرابط بين المحافظتين الشرقيتين، والعاصمة صنعاء الخاضعة لسلطة المتمردين الحوثيين.

 

وجاء تجدد القتال بعد استهداف جماعة الحوثي لمسجد في معسكر الاستقبال التابع للحكومة بضواحي مدينة مأرب، في الثامن عشر من يناير/كانون الثاني الجاري، بصاروخ باليستي، راح ضحيته 116 قتيل من المجندين الجدد في قوات الحماية الرئاسية، بينهم مدنيين وفق تصريحات متحدث القوات المسلحة، فضلاً عن مئات الجرحى.

 

ومنذ الحادثة، اطلقت الجماعة العنان لطائراتها المسيرة لتجوب سماء مدينة مأرب المكتظة بالسكان والمحاطة بمخيمات النزوح، وتتساقط صواريخها على المدنيين، نتج عن أحدها، مقتل عائشة السوادي وأبنتها رانية السوادي، وأصابت أنور ومسعد ابناء عضو مجلس النواب حسين السوادي، إضافة إلى الجروح البليغة التي أصيب بها أحفاده أمة الرحمن مسعد ( 9سنوات) ورغد مسعد (14 عاماً) وأمل أنور (13 عاماً)، بعد أن سقط الصاروخ على منزلهم الذي يقطنونه بحي الروضة بمدينة مأرب، منذ نزوحهم من مسقط راسهم بالبيضاء قبل ثلاث سنوات.

 

ويتبادل الحوثيون والحكومة اليمنية الاتهامات، يلقي كل منهما المسؤولية على الأخر، بالبدء في التصعيد، وتفجير الوضع، فيما أكتفى المبعوث الأممي بزيارة صنعاء والتعبير عن قلقه وفشل جهود السلام المتعثرة اصلاً، في حين حث أربعة سفراء للدول دائمة العضوية المعتمدين لدى اليمن، أطراف الصراع على التهدئة، مؤكدين أن لا حل في اليمن إلا بالحوار السياسي.
 

 

 أزمة قد تتفاقم

ويقول عاملون في الجانب الإغاثي، إن الأزمة الإنسانية والمعاناة التي تلاحق النازحين خاصة في مأرب، قد تتفاقم إذا ما استمرت المواجهات وامتدت إلى مناطق أخرى، شرق صنعاء، وفي محافظتي الجوف ومأرب المجاورتين.

وأفادوا بأن المئات من الأسر باتت الليلة الماضية، في العراء، في ظل البرد القارس الذي تشهده المنطقة، وهو ما قد يترتب عنه مشاكل صحية حادة خاصة لدى المسنين وصغار السن.

وقال مدير إئتلاف الإغاثة بمحافظة صنعاء، أمين الشامي، إنه تم تسجيل نحو 1800 أسرة نازحة باتجاه مأرب، حتى صباح اليوم الاثنين.

وأضاف في تصريح خاص لـ"المصدر أونلاين" أن العدد مرشح للارتفاع بعد نزوح المئات من سكان قرى نهم، واغلب النازحين في مخيم الخانق.
 

وأشار الشامي إلى المعالجات الطارئة التي اتخذها الائتلاف والسلطة المحلية ومنها محاولة اسكان بعض النازحين في مخيم الميل، والعمل على تجهيز أماكن أخرى بديلة في منطقة الخسيف، إضافة إلى مكان أخر بعد نقطة الميل.

وقال الشامي إن أهم الاحتياجات الحالية تتمثل في توفير الفرش والخيام والبطانيات وأدوات منزلية لعدد لا يقل عن 2000 أسرة بصورة عاجلة، إضافة إلى المواد الغذائية والبنى التحتية كحمامات متنقلة ومياه وغيرها.
 

وأوضح أن استجابة المنظمات "لم يكن بالصورة المطلوبة، باستثناء مركز الملك سلمان ومنظمة الهجرة ومؤسسة استجابة وcssw " مضيفا "لكن هذه التدخلات والاستجابة ما زالت محدودة".

وكان مخيم الخانق يضم أكثر من 1500 أسرة، وفق الوكالة الحكومية، ويقع في مجرى سيل (وادي) محاط بسلاسل جبلية ظلت وحتى وقت قريب حامي طبيعي للنازحين من قصف المليشيات، لكن الألغام التي زرعوها وتجرفها مياه الأمطار، كانت قد أودت بحياة عدد منهم خلال الفترات الماضية.
 

جرائم مباشرة

وأعتبر وكيل وزارة الشباب والرياضة لقطاع المرأة، نادية عبدالله، استهداف الحوثيين لمخيم الخانق للنازحين، امتداد لجرائم الحوثيين التي قالت إنهم مليشيا "بلا قيم وبلا مبادئ تهجر الناس منذ أن كانت في صعدة ولا تضع أي اعتبار لأي مدني أو مسن أو مرأة أو طفل أو نازح".

وأضافت المسؤولة الحكومية في تصريح لـ"المصدر أونلاين" أن المليشيات "هي من هجرت هذه الأسر من مناطقهم إلى مخيم الخانق، ولذلك سوف تهجرهم مرة ثانية وثالثة وعاشرة" مالم يتم مقاومتها والانتصار عليها واستعادة الدولة والجمهورية.

 

وأكدت عبدالله أن لا خيار أمام اليمنيين "إلا هزيمة المشروع السلالي الطائفي، وإلا سوف يظل المواطن اليمني تحت ظلم وقهر هذه المليشيات، فهذا دينهم وديدنهم" حسب تعبيرها.

وقالت رئيسة منظمة سام للسلام وحقوق الإنسان، ليلى لطف الثور، إن نقل الاقتتال بين أطراف الصراع، إلى استهداف مباشر للمدنيين والنازحين في مخيم الخانق "صادم"، معربة في تصريح خاص لـ"المصدر أونلاين" عن إدانتها بشدة لأي استهداف للمدنيين بأي شكل من الأشكال وفي أي مكان كانوا.

 

وطالبت الثور جميع الأطراف بتجنيب المدنيين والمناطق الآهلة بالسكان لأي صراعات مسلحة، "وإثبات حرصها على سلامة المدنيين".

وشددت الناشطة الثور، على أن تكف الأطراف عن تقديم الأعذار ومحاولة شرعنة مثل هذه الجرائم، "والعمل بجدية لإعادة السلام إلى اليمن، عبر طاولات الحوار لا عبر أصوات البنادق".

 

تجدر الإشارة إلى أن أم إبراهيم، عازمة وفق ما نقل عنها أحد العاملين في المجال الإغاثي، على العودة إلى مخيم الخانق بعد الاطمئنان على أبنائها في الخيمة الجديدة، لا لشيء سوأ لأخذ ماكنة الخياطة التي باتت مصدر رزقها الوحيد، منذ وفاة زوجها في مواجهات مع الحوثيين إبان اجتياحهم اجزاء واسعة من محافظتي الجوف ومأرب أوائل عام 2015م.
 

مخيم الميل غرب مارب (المصدر أونلاين)