حرب اليمن

التسوية الملائمة للخارج في اليمن.. تقدير موقف

كلما حصل تطوّر في المشهد اليمني، تعالت أصوات بعض الجهات الدولية المؤثرة في اليمن مثل بريطانيا، للحديث عن ملامح تسوية لإنهاء الحرب والتذكير بنتائجها وفضائل العودة للمفاوضات السياسية.

هذا الأمر تكرر كثيراً، وكان ينتهي إلى الفشل عدا بعض المناسبات، لأن تلك المواقف لم تكن تنطلق من دوافع حقيقية لتحقيق السلام، بقدر ما كانت تعبر عن حاجات أصحابها وحساباتهم المختلفة.
ومع تطورات الأحداث في جبهة نهم شرق صنعاء وما بعدها، ومناطق أخرى في البلاد، تحرّكت بريطانيا -حاملة قلم اليمن في مجلس الأمن- لتحقيق تهدئة والدعوة لمفاوضات عاجلة، انطلاقاً من أن «الوضع تغير اليوم» عمّا كان عليه، بحسب السفير البريطاني لدى اليمن مايكل أرون.
المؤمنون بالسلام حقاً لم يختلفوا معه في الدعوة إليه، لأن غايتهم تحقيق الأمن والاستقرار، والذي لن يتحقق إلا باستعادة الدولة، ولكنهم استغربوا وتساءلوا في نقاشات مواقع التواصل ووسائل الإعلام عن توقيت الدعوة، ولماذا لم تسبق معارك نهم؟ بدلاً من انتظار نتائجها ومعرفة الطرف المتقدم فيها، لإعلان مثل هذا الطرح.
من المنطقي أن يسأل هؤلاء -وهم كثر- عن دلالة التوقيت، والذي يبدو تشجيعاً للحوثي على استغلاله «اتفاق السويد»، وخاصة الجزء الخاص بالحديدة، والذي أوقف عملية الشرعية لتحرير المدينة منه قبل أكثر من عام، وفرض تهدئة هشة لم يلتزم بها، وجعله يتفرغ لمدن ومناطق أخرى دون محاسبة على ما فعله.
إن مثل هذا التعامل مع الحوثي أعطاه ما يعتبره ضوءاً أخضر لفرض واقع القوة هنا وهناك، وتعميده دولياً باتفاق أو قرار، في تشجيع خطير للميليشيات المسلحة للانقلاب على الدول، وتقويض الأمن والاستقرار في المنطقة، وليس فقط اليمن.
من حق السلطة الشرعية المعترف بها دولياً، استعادة سلطتها على كامل التراب الوطني، وطلب المساعدة من أي دولة تمكّنها من ذلك، طالما دعت الحاجة، وهذا مكفول في المواثيق الدولية من أجل ضمان الأمن والسلم الدوليين والقضاء على الانقلابات وإنهاء محاولات تكريس العنف لتحقيق المطالب.
الوضع في اليمن متغير مهما ظهر للبعض ميالاً لصالح هذا الطرف أو ذاك في بعض الأحيان، ذلك أن التحولات والمكاسب مرتبطة بظروف وقتية معينة غير قابلة للاستمرار، مع أن النهاية ستكون لصالح مشروع الدولة الوطنية لا الدويلات والارتهان الأجنبي.
لا يمكن لبريطانيا أو غيرها أن تحدد أي شيء يتعلق بمستقبل اليمن، ولا شكل التسوية مع الحوثيين، وعليها التخلي عن الحنين لممارسة دور الوصي في الجنوب أو الحالم بموطئ قدم في الحديدة على البحر الأحمر.
إذا كانت ترغب هي أو غيرها في أن يكون لديها مصالح في اليمن مستقبلاً، فعليها أن تأتي من الباب عبر الأطر الرسمية والتفاهمات والاتفاقات المنصفة، وليس عن طريق ممارسة الضغوط تارة بوقف الحسابات المالية للحكومة اليمنية في بنكها المركزي، وتارة أخرى بفرض خيارات بمجلس الأمن وغيره.
وخلاصة القول فيما يتعلق بالدعوة لمشاورات جديدة، أنه يجب تجاوز أخطاء الماضي حينما كان يتم تحديد مواعيد جولات التفاوض تلبية لضغوط وأهداف بعض الأطراف الخارجية قبل نضوج ظروفها، النتيجة أنها فشلت عملياً، وهذا ما يجب وضعه في الحسبان.